«الأخبار» في معتقل جوانتانامو| كلية ومدارس لجميع المراحل وسلسلة مطاعم عالمية

محرر الأخبار مع ضباط القاعدة في المسجد
محرر الأخبار مع ضباط القاعدة في المسجد


لم أكن أتصور أن تتاح لي الفرصة لزيارة أحد أكبر وأقدم القواعد العسكرية لأكبر وأقوى دولة في العالم.. عندما علمت بموافقة وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» على الطلب الذي تقدمت به «الأخبار» لزيارة قاعدة جوانتانامو البحرية الموجودة بخليج جوانتانامو في دولة كوبا، شطح عقلي وسرعان ما تبادر إلى ذهني كم هائل من التصورات والتخيلات التي توقعت أن أراها فوق ظهر القاعدة التي تعتبر أكبر قاعدة أمريكية في منطقة الكاريبي.. تصورت في بداية الأمر أنني سوف أشاهد مساحة شاسعة من الصحراء الجرداء بها معدات ومهمات عسكرية وأسلحة ومخازن ذخيرة.. أسطول من الدبابات والطائرات والصواريخ الحربية. ولأنها قاعدة بحرية بالأساس ظننت أنني سأرى سفنا حربية وعمليات شحن وتفريغ للمهمات العسكرية كما نشاهده في معظم الأفلام التي تلقى الضوء على الحياة العسكرية.. ظلت الأفكار والتخيلات تدور بذهني منذ أن تلقيت المكالمة الهاتفية من أحد القادة العسكريين بـ «البنتاجون» الذي أخبرني بانتهاء استخراج الموافقات والتصاريح الأمنية اللازمة لزيارة القاعدة العسكرية.


تجد داخل القاعدة العسكرية كل ما يمكن أن تتطلبه الحياة اليومية داخل مجتمع عمرانى حديث ويشمل ذلك: مدارس، ملاعب كرة قدم، ملاعب جولف، حمامات سباحة، بنوكا وماكينات صرافة، سلسلة من المطاعم العالمية الشهيرة، المتاجر عالمية تحتوى على كل ما يمكن أن تجده فى أحد أكبر المتاجر العالمية فى مدينة نيويورك، أماكن للعبادة للمسلمين والمسيحيين واليهود، مكاتب بريد، مساكن حديثة للإقامة «كومبوندز»، مراكز لإيجار السيارات، أتوبيسات لنقل طلاب المدارس تشبه التى تشاهدها فى المدن الأمريكية وتحمل نفس اللون الأصفر، محطات بنزين لتمويل السيارات بالوقود، مسارح مكشوفة، سينما، محطات لغسيل وفحص السيارات، مراكز غطس للراغبين للقيام برحلات غطس فى أعماق بحر الكاريبى. تعجبت عندما وجدت شبكة هاتفى الجوال تعمل بالرغم من انتقالنا إلى دولة أجنبية تبعد حوالى ألفى كيلومتر عن مكان إقامتى بواشنطن. علمت فيما بعد أن شركة «تى موبل» الأمريكية لخدمات الاتصالات نشرت شبكتها فى جميع مناطق القاعدة حتى يتمكن المقيمون من التواصل بسهولة مع أصدقائهم وأقاربهم فى أى مكان داخل الولايات المتحدة. كما لاحظت وجود شبكة إنترنت عالية السرعة من خلال خدمة «الوايرليس» فى معظم الأماكن التى ترددت عليها.


قبل استعراض ما تتميز به الحياة داخل قاعدة جوانتانامو البحرية يجب الإشارة أولا إلى أن أحد أهم ما يتمتع به المقيمون فى هذا المكان هو الأمان. شعرت خلال فترة إقامتى بالقاعدة وترددى على معظم الأماكن هناك بدرجة أمان لم أشعر بها من قبل. عادت الأحلام والهواجس مرة أخرى إلى رأسى عندما شاهدت المقيمين هناك لا يلقون بالا بالقلق على ممتلكاتهم أو التأكد من إغلاق أبواب منازلهم وشققهم. عندما تتجول داخل القاعدة تشعر وكأنك فى جولة داخل إحدى القرى السياحية فى مدينة شرم الشيخ. حلمت فى ذلك الوقت بأن يسود الأمن فى عالمنا الذى عانى كثيرا من ويلات الحروب وسفك الدماء على كثير من بقاعه. تساءلت ماذا لو عم الأمن والسلام فى جميع دول ومدن العالم وتخلى الناس عن جانب العداء والشر الموجود داخل أنفسهم. لا شيء فى عالمنا يفوق فى أهميته أن يشعر المرؤ بالأمان ولا يخشى على أهله وماله من السرقة أو الانتهاك. لا يرجع الأمان بقاعدة جوانتانامو إلى كونها قاعدة عسكرية، بل لأنها مجتمع عمرانى قائم على أسس وقواعد توفر للمقيمين به وسائل الحياة التى تمكنهم من العيش بصورة كريمة وتزيد من قدرتهم على التقدم فى العمل وتحقيق نتائج أفضل.


ماكينة صرافة


نظرا لضيق الوقت الذى توفر لى قبل الصعود على ظهر الطائرة التى نقلتنا إلى خليج جوانتانامو، لم أتمكن من الحصول على بعض النقود «الكاش» حتى أستطيع دفع مصروفات المعيشة خلال مدة الرحلة. خشيت ألا أتمكن من استخدام كروت الإئتمان التى أملكها لشراء الطعام واحتياجاتى الشخصية. فوجئت منذ اليوم الأول بتوافر كافة وسائل التعامل النقدى بدءا من ماكينات الصراف الآلى التى تقبل كافة أنواع البطاقات الإئتمانية والشيكات، بالإضافة إلى ماكينات استخدام كروت الإئتمان المتوفرة بمعظم المتاجر. على الجانب الآخر، وجدت كافة وسائل الاتصال سواء عبر الهواتف الجوالة أو الانترنت متوفرة فى جميع المناطق داخل القاعدة العسكرية. قد يكون أحد أحلام الجنود الذين يخدمون فى المناطق النائية فى دولهم أن يجدوا وسيلة للتواصل من خلالها مع الأهل والأصدقاء. قد يكون ذلك عن طريق إرسال رسالة عبر مكتب البريد، أو أن يصعد على تل كبير حتى يلتقط هاتفه الجوال شبكة تمكنه من إجراء مكالمة هاتفية أو إرسال رسالة نصية عبر الهاتف. لم يكن ذلك هو الوضع فى قاعدة جوانتانامو البحرية على الإطلاق.


مجمع أديان


يوجد على ظهر القاعدة العسكرية العديد من المقيمين والعمال والمتعاقدين مع الجيش الأمريكى الذين يقومون بتنفيذ بعض من المشروعات. تعدد الأديان لهؤلاء المواطنين جعلنى أتساءل أين يمارسون دياناتهم. أجاب أحد الضباط المصاحبين لى خلال فترة إقامتى بوجود مجمع للأديان مخصص للعبادات ويخدم ثلاث عشرة ديانة مختلفة. ظننت فى البداية أن هناك كنيسة ومسجدا ومعبدا. ذهبت لزيارة تلك الأماكن غير أننى لم أر سوى كنيسة. تساءلت أين يمارس غير المسيحيين دياناتهم. وجاءت الإجابة أن الكنيسة التى رأيتها ليست فقط لممارسة المسيحيين ديانتهم ولكن لممارسة المسلمين ديانتهم أيضا من خلال مكان ملحق بالكنيسة. حينها تساءلت وتمنيت مجددا، ماذا لو ساد التسامح بين الناس فى كل العالم بصرف النظر عن الديانات أو الجنسيات أو الأعراق. ما شاهدته داخل هذه الكنيسة جعلنى أشعر بالسعادة أن عالمنا مازال يمتلئ بالخير والتسامح وسيظل هذا التسامح يجرى فى عروقنا حتى نذهب إلى خالقنا.


ماكدونالدز


رغم أننى لست من محبى وجبات الطعام السريع إلا أننى سعدت عندما رأيت مطاعم ماكدونالدز وسابواى وبيتزا هت وغيرهم من ماركات المطاعم العالمية. ولأننى كمعظم المصريين أعشق الطعام الشهى الطازج، بحثت عن مطعم لا يقدم وجبات سريعة بل أطباق طعام محلية. أخبرنى أحد الضباط بوجود مطعم يقدم وجبات محلية جامايكية، ذهبت إلى المطعم بصحبته وطلبت ثلاث وجبات تحسبا ألا تكفينى وجبة واحدة. وقبل أن ينتهى الضابط من وجبته كنت قد انتهيت من وجبتى الثانية وهو ينظر إلىّ فى تعجب. كانت الوجبة مكونة من طبق من الأرز ونصف دجاجة وصلصة حارة وبعض المخلل. تذكرت وأنا ألتهم الطعام بالوجبات المصرية الشهية.


فى اليوم التالى دعانا أحد الضباط لتناول الغذاء بالمطعم العسكرى. ظننت أننا سنتناول وجبات صغيرة كتلك التى نشاهدها فى الأفلام العسكرية. ذهبنا فى الميعاد المحدد لوجبات الغداء، نظرت للوهلة الأولى وجدت جميع الحاضرين يرتدون الزى العسكرى، منهم ضباط برتب مختلفة فى سلاح البحرية والمارينز والقوات الجوية وغيرها من الأسلحة بالجيش الأمريكى. لم أر سوى عدد قليل من المدنين ظننت أنهم من المتعاقدين العاملين بالقاعدة. يقدم المطعم ثلاث وجبات يوميا تتضمن الفطار والغداء والعشا، لكل وجبة مواعيد عسكرية محددة لا يمكن تجاهلها. وتقدم الوجبات بأسعار زهيدة للمدنيين ومجانية للعسكريين. يتسع المطعم لأكثر من مائتى ضيف، ويحتوى على قاعتين يفصلهما أماكن جلب الطعام والمشروبات. لم يكن هناك وجبات كما ظننت، حيث تقدم الأطعمة بنظام «البوفيه المفتوح»، دون قيود على حجم ونوع الطعام الذى تطلبه. كان ذلك ممتعا بالنسبة لى.


حالة ولادة


فى اليوم الثالث، ذهبنا فى جولة إلى المستشفى العام بالقاعدة. بدا المستشفى للوهلة الأولى كأنه مستشفى خاص «درجة أولى»، مخصصة للأثرياء فقط. مستويات النظافة والتنظيم بالمستشفى لا تشعر بها إلا فى أرقى المستشفيات الخاصة فى القاهرة. مركز الاستقبال يقدم كافة الخدمات الطبية فى حالات الطوارئ، بالإضافة إلى نصائح ومتابعات مستمرة على مدار اليوم لجميع المرضى. داخل المستشفى توجد ثلاث غرف عمليات وثلاث غرف مخصصة للولادة، وبنك دم، وأجنحة للاستجمام. كما يضم المستشفى مجموعة من الأطباء على درجة عالية من المهارة والخبرة ومستشارين طبيين لجميع الحالات، وقسما خاصا لعلاج النفس ومستشارين نفسيين.


مساكن الجيش


تطل قاعدة جوانتانامو البحرية على البحر الكاريبى المعروف بمياهه الزرقاء الصافية. سنحت لى فرصة الذهاب إلى أحد الشواطئ التى وجدتها قريبة من مكان إقامتى، يطلق عليه «شاطئ الزجاج». كان الجو ربيعياً والمياه دافئة، استمتعت بقضاء بعض الوقت على الشاطئ وتجولت جولة فى نزهة قصيرة. على جانب الشاطئ وجدت مجموعة من المنازل لا يتعدى ارتفاعها سبعة أمتار مصطفة على شكل خطى وتطل مباشرة على الشاطئ. علمت أن هذه المنازل هى أماكن إقامة القادة وأصحاب الرتب العالية بالجيش المقيمين بالقاعدة. عندما تتجول فى شوارع وطرقات القاعدة تظن أنك تسير فى شوارع ولاية فيرجينيا. تجد البيوت ذات الأسقف الهرمية مصطفة على حافتى الشارع دون بروز لأى منها عن الآخر. وتجد الحدائق والأشجار تكسو جوانب المنزل الأربعة وأماكن مخصصة للسيارات. على الجانب الآخر، تمتلئ القاعدة بالعديد من المساكن الراقية التى تشبه «كومباوندز» صغيرة، مخصصة للجنود وصغار الرتب العسكرية. تبدو الحياة داخل قاعدة جوانتانامو البحرية وكأنها مدنية ولكن بسلوك عسكرى. عندما تتجول فى الشوارع فى الصباح تجد مجموعات من أفراد الجيش يقومون بممارسة رياضة الركض سواء جماعيا أو بصورة منفردة. قبل الغروب تجد ملاعب الجولف وحمامات السباحة مكتظة بمجموعات المتنافسين