حكايات| وطن آخر لليهود.. باق للآن ومساحته أكبر من فلسطين

بيروبيجان.. وطن آخر لليهود غير فلسطين
بيروبيجان.. وطن آخر لليهود غير فلسطين

"وطن قوميٌ واحدٌ يجمعنا من الشتات في الأرض"، حلم اليهود في سالف الأيام من القرون الماضية، والذي تحقق عنوةً في فلسطين عام 1948، فقدم اليهود من شتى بقاع الأرض يطوون أيام التشتت والفرقة ليجمعوا شتاتهم هنا في أرض فلسطين.

 

لكن هناك منهم من آثر أن يمكث في الشتات، ولا يرتحل إلى الوطن القومي لليهود الذي سلبوه من أراضي الفلسطينيين. 

 

ومنذ أن حكم الله على اليهود بالتيه في الأرض لما رفضوا دخول الأرض المقدسة وهم مشرذمون في الأرض، فعادوا بعد أربعين سنة من العقاب الإلهي ليدخلوا فلسطين من جديد، قبل أن يطردهم من هناك ملك بابل العراق، نبوخذ نصر، في القرن السادس قبل الميلاد من هناك شر طردة.

 

"وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، هكذا أخبرنا الحق جل وعلا في كتابه العزيز في سورة الأعراف عن حال اليهود بعد كُتب عليهم الجلاء والتشتت في الأرض في صورة جماعاتٍ متفرقةٍ.

 

هكذا كان الحال في سالف الأزمان، فما الذي تبدل الآن، الوطن القومي لليهود المزعوم في فلسطين جمعهم من شتات الأرض، فاختلط نسل يهود الفلاشا مع اليهود الأشكيناز في أرضٍ واحدةٍ، إلا من طائفةٍ أرادت أن تجعل مسألة التشرذم في الأرض ثمةً لليهود لا تتغير مع مرور الدهر.
 

أوبلاست منطقة بيروبيجان وطنٌ لليهود في أرض السوفييت بأمر من الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين عام 1934، أي قبل أربعة عشر عامًا من قيام دولة الاحتلال، فجعلها مرتعًا للأقلية اليهودية في بلاده، التي هي أكبر بلاد الأرض على الإطلاق.

 

وضعية الحكم في روسيا.

وقبل الخوض في الحديث عن أوبلاست اليهود الذاتي، نود أن نطلعكم أولًا على نظام الحكم الفيدرالي المتبع في جمهورية روسيا الاتحادية.

 

فوفقًا للدستور الروسي، تتألف الجمهورية الروسية من 83 كيانًا فيدراليًا مستقلًا، وهو المعترف به دوليًا، بيد أن روسيا تعتبر نفسها تتألف من 85 كيانًا، حيث تضم في تقسيمها الإداري كلًا من جمهورية القرم، ومدينة سيفاستوبول الفيدرالية، الواقعة في شبه جزيرة القرم، وذلك بعد استفتاءٍ جرى في المنطقتين في منتصف مارس 2014.

 

لكن هذا الاستفتاء لا يحظى بالشرعية الدولية، ويرفض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الاعتداد بشرعيته، في حين تصر أوكرانيا على أن المنطقتين جزءٌ من أراضيها.

 

ما سبق يثير التساؤل عن الوضعية الإدارية للكيانات الفيدرالية في روسيا، وهل هي تتمتع جميعها بنفس الوضعية؟

 

الإجابة عن هذا السؤال بالنفي، فمن أصل 85 كيانًا فيدراليًا، يتمتع 22 فقط منهم باسم جمهورية ووضعية الحكم الذاتي، ولكلٍ منها دستورها ورئيسها وبرلمانها، كحال جمهورية الشيشان، التي لها رئيس مستقل وهو حاليًا رمضان قديروف.

 

أما غالبية تلك الكيانات يُطلق عليها كلمة "أوبلاست"، وهي تعني كلمة محافظة باللغة الروسية، وعددها 46 أوبلاست، وهي كيانات إدارية اعتيادية، تخضع لدستور جمهورية روسيا الاتحادية، ويتم تعيين حكامها من قبل السلطات الفيدرالية العليا، المتمثلة في نظام الرئيس الروسي وإدارته، وليس لها برلمانٌ مستقلٌ أو دستورٌ خاصٌ بها.

 

كما يوجد في روسيا تسع مقاطعات، وهي تشبه الأوبلاست، لكنها تختلف في شيءٍ واحدٍ، هو أنها نائية وقليلة السكان، كما يوجد 4 مناطق حكم مستقلة ذاتيًا، لكنها أقل استقلالًا من الجمهوريات.

 

أما أوبلاست اليهود فهو متفردٌ من نوعه، في نظام الحكم، فهو أوبلاست، لكنها تتفرد عن الستة والأربعين الآخرين بأنها مستقلة ذاتيًا، حالها كحال الجمهوريات، لكنها لا يطلق عليها لفظ جمهورية. 
 

والخريطة التي أمامكم توضح وضعية كل كيان داخل جمهورية روسيا الاتحادية.

 

قصة الأوبلاست اليهودي

والأوبلاست اليهودي يقع في أقصى جنوب شرق روسيا، ويحده من الجنوب والغرب جمهورية الصين الشعبية، ومن الشمال الغربي أوبلاست أمور الروسي، ومن الشمال والشرق إقليم خاباروفسك في روسيا، وعاصمة الأوبلاست هي بروبيجان، الاسم السابق للمنطقة قبل أن يسكنها اليهود، باعتبارها كانت المدينة الأكبر لهذا الأوبلاست.

 

بداية القصة كانت من عند أدولف هتلر ومن بلاد ألمانيا في عصر نازيتها، ففي وقتٍ كانوا يتعرضون فيه للقمع والاضطهاد بدءًا من عشرينيات القرن الماضي في ألمانيا، اتخذت الحكومة السوفيتية عام 1924 مسارًا مغايرًا للعنف ضد اليهود المقيمين على أراضيها، فأنشأت لجنةً لتسوية أوضاع العمال اليهود هناك.

 

اقرأ حكاية أخرى: أسطورة عصا موسى.. بخلاف «فرعون» أسرار عن «الحية التي تسعى»  

 

الحكومة السوفيتية كانت تهدف لشيءٍ آخر من هذا الأمر، فتشكيل لجنةٍ لبحث حقوق العمال اليهود، كان يهدف من ورائه أيضًا إلى حشد الدعم من المؤسسات الخيرية اليهودية في الخارج وجلب العملة الأجنبية للاتحاد السوفيتي.

 

ومن هنا بدأ حلم اليهود في إنشاء وطنٍ قوميٍ لهم في شبه جزيرة القرم (المتنازع عليها حاليًا بين أوكرانيا وروسيا)، ووفقًا لما جاء بالقاموس الموسوعي للصهيونية وإسرائيل، "فقد كانت أنظار اليهود وكثير من قياداتهم معلقة على القرم، وهو ما دعا إليه رئيس الجمعية اليهودية، يوري لارين، الذي أعرب عن أمله في استيعاب 400 ألف يهودي في مجال الزراعة هناك في القرم".

 

ووفقًا لما ورد في القاموس الموسوعي، فإن أحلام اليهود ذهبت أدراج الرياح بعدما أعلن ستالين رفضه شبه جزيرة القرم لتكون مخصصة لليهود، وقال إن اليهود سيكون لديهم أرض ولكنها ليست القرم، وقد أنحى باللائمة على الأوكرانيين والبلاروسيين والقوميين ومناهضي السامية هناك في شبه جزيرة القرم، والذين كانوا لا يريدون أي جزء من الحكم الذاتي اليهودي داخل أراضيهم.

 

وفي عام 1928، أعلنت رئاسة اللجنة التنفيذية المركزية للاتحاد السوفيتي منطقة بيروبيجان منطقة قومية يهودية، مفتوحة للاستيطان اليهودي، لتصبح بيروبيجان بعدها أول وطنٌ قوميٌ لليهود، وعاصمةٌ للأوبلاست الذي يتمتع بنفس المزايا التي تتمتع خلالها جمهوريات روسيا الاتحادية ذات الحكم الذاتي.


مساحته أكبر من فلسطين

لكن المفارقة في أمر هذا الأوبلاست الذي يسكنه نحو 172 ألف نسمة فقط، وفقًا لآخر الإحصائيات السكانية في روسيا، يعاني من انخفاض الكثافة السكانية، جراء هجرة كثير من اليهود الروس منه إلى فلسطين تباعًا بعد احتلالها من قبل إسرائيل.

 

وتبلغ مساحة الأوبلاست نحو 36 ألف كيلو متر مربع، وهي مساحة تزيد بنحو تسعة آلاف كيلو متر مربع عن مساحة دولة فلسطين الكاملة، والبالغة نحو 27 ألف كيلو متر مربع بصورةٍ تقريبيةٍ.

 

اقرأ حكاية أخرى: فؤاد الثاني أعاد إحياءها.. من تبقى من «الأسرة الملكية» بمصر؟

 

وتحتل إسرائيل ما يربو على 20 ألف كيلو متر مربع من مساحة فلسطين (20770 كيلو متر مربع)، في حين تحتفظ فلسطين بمساحة صغيرة تبلغ 6220 كيلو متر مربع.

 

خريطة بيروبيجان من (خرائط جوجل)

 

وتسيطر إسرائيل حاليًا على أكثر من 85% من مساحة فلسطين، وهو ما يخالف الشرعية الدولية، ووفقًا لحدود الرابع من يونيو عام 1967، فإن إسرائيل تملك نحو 56% من مساحة الأرض، في حين يملك العرب 42% من تلك المساحة، والجزء المتبقي يخضع للأمم المتحدة، وهو ما يعني تقلص مساحة الأرض التي تحكمها إسرائيل إلى ما يربو بقليلٍ عن 15 ألف كيلو متر مربع حال التوصل لاتفاق سلامٍ مع الفلسطينيين، وفقًا للشرعية الأممية، وهي مساحة تعادل نحو 42% من مساحة أوبلاست اليهود في روسيا.

 

وهنا تكمن المفارقة، حول سر إصرار الإسرائيليين على أرض فلسطين، ولمَ لم يبنوا وطنهم القومي في بيروبيجان على الرغم من أن مساحته أكبر من مساحة دولة فلسطين ككل، ولكن الإجابة تكمن بالطبع تاريخيًا وفق مزاعم اليهود بأن الأرض المقدسة ملكهم ويستدلون بالقرآن في ذلك، لكنهم تناسوا أنهم تخلوا عن نبي الله موسى ورفضوا دخول الأرض المقدسة خشية الاصطدام بالقوم الجبارين، كما أخبرنا القرآن الكريم.