حكايات| ماركة «أحلام سعيدة».. الأفيون يقود الفراعنة لانتصارات مذهلة

الفراعنة اهتموا بالأفيون
الفراعنة اهتموا بالأفيون

بين الكوميديا والألم، رسم المصريون القدماء خريطة غير عادية لاستخدام «المخدرات»، تارة لأسباب ظاهرها مضحك لكن باطنها جدية شديدة، وتارة أخرى كأحد الأنواع الفرعونية للعقاب الشديد.

 

الخشخاش والأفيون والداتورة المخدرة والسامة، والخل المضاف على مسحوق الرخام، جميعها مواد مخدرة بـ«ماركة فرعونية» من الطراز الرفيع، فالرخام مركب من كربونات الكالسيوم، وهذا يتأثر بحمض الخليك الموجود في الخل ليصبح حمض الكربونيك.

 

ببعض هذه التفاعلات الكيمائية، ووصلها إلى أقصى درجات التفاعل، تمكن الطب الفرعوني إحداث التخدير الموضعي، ليصلوا إلى إمكانيات البنج في مجالات شتى.  

 

اقرأ حكاية أخرىسحرة فرعون.. قصة اغتيال رمسيس الثالث بـ«إخفاء القتلة»

 

أبو النوم.. جرعات مميتة

 

زهرة الخشخاش ذاع صيتها بين الأسر المصرية القديمة باسم «أبو النوم»، غير أن عصارتها كان لها وضع آخر إذ سُميت بـ«الأفيون»، والذي كان يُستخدم في العصر الكلاسيكي كمُرطِّب للجسم، غير أن الأطباء تحدثوا عن أن الجرعات الزائدة منه مميتة.

 

بقراءة متعمقة للباحث الأثري مجدي شاكر، تبين أن المصريين القدماء عرفوا «الأفيون»، وكانوا يستخدمونه في بعث الحماس أثناء الحرب، ليس هذا فحسب بل وإثارة عاطفة الحب، إذ اشتهر بتسببه في «أحلام سعيدة»؛ لكن رغم اعتياد المصريين على تعاطي كميات كبيرة منه إلا أن آثارا جانبية ظهرت على من يستعملونه؛ إذ أصبحوا يصابون بالغيبوبة وبالبلادة والاضطراب.

 

ليس هذا فحسب؛ بل تم استخدامه في صنع البيرة وعلاج كثرة بكاء الأطفال، وأزهاره استُخدِمت في علاج القولون والسعال، وكان طحين بذور الخشخاش يُستخدم كدهان لمداواة الخدوش والالتهابات الجلدية، والصيحة الأكبر استخدام الأفيون في إثارة حماس جيوش الفراعنة.

 

اقرأ حكاية أخرى| القاهرة التاريخية تمتلئ بها.. كيف تحولت الأحجار الفرعونية لمساجد؟

 

3 آلاف سنة

 

حين كان عصر الملك مينا، قبل حوالي 3 آلاف سنة ق م، استنبت هذا الملك نباتات سامة، كما سجل تأثيرها ولسوء الحظ لم تصنف بشكل علمي نباتي.

 

ومع تتابع القرون التالية، أصبح الأفيون والهالوك «الشوكران» - وهي نباتات ذو خصائص سامة وضارة – إحدى وسائل تنفيذ حكم الإعدام في اليونان القديم 3500 ق م، حتى أن «سقراط» مات بعد شرب نبات الهالوك.

 

واهتم المصريون القدماء بزراعة هذه النباتات المخدرة واستخلاص عناصر مخدرة منها؛ لكن عدم معرفة الكثير عن هذه المواد يعود إلى أن هذا الموضوع كان سرا من الأسرار التي يحتفظ بها الكهنة لأنفسهم ولا يعملونها إلا القليل من الموثوق بهم ثقافة.

 

وبحكم وجود مصر في أفريقيا والرحلات والحملات التي كانت ترسلها لأفريقيا لجلب النباتات البخور وغيرها، كانت شعوب إفريقيا ولا تزال من أمهر شعوب الأرض في زراعة النباتات المخدرة والسامة، ومن هنا حصل المصري القديم على أنواع مختلفة.

 

 

 

اقرأ حكاية أخرى| «المصري القديم» أول من صنع المراحيض ويستحم 5 مرات يوميا

 

عقاب للزنا

 

ومن الحروب إلى العقاب؛ حيث كانت المرأة التي تُتهم بالزنا في مصر القديمة، تؤخذ إلى المعبد، وتجبر على شرب نوع من السم يدعى «ماء الغبيرة»، وكانت تنجو منه بعضهن إذا أتهمن زورًا.

 

أما كلمة شبن الفرعونية في اسم نبات استعمل طبيا ويعطي ثمرة اسمها شبنن، ويحتمل أن يكون هذا النبات هو أبو النوم (نبات الخشخاش) ويستعمل لتسكين آلام الأطفال، ومن المعروف أن كلمة Opuim الإفرنجية التي تعني العصارة الجافة للنبات هي الأصل الإفرنجي للكلمة العربية «أفيون»، لأنها مشتقة من الأصل اليوناني OPION التي تعني عصارة النبات المخدرة.

 

ونبات الخشخاش سُمى بنبات الأفيون نسبة إلى الأفيون المستخرج منه، وأسماؤه في مختلف اللغات متشابهة (اليونانية والقبطية والعبرية والمصرية القديمة)، وكان المصريون اعتادوا زراعته حول البرك في حدائقهم، في زمن الفراعنة، خاصة في عصر الدولة الحديثة.

 

 

مفاجآت المقابر

 

في إحدى مقابر الأسرة 18 عثر على دهان زيتي يحتوي على الحديد والأفيون داخل إناء خاص، وقد قام بتحليله بعض العلماء، وأثبتوا أنه يحتوي ضمن مركباته على بعض عناصر الأفيون الفعالة.

 

كما وجدت آثار كثيرة من الأسرة 18 حلي وأقراط على شكل ثمرة أو كبسول نبات الخشخاش وأهمها قطعة من القيشاني الأزرق السماوي تتميز بقمتها المشرشرة وشكلها الذي يماثل الشكل الطبيعي لثمرة الخشخاش، ويحتمل العثور عليها في تل العمارنة، وهي من القطع الفريدة النادرة في متحف اللوفر.

 

 كما توجد أقراط مصرية من الذهب على شكل قمة ثمرة الخشخاش المشرشرة وعثر عليها في تل العمارنة، وأجمل قطع الحلي هي ما عثر عليها في مقبرة سيبتاح ونشرها تيودور ديفيز وقد نشر إميل فيرنييه عن هذه الحلي في الكتالوج جنرال.

 

وورد اسم shepen في بردية ايبرس وادوين سميث كمسكن للآلام والأوجاع وصنعت منه لبخات وضعت على الجروح كمخدر قوي وكدواء للشرب لتهدئة أعصاب الأطفال الذين يبكون دائما، وهذه هي بعينها نفس الأغراض التي يستعمل فيها نبات الخشخاش الآن في بلدان الشرق.

 

في عام 1881 عثر على عقود زهور في مقبرة نسي خونسو بالدير البحري حول مومياء هذه الأميرة ويرجع تاريخها إلى الأسرة الـ 21، ومن بينها زهور الخشخاش الحمراء ولونها الذي لا يزال واضحا.

 

 ولا يختلف اثنان على أن المصريين القدماء كانوا بارعين في علم الكيمياء حتى قيل إن علم الكيمياء مشتق من اسم مصر التي كانت تسمى كيمت بمعنى السوداء وأن أيمحتب (الذي أتى سالما) اعتبر أبو الطب وكان يقسم على اسمه عند تخرج الطلاب.