القارة السمراء تفتح أبواب تحقيق الأحلام الكبرى لشعوبها

أعضاء الاتحاد الأفريقي عقب اجتماع اتفاق التجارة الحرة
أعضاء الاتحاد الأفريقي عقب اجتماع اتفاق التجارة الحرة

- بدء العد التنازلي لتحقيق حلم منطقة التجارة الحرة

- د. عدلي سعداوي: أكبر سوق تجارى في العالم.. و2.5 تريليون دولار حجم ناتجها المتوقع

- حجاج: ترفع التجارة البينية 50%.. والمساعدات ضرورية للدول ذات الاقتصادات الهشة


تمثل القمة الأفريقية الاستثنائية الـ23 التي تستضيفها عاصمة النيجر نيامي اليوم الأحد، نقطة تحول في مسار التعاون الاقتصادي بين دول القارة بالتزامن مع الإعلان الرسمي لسريان اتفاقية التجارة الحرة القارية التي تضم 24 دولة من بينها مصر بعد أن أقرتها برلمانات 24 دولة أفريقية من بين 52 دولة موقعة عليها.

وتكتسب القمة أهمية خاصة، فهى الأولى من نوعها من حيث الشكل، الذي يُعد تعديله واحداً من خطوات إصلاح آليات عمل الاتحاد الأفريقي، كما يضفي عليها المضمون أهمية استثنائية، وتمنحها فعالياتها وجدول أعمالها طابعاً تاريخياً، حيث تشهد إطلاق حلم عمره سنوات طويلة، طالما سعت دول القارة لتحويله إلى واقع حقيقي يلمسه كل أفريقي، وبعد الجهد الواضح والملموس من الرئيس عبدالفتاح السيسي باعتباره رئيس الاتحاد الأفريقي لعام 2019 وجميع أعضائه، تنطلق منطقة التجارة الحرة الأفريقية من هذه القمة، لتكون أولى خطوات التنمية في القارة، وتفتح الباب أمام خطوات أكبر في دولها على طريق الإصلاح، مثل تطوير البنية التحتية، وتحديث الطرق التي تربط بينها، بما يخدم حركة التجارة البينية، ويصب في صالح اقتصاديات تسعى لفرض نفسها على الساحة الدولية، كأكبر سوق على مستوى العالم.

وتتناول القمة العديد من الموضوعات المهمة التي يسعى الجميع من خلالها لتحقيق بنود أجندة 2063، يعد أبرز هذه الموضوعات إصلاح الاتحاد الأفريقي ودعم ميزانيته، وتعزيز مساهمات الدول في صندوق السلام، الذي يسعى إلى التدخل السريع في حل الأزمات قبل تطورها إلى نزاع مسلح، فضلا عن مناقشة كيفية دمج التجمعات الاقتصادية الأفريقية من أجل تحقيق التكامل القاري المنشود وتفادى ازدواجية العمل، وتوحيد الجهود لرسم ملامح مستقبل أفضل للقارة السمراء.. «الأخبار» أعدت هذا الملف الذي يتضمن تفاصيل كثيرة عن القمة واتفاقية التجارة الحرة.

يحقق إطلاق منطقة التجارة الحرة أحد أحلام القارة الكبرى، ويمنح القمة الأفريقية الاستثنائية بالنيجر وضعا استثنائيا، لأنها سوف ترتبط دائما بتحقيق أحد أهم إنجازات دول القارة، وخطوة جديدة نحو تنفيذ بنود أجندة عام 2063 التي يسعى لتحقيقها جميع أعضاء الاتحاد الأفريقي. ويؤكد الخبراء والدبلوماسيون أنها ستؤثر بالإيجاب على اقتصادات القارة، وهو الأمر الذى سيؤثر بالتبعية على معدل التنمية، بينما يحذر البعض من بعض العقبات التي قد تقف أمام تنفيذها على أرض الواقع، بهدف وضع حلول لها، والمضي قدما على طريق التنمية المرجوة.

في البداية يؤكد د.عدلي سعداوي عميد معهد البحوث والدراسات الإستراتيجية لدول حوض النيل بجامعة الفيوم، أن فكرة الاتفاقية جاءت خلال الاجتماع الثامن عشر لقمة الاتحاد الأفريقي، الذي عقد خلال الفترة من 23 إلى 27 يناير 2012، تحت عنوان «تعزيز التجارة البينية في أفريقيا».. وقد شهدت هذه القمة اتفاقا على أهمية المضي قدما نحو التكامل الإقليمي، وتم تحديد عام 2019 للوصول إلى الاتحاد الجمركي في القارة الأفريقية، مرورًا بمنطقة التجارة الحرة القارية فئ عام 2017 كموعد مبدئي، وذلك في إطار تنفيذ معاهدة أبوجا عام 1991.

ويشير إلى أن فكرة التكامل والاندماج بين التجمعات الاقتصادية الأفريقية تعود إلى خطة عمل لاجوس سنة 1980، ومعاهدة أبوجا، وتهدف إلى إنشاء المجموعة الاقتصادية الأفريقية، وهو الأمر الذي أدى إلى ترشيد تواجد التجمعات الأفريقية القائمة بالفعل.

ويرى د. عدلي أن أبرز إيجابيات اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية، يتمثل فى ظهور أكبر سوق تجاري في العالم لحوالي 1.2 مليار شخص بالقارة، وذلك بمجرد دخولها حيز التنفيذ. وهو الأمر الذي سيؤدي إلى استغلال عدد كبير من الشباب وتعزيز التجارة بين الأفارقة، خاصة أن الدول الموقعة عليها ستلتزم برفع الرسوم الجمركية عن 90% من البضائع.. وهو الأمر الذي سيؤثر بالإيجاب على سهولة التجارة في القارة.. ويضيف: كل هذه الايجابيات ستحقق أهداف الاتفاقية، التي تأتي ضمن الأولويات التي أعلن عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال فترة الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي.

ويضيف أن الناتج الإجمالي المحلي للسوق القارية سيمثل 2.5 تريليون دولار. وتوجد 3 بروتوكولات تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الاتفاقية، هى بروتوكول التجارة في السلع، ويهدف إلى تعزيز التجارة الأفريقية البينية في السلع، وبروتوكول التجارة في الخدمات، ويهدف إلى التحرير التدريجي لتجارة الخدمات من خلال إزالة العوائق التجارية، وبروتوكول قواعد وإجراءات تسوية المنازعات، ويهدف إلى توضيح القواعد والإجراءات المتعلقة بهذه الجزئية.
ويشير إلى أن موافقة الحكومة المصرية على الانضمام للوكالة الأفريقية للتأمين على التجارة سيوفر عنصر الأمان لرجال الأعمال والمستثمرين في أفريقيا، ويُسهل تنمية التجارة المصرية داخل القارة، وهو الأمر الذي سيعود بالنفع على منطقة التجارة الحرة القارية، خاصة أن هذه الوكالة تهدف إلى التأمين على التجارة داخل دول القارة من المخاطر السياسة، وهى وسيلة للشركاء الماليين والتجاريين لتعميم الأعمال والأسواق الإفريقية، والتخفيف من المخاطر التي تواجه نشاط رجال الأعمال، لتحقيق مزيد من الاستثمارات البينية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما يؤثر إيجابيا على معدلات النمو داخل القارة.

ويوضح السفير أحمد حجاج الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية أن خبراء الاتحاد يتفقون في المرحلة الحالية على السلع والخدمات التي سيبدأ تداولها في السوق، والأخرى التي ستؤجل لعدة سنوات، ويؤكد أن هذه الاتفاقية تعد الأكبر التي عقدت في السنوات الأخيرة، وستجعل المنطقة أكبر منطقة تجارة حرة في العالم ، حيث إنها سوف تضم مليارا و700 مليون شخص سنة 2030، وسيتجاوز ناتجها القومي تريليون دولار، كما أنه سيكون لها علاقات مميزة مع المناطق التجارية الأخرى مثل منطقة التجارة الحرة التابعة للكوميسا أو السوق الأوروبي.. ويرى أن هذه المنطقة ستحظى بنسبة من التنافسية في التعامل مع اقتصادات الدول الأخرى، كما أن الخبراء يقدرون حجم زيادة التجارة البينية الناتجة عنها بـنحو 50% بحلول عام 2022.. ويشير إلى أن هناك إجماعا على أن أكثر الدول التي ستستفيد من المنطقة هما مصر وجنوب أفريقيا لقوة اقتصادهما، لكن هذه الاتفاقية ستدعم الدول ذات الاقتصاد الهش وتساعدها على النمو.
ويضيف أن هناك بعض المتشائمين الذين يرصدون عددا من العقبات التى ستواجهها المنطقة، ويعد أبرزها الإرادة السياسية من كافة دول القارة لتنفيذ هذه المنطقة، ويتوقعون أن بعض الدول ستتقوقع داخلها اعتقادا منها أنها تحمى اقتصادها الناشئ من الدول القوية، وهو الأمر الذي حدث في الاتحاد الأوروبي نفسه عندما كانت اقتصادات إسبانيا والبرتغال واليونان من الاقتصادات الضعيفة، بالنسبة للدول ذات الاقتصاد القوى مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وتم تأجيل تطبيق شروط الاتفاقية عليها لعدة سنوات، كما تم تقديم المساعدات لها للنهوض باقتصادها حتى أصبحت على قدر من المساواة مع الدول الأوروبية الأخرى.. كما تم اتخاذ بعض الإجراءات المشابهة داخل الكوميسا، مع الدول صاحبة الاقتصاد الهش مثل تأجيل تطبيق الرسوم الجمركية عليها.. ويرى حجاج أنه يجب على الاتحاد الأفريقي القيام بهذا مع الدول صاحبة الاقتصاد الضعيف فى القارة، كما يجب تحديد الدول التي سيسمح لها بتأجيل بنود الاتفاقية أو منحها تخفيضات لعدة سنوات، خاصة أن بعضها تعتمد على إيرادات الجمارك في ميزانية الدولة، لذا فإن إلغاء الرسوم الجمركية سيؤثر على ما تقدمه لشعبها من خدمات، لذا لابد أن تعوض هذه الدول بامتيازات أخرى.

ويتوقع أن تؤتي المنطقة ثمارا جيدة بعد 5 سنوات، وهى الفترة المناسبة للاتفاق على دولة المنشأ للمنتج، خاصة أنه يجب إثبات أن 45% من مكونات السلعة محلية، كما يجب تكوين كيانات صغيرة للتنسيق حول المنتجات التي يتم تقديمها ، حتى لا تحدث ازدواجية قد تؤثر بالسلب.. ويضيف أن خرائط موارد الدول المتواجدة في وكالة أونكتاد يمكن أن تساعد في ذلك، خاصة أنه يتم تجديدها كل فترة.