أحلام مشروعة

بين الواقع والتوقع

د. أيمن منصور ندا
د. أيمن منصور ندا

لم تمر على مصر لحظة كان التناقض الواضح بين الاحتياجات والرغبات، بين الواقع والتوقع، بين ما نحلم بتحقيقه وما نستطيع بالفعل تنفيذه، مثل هذه اللحظة التى نعيشها.. الفجوة نفسها ليست شيئاً جديداً، وهى فجوة مطلوبة دائماً، وبدونها تصاب الشعوب بجلطة دماغية وبتصلب فى شرايين تقدمها.. غير أن المشكلة التى نواجهها تكمن فى أن مساحة الفجوة تتسع باطراد، ولا يمكن بأية مقاييس موضوعية تقليلها.. فإذا كان المصريون يستخدمون «التوك توك» فى عبور الواقع، فإنهم يستخدمون الطائرات «النفاثة» فى التعبير عن توقعاتهم..
فى رائعة يوسف إدريس «الحرام» كان حلم عزيزة وزوجها هو «جدر بطاطا».. ترتب عليه كثير من الألم، والندم، والهلاك ليس لعزيزة وزوجها فقط ولكن لكل الغرابوة (قبيلتها).. جدر البطاطا يعتبر حلماً مشروعاً وبسيطاً للكثيرين.. غير أنه للغرابوة كان الحلم المستحيل.. وبديهى، فإن تفكيرهم، وتفكيرنا معهم، فى «كافيار البيلوجا» يتطلب تدخلاً عاجلاً من مستشفى الأمراض العقلية.. والبيلوجا هو أغلى أنواع الكافيار فى العالم، ويبلغ سعر الوجبة الواحدة منه حوالى عشرة آلاف دولار..
إخفاقات النهضة المصرية على مدار مائتى عام هى نتاج لتزايد الفجوة بين الواقع والتوقع.. «محمد على» كان يحلم بأن تكون مصر إمبراطورية كبرى وانتهى به المطاف مهزوماً ومجنوناً.. والخديو إسماعيل كان يحلم أن تكون مصر قطعة من أوروبا فكانت مصر قطعة من دولة الاحتلال البريطانى لمدة سبعين عاما.. وحلم عبد الناصر بدولة مصرية بحدود الوطن العربى فقادته صواريخ القاهر إلى الهزيمة فى سوريا واليمن، وإلى ضياع سيناء وكاد يحدث ذلك لمدن القناة.. وحلم السادات بدولة العلم والإيمان، فاحتل الدولة رجال الانفتاح وقتله رجال الإيمان.. وأدخل مبارك مصر لمدة ثلاثة عقود فى الثلاجة فجمده المصريون بقية عمره.. وحلم الإخوان بإدخال مصر إلى حظيرة الجماعة، فأدخلهم المصريون إلى حظيرة التاريخ المنسى.. ولاتزال توقعاتنا تسبق واقعنا وإمكانياتنا بملايين السنوات الضوئية ولا نملك حيالها غير الضحك..
نريد لأحلامنا أن تكون واقعية، وقابلة للتحقق، وإلا فعلى كلّ منا أن يشد لحافه جيداً أثناء النوم، حتى لا تتحول أحلامه إلى كوابيس ليلية وهلاووس نهارية..
< أستاذ  ورئيس قسم الاذاعة والتليفزيون
 إعلام القاهرة