فيروس «بى».. خطر ينتظر المواجهة

فيروس «بى».. خطر ينتظر المواجهة
فيروس «بى».. خطر ينتظر المواجهة

- المرض مزمن يستمر مدى الحياة.. وتكلفة العلاج باهظة

- «محمد» ترك الدواء لينفق على أطفاله.. و«شيماء» تخلى عنها زوجها بعد إصابتها

- رئيس جمعية «الكبد»: المرض قد يتطور لسرطان فى فترة وجيزة


آلام ومعاناة يعيشها آلاف المرضى من أصحاب الالتهاب الكبدى الوبائى «ب» أو فيروس -، ذلك الفيروس الذى يجهله الكثير بسبب التركيز على عدد من الأمراض الأخرى التى أخذت نصيبا كبيرا من حملات التوعية والعلاج، بالرغم من كونه واحداً من الأمراض الشائعة فى مصر والتى يعانى مرضاها الأمرَّين بسبب ارتفاع تكلفة العلاج الذى يعد مجرد مانع لتكاثر الفيروس فقط ولا يقضى عليه نهائيا.
وبالفترة الأخيرة طالب أصحاب هذا الفيروس وعدد من خبراء الطب بضرورة عمل حملات مسح للكشف عن فيروس بى نظرا للخطورة الكبيرة التى يشكلها هذه النوع من الفيروسات، وعدم معرفة الكثير من المصريين بهذا الفيروس، حتى أصبح مرضا خفيا.. «الأخبار» من جانبها التقت بعدد من مرضى ذلك الفيروس لمحاولة معايشة معاناتهم ومشاكلهم فى سبيل الانتصار على هذا المرض والعودة إلى الحياة الطبيعية مرة أخرى.

إصابته بالنزف الوراثى «الهيموفيليا» جعلته دائم الاستعانة بنقل الدم، وفى إحدى المرات طلب منه الطبيب ضرورة إجراء تحليل للدم للكشف عن وجود فيروسات، فاتجه «إسلام يوسف» إلى احد المستشفيات بمنطقة محطة الرمل بالاسكندرية لاجراء التحاليل والفحوصات اللازمة، وبعد أن ظهرت النتيجة فى اليوم التالي، تفاجأ يوسف بإصابته بفيروس «بى»، ومن هول الصدمة لم يكتف الشاب بهذه التحاليل وقرر الذهاب إلى معامل ومستشفيات أخرى على أمل خطأ التحليل الأول، إلا أن جميع التحاليل التى أجراها أثبتت صحة إصابته بالفيروس بنسبة مرتفعة فوق المعدل الطبيعى بثلاثة أضعاف (31 مليونا).
تكلفة باهظة
بعدها منعه الطبيب المعالج عن نقل «بلازما الدم»، والاستعانة بالعلاج الآمن «الفاكتور 8» المستورد، وبعد عام ونصف ظهرت المشاكل بعد فشل العلاج بسبب شراسة الفيروس وكان الحل تغيير بروتوكول العلاج، إلا أن البديل مرتفع الثمن يتكلف فى الشهر 1700 جنيه من مركز الكبد، لم يستطع الشاب تحمل هذه التكاليف الباهظة بالنسبة لراتبه البسيط فتوقف عن العلاج لمدة 8 شهور، إلا أن شدة الألم دفعته للاستعانة بطبيب آخر نصحه بعلاج أقل تكلفة عن السابق ولكن بعد الاستمرار عليه لمدة عام لم تتحسن الحالة وكان من الضرورى العودة إلى العلاج مرتفع التكلفة مرة أخرى.
يقول يوسف : «الحل الوحيد كان الرجوع للعلاج الغالى للمرة الثانية بس مقدرتش أكمل بسبب تكلفته الكبيرة، فرجعت وقفته لمدة 6 شهور وبعد كده عملت جمعية بـ6 آلاف جنيه علشان أشترى العلاج لمدة 3 شهور، بعدها نزل علاج جديد بسعر أقل «التينوفير 300 مجم» بس « برضه المعاناة والتكاليف كبيرة على كل مرضى فيروس بى من البسطاء».
تحطم الحلم
حلم السفر إلى الخارج والدراسة والنجاح فى المجال الطبى كان يراودها منذ الطفولة، اجتهدت طوال فترات الدراسة حتى التحقت بكلية الطب، وبعد التخرج تخصصت كطبيبة أطفال، اثبتت جدارتها فى العمل حتى نالت إشادات أساتذتها ورؤسائها فى العمل.. تزوجت (د.م) ومارست حياتها بشكل طبيعى ولازال حلم السفر إلى الخارج للدراسة يراودها.. حتى تحطم الحلم على صخرة المرض، بعد أن اتجهت لعمل فحوصات وتحاليل بسبب حملها فوجدت أنها مصابة بفيروس بي، بنسبة بسيطة، فأصابتها الصدمة والحسرة على ضياع طموحاتها.
وتقول: «طبيعة الفيروس انه يدخل إلى النواة ويغير فيها ومن ثم قد يتسبب فى الاصابة بسرطان الكبد فى اى وقت، وطبعا قد ينتقل للجنين والزوج وكل المحيطين فى حالة عدم التطعيم، ومن مخاطر فيروس  «b» انه فى حال انخفاض نسبة المناعة بالجسم فانه ينتشر بشكل كبير فى الجسم.
وتضيف: «بكيت كتير على طموحى وتعب السنين، لكن ده نصيب ربنا كتبه للانسان.. المهم بعد الولادة قلت اجيب طفلين كمان عشان لو الفيروس زاد وابتديت آخد علاج طول العمر مينفعش أوقفه ولو وقفته هينتشر ويتوحش جدا، ومينفعش ابقى حامل مع العلاج علشان الجنين هيجيله تشوهات خلقية، فخلفت ورا بعض».
وتشير : «الآن الفيروس زاد جدا ومن المفترض أن أتلقى العلاج، ولكن للاسف العلاج باهظ جدا مع مصاريف الحياة، وبما اننى حرمت من السفر ومستقبلى ضاع فبالتالى أشعر باحساس العجز والمرارة».
وتؤكد أن الجميع ينتظر علاجا جديدا يكون قادرا على القضاء على المرض بشكل نهائي، مع ضرورة الاهتمام بمرضى فيروس بى ، وعدم الاكتفاء بفيروس سى فقط، لان فيروس بى انتشاره اسرع 30 مرة ، لان انتقاله يتم عن طريق سوائل الجسم، والعلاج الحالى يعمل على تكاثر الفيروس فقط وليس القضاء عليه ومحاربته.
مدى الحياة
ويقول محمد هانى 35 سنة، مهندس كهربائي، ومصاب بفيروس بي، إن مشكلة المرض تتلخص فى أنه ليس له علاج نهائى حتى الآن ومعظم الأدوية الموجودة فى السوق تعمل على ايقاف تكاثر الفيروس فقط ولا تقضى عليه لذلك العلاج يؤخذ مدى الحياة ويكون مكلفا جدا.
ويضيف أن العلاج يختلف على حسب الأنواع ولكن أفضل الأنواع والذى ليس له اضرار جانبية يصل سعره إلى900 جنيه شهريا، والمتوفر فى المستشفيات الحكومية يكون ثمنه 400 جنيه ولكن يسبب اضرارا والفيروس يتكيف معه بسرعة.
أما سيد ناصر، 28 عاما، فيوضح انه مريض بالفيروس منذ حوالى عام ونصف، وأن العلاج المتوافر يعد حلا مؤقتا، ويضيف أن المعاناة الوحيدة التى يعانى منها مرضى فيروس بي، عدم وجود وعى صحي، فمن المفترض توفير توعية لمنع كل الطرق المؤدية إلى الفيروس خاصة وأنه يجهل الكثير من المصريين خطورة هذا الفيروس أو أسبابه ووسائل الوقاية منه.
ويقول ناصر: «انا مش بصرف على العلاج لأن خسارة أصرف ٩٥٠ علاجا شهريا، بيتى أولى بالمبلغ ده طبعا، وليه اصلا ادفع مبلغ زى ده وانا عارف انه مجرد علاج مؤقت، أسرتى أحق بالفلوس دي، لما انا اكون بقبض ١٩٠٠ فى الشهر اجيب علاج بنص مرتبى واعيش انا واسرتى باالنص التانى !!، ورغم ده العلاج ملهوش فايدة فى القضاء على الفيروس بشكل نهائي.. الحمد لله ده كان كل همى أن أولادى يكونوا كويسين ميتعدوش منى، انا مش مشكلة».
حالة متأخرة
أصابه ألم مفاجئ فى جانبه الأيمن، اتجه فورا إلى الطبيب من شدة معاناته، والذى طلب منه ضرورة إجراء تحليل الدم لتشخيص الحالة بشكل سليم، فأخبره طبيب التحاليل بوجود أجسام مضادة لفيروس بى مع ضرورة التوجه لطبيب متخصص فى الكبد.. اتجه محمد الباجورى مسرعا فى حالة من القلق والريبة إلى طبيب كبد مشهور ليعرض عليه التحاليل، فأكد له الطبيب ضرورة إجراء تحليل «بى سى آر» آخر لتوضيح الأمور بشكل أكبر، وبعد ظهور النتيجة اتضح إصابته بفيروس بى فى حالة متأخرة (حوالى 2 مليون فيروس نشط).
ويقول الباجورى بصوت حزين: الدكتور قرر لى علاج «تيكافير» بتكلفة 900 جنيه كل شهر، ولكى اصرف العلاج اتعرض لمعاناة كبيرة حيث اننى ابحث عنه فى 5 محافظات، وللاسف القطاع الخاص لا يقدر مرضى فيروس بى ولا معاناتهم، وانا راتبى 1500 جنيه ولدى ابنة فى الاعدادى، وطفلان فى الابتدائى وولد فى الحضانة وعنده تأخر عقلي، ومن اجل هذا أوقفت العلاج منذ 6 أشهر وفوضت امرى إلى الله.
وبنبرة منكسرة ونظرات مليئة بالألم يختتم الباجورى حديثة قائلا «أعمل ايه ما باليد حيلة الفلوس اللى بدفعها فى الكشوفات الطبية والتحاليل والمواصلات وتمن العلاج، اولادى اولى بيها».
معاناة دائمة
«تركها زوجها بعد أن علم بإصابتها وأولادها بفيروس بي، واتجه إلى الزواج من امرأة أخرى».. هكذا يمكن أن نلخص حالة شيماء إبراهيم ربة منزل فى العقد الثالث من عمرها تكافح مع أطفالها من أجل التغلب على المرض وظروف الحياة الصعبة.
فتقول شيماء: «اكتشفت الفيروس منذ 6 سنوات عندما كان عمرى لا يتخطى الـ 28 عاماً، وقد اكتشفت صدفة أثناء قيامى بأحد التحاليل اننى مصابة بفيروس «بي» مضيفة انها قامت ايضا بإجراء تحاليل لابنائها لتكتشف اصابتهم ايضا بالمرض اللعين.
وتوضح بنبرة من الحزن انها لم تتعاط العلاج بسبب تكلفته الكبيرة وانها اضطرت لبيع محل الملابس الخاص بها حتى تستطيع توفير نفقات العلاج واضطرت ايضا إلى بيع مشغولاتها الذهبية إلى ان اصبحت على» الحديدة وهى تعيش الآن على المعونات القادمة من اهل الخير».
مظلة العلاج
ويعلق د.جمال شيحة رئيس جمعية رعاية مرضى الكبد، وعضو مجلس النواب، أن «فيروس بي» هو أحد الفيروسات الهامة التى تسبب تليف الكبد الناتج عن التهاب كبدى مزمن وتسبب ايضًا سرطان الكبد، لذلك يعتبره البعض من الفيروسات القوية وأقوى وأخطر من فيروس سي، ففيروس بى هو (dna فيروس) يوجد داخل نواة الخلية وهذا يختلف كثيرًا عن فيروس سى الذى يمكن أن نقول إنه فيروس ضعيف يوجد خارج الجسم ويطلق عليه (rna فيروس) ويوجد فى سيتوبلازم الخلية وليس داخل النواة، فالفروقات الأخرى بين الفيروسين هى طريقة العدوى ففيروس « بى « يتم العدوى عن طريق نقل الدم، الجرح، أو الأدوات الجراحية الملوثة بالدم، كما أن هناك طريقة اخرى للعدوى تتم عن طريق العلاقة الزوجية وينتقل هذا الفيروس من الام الحامل للجنين وعن طريق الرضاعة فطرق العدوى متعددة ولكن فيروس سى لاينتقل الا عن طريق الدم فقط.
ويؤكد شيحة، أن فيروس بى يسبب سرطان الكبد دون أن يمر المريض بمرحلة التليف الكبدى بمعنى أنه إذا تواجد لدى المريض التهاب كبدى مزمن فإن فيروس بى يتحول إلى سرطان كبد فى فترة قصيرة أما فيروس سى لكى يتحول إلى سرطان كبد يحتاج إلى سنوات طويلة جدا حوالى 15 أو 20 سنة فاكثر.
عن العلاج
أما عن العلاج فيشير شيحة إلى أنه يوجد علاج «لفيروس بي» على الاقل 4 أنواع وجميعها متوفرة بمصر وتنتجها شركات مصرية وبأسعار معقولة مقارنة بالدول الاخري. ويتابع قائلاً: « العلاج عبارة عن اقراص تُعطى فى الفم قرص واحد مرة واحدة فى اليوم، ولكن هناك عيبا هو ان مدة العلاج تأخذ سنين طويلة قد تصل إلى مدى الحياة لان هناك احتمالية إذا توقف العلاج يعود الفيروس مرة أخرى، ولكن طول ما المريض يقوم بأخذ العلاج فى ميعاده يكون فرصة الإصابة بتليف الكبد وسرطان الكبد قليلة أو شبه منعدمة».
ويدعو شيحة أن يتواكب مع مشروع فحص المصريين لفيروس سى مشروع آخر لفيرس بي، لان هذا حق كل مريض، ولو تم ذلك سيكون انجازا كبيرا جدا ان مصر تكون خالية من فيروس سى وبى وكل الفيروسات الكبدية التى تسبب امراضا مزمنة، كما أن الدولة وضعت إمكانيات مادية وبشرية هائلة وقوافل وامكانيات ضخمة واخصائيين ويمكن بنفس هذه الامكانيات مسح فيروس بي، لتحديد الحالات التى يوجد لديها المرض وتقييمها وخضوعها للعلاج حتى يكتمل هذا النجاح الخاص بالحملة الخاصة بفيروس سي، فيجب على المسئولين الرد على هذا الطلب الواضح والمحدد الذى يضيف إلى الانجاز الكبير بنفس الامكانيات، فالعلاج حق للمواطنين يكفله الدستور.