حكايات من السجون| المحامي الشاب وسيدة الأعمال الحسناء

تعبيرية
تعبيرية

» المتهم في اعترافاته: لم أنوي قتلها وكنت أحاول تأديبها فقط

» هددتني بإظهار ورقة الزواج العرفي فكتمت أنفاسها واكتشفت موتها 

» الجيران القوا القبض علي القاتل أثناء تنفيذه للجريمة

» المحامي القاتل: خسرت كل شيء في صفقة مع الشيطان  

أنا مش مجرم، سيدة الأعمال الحسناء أوقعت بي، هذه الكلمات البسيطة تلخص مأساة عاشها أحد السجناء، وقبل الشروع في عرض حكايته، يجب الإشارة إلى أن عالم السجون مختلف تمامًا عن العالم خارجه.

حياة كاملة وعمر مديد تمر سنواته ببطء منقطع النظير، وزارة الداخلية المصرية ممثلة في اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، واللواء زكريا الغمري مساعد الوزير لقطاع مصلحة السجون، أولت اهتمامًا كبيرًا بمنطقة السجون بشكل عام على مستوى الجمهورية في محاولة لإعادة تأهيل السجناء بعد انقضاء فترة العقوبة ليعودوا للاندماج للمجتمع فور خروجهم من السجن بدلًا من العودة مرة أخرى للجريمة.

ربما يوجد داخل السجن أبرياء أوقعتهم الأوراق الرسمية والملابسات في موضع الاتهام الذي قادهم للسجن، وهناك نموذج أخر داخل السجن مجرم بطبعه تعود على حياة السجون وتعلق بالجريمة سرعان ما يعود للسجن مرة أخرى فور مغادرته له، أما النموذج الثالث فهو نموذج مختلف قليلًا ربما يتعاطف معه البعض ليس لأي سبب سوى لطبيعة وملابسات الظروف التي أحاطت بجريمته ودفعته ليصبح مجرم لأول مرة أو مجرم بالصدفة، إلا أنه في النهاية أصبح مجرمًا لديه سجل جنائي «صحيفة سوابق». 

وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقة وراء دخول البعض السجن فهذا أمر لا يعنينا الآن، فسنحاول رصد الحياة بعض الحالات من داخل السجون فما هي كواليس العالم الخفي وراء هذه القضبان؟.

مجرم لأول مرة

داخل سجن «برج العرب» التقينا سجينًا كان يبدو من عينيه أنه يحمل هم الدنيا فوق كتفيه اقتربنا منه حكى لنا قصته بالدموع، وكيف وجهت له تهمة القتل العمد لحبيبته سيدة الأعمال الحسناء.
بدأت الواقعة منذ عشر سنوات مضت، ارتعد جسد المحامي الشاب، طافت الدموع في عينيه غاب عن العالم من حوله، تمنى لو أن الأرض انشقت وابتلعته قبل هذه اللحظة التي وقف فيها لأول مرة كمتهم أمام محكمة الجنايات بسبب سيدة الأعمال الحسناء.

دارت به الدنيا وهو يتخيل نفسه داخل القفص الحديدي وعدسات مصوري الصحف تلتقط له الصور بينما هو يداري وجهه بيديه مثلما كان يفعل المجرمون الذي كان يشاهد صورهم في الجرائد فيحتقرهم ويتساءل مع نفسه أين كانت عقولهم وقت ارتكبوا جرائمهم، أغمض عينيه واستسلم لمشاهد الذكريات المتلاحقة في ذاكرته، كان شابًا مثاليًا يضرب به الناس الأمثال في الخلق المستقيم والأدب، كان طالبًا متفوقًا لا يقبل سوى أن يكون الأول في كل شئ، اختلاطه بالآخرين كان بحساب، يكره الثرثرة، يمضي شريط الذكريات بالزوج من زمان إلى زمان، ومن مكان لآخر، تزوج وأنجب وعاش حياة مستقيمة مستقرة هادئة دفعته من نجاح إلى نجاح، وقع عليه اختيار قيادات الشركة في كل حركات الإصلاح والتطهير ليتولى المناصب الأولى، لكن كما يقال في الأمثال فإن «غلطة الشاطر بألف»، أوقعه قلبه في الحب مع إحدى الزبائن وانتهت قصة الحب نهاية مأساوية خرج الجميع منها خسران.

الموكلة الجميلة

 قبل أن نعرض قصة الزوج والأب القاتل سنعود بالذاكرة إلى عدة سنوات مضت، أحد الأصدقاء طلب من المحامي الشاب التدخل لحل مشكلة إحدى قريباته نظراً لتواجده خارج البلاد، تردد المحامي قليلًا قبل التطوع بالمساعدة، لكن بعد تفكير عميق وافق إرضاءً لصديقة، طلب أن يدرس أولًا الموقف القانوني لهذه السيدة الحسناء بعدها سيقرر ماذا سيفعل؟ 

ثلاثة أيام هي الفترة الزمنية التي احتاجها المحامي لدراسة أوراق القضية من الناحية القانونية، كاد يطير فرحًا لأن موكلته الجميلة كانت في موقف قانوني سليم، تعددت بينهما اللقاءات بشكل كبير، ساعدها بحماس منقطع النظير، ساندها بقوة حتى حصلت على كافة حقوقها، من جانبها غابت الموكلة الجميلة عن المحامي الشهم أسبوعًا كاملًا، اكتشف خلال هذا الأسبوع أنه وقع في غرام سيدة

الأعمال الحسناء، أصبح صريع هواها، وأسير فتنتها وسحرها الذي لا يقاوم. 

اتصل المحامي بسيدة الأعمال الحسناء بحجة الاطمئنان عليها، فأدركت أن خطتها نجحت، التقت به مرات ومرات انقلبت فيها حياة المحامي رأسًا علي عقب، رأي فيها صاحب المنصب المرموق ما لم تراه عيناه في زوجته، وما لم تسمعه أذنه منها منذ زمن بعيد. 

كانت الموكلة الحسناء حقل من حقول الأنوثة الطاغية التي يمكن أن تمده بوقود الحياة حتى الرمق الأخير من عمره، دق قلبه بعنف بعد فترة من الركود العاطفي، وبطالة غرامية طالت لسنوات وسنوات، شعر مع موكلته الحسناء أن الربيع جاءه متأخرًا، وأصبحت الكلمة الأخيرة في معركة السعادة للسيدة الفاتنة. 

مغامرة الحب

علي الجانب الأخر كانت سيدة الأعمال الفاتنة تشتاق لسماع كلمات الغزل والعشق والغرام من المحامي الأنيق، كانت تشعر معه بأنها مرغوبة، عادت لها أنوثتها الغائبة، أخذت تعد الأيام والليالي التي تسبق رؤية حبيبها، الساعات تمر عليها بدونه بطيئة، مملة، كئيبة، أحست أن الحياة دون المحامي الشاب ليس لها طعم، حتى جاءت اللحظة التي كثيرًا ما تمنتها. 

طلب المحامي من السيدة الفاتنة أن تقابله لأمر هام، وفي المكان والزمان المحددين تقابل الحبيبان، ودون الدخول في أي تفاصيل أو مقدمات طلب المحامي الزواج من السيدة الجميلة، وأخبرها بأنها لو وافقت ستعيده إلى الحياة مرة أخرى، شعرت بالفرحة الشديدة غمرتها السعادة لم تتخيل أن المحامي وقع في غرامها بهذه السرعة، وافقت دون تردد على طلبه، لكن العريس كان له شرط واحد!، وهو أن يكون زواجهما سريًا وعرفيًا دون إنجاب، ووافقت العروس تحت مسمي العشق والغرام، كان الاثنان يعلمان إنهما يخوضان تجربة كبيرة ومغامرة خطيرة سيضحيان فيها بكل شئ، لكن في لحظات توقف فيها العقل عن التفكير، غابت الإرادة عند الحبيبان قررا الاستمرار فيما عزم عليه. 

إنذار بالفضيحة

تمت المغامرة، تزوج العاشقان، عاشا أجمل أيام العمر مع بعضهما البعض، كانا ينهلان من كئوس السعادة بشكل يومي، لكن بمرور الوقت سرعان ما اكتشف الزوج، بعد العام الأول من زواجهما أنه لم يكسب من زوجته غير جمالها الساحر وأنوثتها الملتهبة، أما الحقيقة فكانت تظهر تباعًا ويومًا بعد الأخر، أكتشف أنه وقع ضحية كذبة كبيرة، كان هو الضحية فيها، فعلاقات زوجته بحكم عملها في التجارة كانت متشعبة، وطموحاتها كبيرة، وتنازلاته لها تزداد يوميًا، حتى أدرك أنه صار رجلاً بالاسم فقط، تحول إلى تابع ذليل لجمالها وأسير جاذبيتها، حتى كانت المفاجأة التي ألقتها زوجته الجميلة عليه، أخبرته إنها حامل، جن جنونه وهو يسمع هذا الخبر، أكد لها أن هذا الأمر مخالف للاتفاق الذي كان بينهما، لكنها لم تعره أي اهتمام، وأكدت له أن حلم الأمومة كان يداعبها من وقت لأخر، أيام عصيبة عاشها الحبيبان بين شد وجذب وخلافات حادة، انتهت بتهديد الزوج لزوجته بأنه لن يعترف بهذا الجنين الذي يتحرك بين أحشائها، تحدته الزوجة وهددته أنها ستخبر الجميع بقصتهما سويًا، ولن تكتفي بذلك بل ستقوم بإظهار ورقة الزواج العرفي التي بحوزتها أمام الجميع، كما ستذهب للمحكمة لإثبات حقها في نسب الطفل وستطالب بتحليل "d.n.a"  لكي تثبت نسب الطفل الشرعي له.

مصرع سيدة الأعمال الحسناء

كان إنذارها الأخير له خطرًا ومرعبًا بعد أن رفض الاعتراف بالجنين، ذهب إليها ليلة الحادث حذرها من تنفيذ إنذارها وإظهار ورقة الزواج العرفي، رفضت بشدة تسليمه ورقة الزواج، فتح دولابها بالقوة، صرخت بأعلى صوتها، تجمع الجيران، هرولت إلى باب الشقة وهي تستغيث فتحت باب الشقة على مصراعيه، سأل الجيران عما يحدث بين المرأة الغامضة بالنسبة لهم وحكاية هذا الرجل اللغز الذي كان دائم التردد عليها، وقبل أن تنطق بأي كلمة جذبها  زوجها بقوة إلى حجرتها، حذرها من جديد من أن تتسبب في فضيحة، صرخت مرة أخرى لأخر مرة في حياتها، كتم أنفاسها والغيظ

يملأ قلبه، لحظات وتوقف صوتها عن الصراخ والكلام، واكتشف الزوج والجيران من حوله إنها فارقت الحياة. 

أصبح المحامي كالمجنون انتابته حالة هستيرية من هول الصدمة، لم يصدق ما اقترفته يداه دون قصد، حاول الهرب، لكن الجيران أمسكوا به، ثم قاموا بتوثيقه بالحبال لحين استدعاء الشرطة، لم تمر سوي دقائق حتى جاء رجال الشرطة إلي مكان الجريمة وتم إلقاء القبض على الزوج القاتل في مشهد سينمائي شديد الحبكة الدرامية، فلا هو قاتل محترف ولا كان يتوقع وهو ذاهب لتوبيخ زوجته أنه سيتحول إلى مجرم وبشهادة الجميع، المشهد كان مأساويًا بالدرجة الأولي، لم ينطق بأي كلمة لم يتمكن من الدفاع عن نفسه فالجريمة وقعت أمام الجيران والتهمة لا مفر منها، تخيل كلام الناس عنه، كيف سيقابل أولاده بعد هذه الفضيحة التي قد تؤثر على حياتهم ومستقبلهم، بل تُشعرهم بالخجل ويعتزلون المجتمع ويفوضون الله في أمر أبيهم الذي جلب لهم العار.

 بكى لحظة وصوله إلى قسم الشرطة، فكر لو أنه حاول الهرب من حراسه وألقى بنفسه تحت عجلات إحدى السيارات الطائشة التي تنهب الطريق نهبًا، وفي لحظات خاطفة أقدم على تنفيذ الفكرة، لكن يد الحارس كانت أقوى منه وسارع ضابط الحراسة بتشديد الرقابة عليه، خارت قواه وهو يدخل الحجز مكبلاً بالقيود الحديدية، تقوقع وجلس بمفردة بعيداً داخل محبسه تتلاحق دقات قلبه وتتطاير أنفاسه وتغلي الدماء في عروقه.
أعترف بجريمته وأحالته النيابة العامة لمحكمة الجنايات التي أصدرت حكمها عليه بالسجن المشدد 20 سنة. أبواب السجن