مع بدء الفصل الدراسي الثاني..

البيزنس الأسود لـ«بين السرايات».. رسائل ماجستير ودكتوراة  للبيع.. وملازم وبرشام لغش الامتحانات

بيع رسائل الماجستير والدكتوراة في مكتبات بين السرايات
بيع رسائل الماجستير والدكتوراة في مكتبات بين السرايات

ربما تكون الظاهرة السائدة في منطقة «بين السرايات» بالقرب من جامعة القاهرة هى تصوير الكتاب الجامعي وبيعه بنصف الثمن بالسطو على الملكية الفكرية للمؤلف، وبيع الملازم والملخصات والشيت والبرشام قبيل الامتحانات لأغراض الغش، واختصار الكتاب الجامعي للطلاب.. ولكن.. خلف هذا الغطاء يوجد ما هو أسوأ.. حيث تقوم بعض المكتبات المنتشرة بعمليات «بيزنس أسود» لبيع رسائل الماجستير والدكتوراة لباحثين مصرين وأجانب مقابل يصل إلى 50 ألف جنيه للرسالة.

«رسائل الماجستير والدكتوراة بـ 50 ألف جنيه»

في البداية قام محرر «بوابة أخبار اليوم» بالاتصال بمكتبة في منطقة بين السرايات واسمها «حورس للخدمات البحثية»، حيث تم الاتفاق – خلال مداخلة مسجلة- مع مديرها تامر المنسي، على إعداد رسالة ماجستير في مجال المحاسبة بكلية التجارة مقابل مبلغ مالي يصل إلى 50 ألف جنيه خلال عام من بدء العمل.

وذكر المنسي – خلال المكالمة- أن المكتبة تقوم بإعداد الرسائل العلمية للوافدين العرب وخاصة طلاب دول الخليج، لكن بعد الثورة دخل مصريين على الخط حيث يقومون بشراء الرسائل العلمية جاهزة، ويقوم هو ومجموعة من متخصصين في مجال البحث العلمي بأخذ مقدم مالي «عربون» واختيار موضوع الدراسة وعنوانها وإعداد الخطة البحثية، ثم يقوم الباحث بتقديمها للمشرف وتسجيلها بالكلية والقسم المراد الدراسة به، وعندما يتم التسجيل، تقوم المكتبة بتحصيل باقي المبلغ المالي من الباحث لشراء المراجع والكتب وعند الانتهاء من الفصل الأول يتم تسليمه للباحث وتقاضي المبلغ المالي المتفق عليه، وعند الانتهاء من كل فصل يتم تسليمه للباحث وتقاضي مبالغ مالية مقابل تسليم باقي الفصول.

وأضاف: «بعدما يتم استكمال الرسالة والتي لا يتعدى زمنها 4 شهور من المكتبة يتم تسليمها للباحث مجتمعة وتقاضي المبالغ المالية المتفق عليها، ويقوم الباحث بتحديد ميعاد مع مشرف الرسالة لمناقشتها، ثم تقوم المكتبة بإجراء التعديلات والملاحظات المطلوبة والتي تم التنويه عليها في المناقشة العلمية مِن قِبل لجنة التحكيم، ثم طباعة الرسالة وتسليمها جاهزة بعد استيفاء الملاحظات المطلوبة ثم تتقاضى المكتبة أخر المبالغ المالية المتفق عليها والتي قد تصل في مجملها إلى 50 ألف جنيه».

وأوضح أنه حاصل على شهادة الماجستير ولديه مجموعة من الباحثين الذين يعملون في إعداد هذه الرسائل العلمية الجاهزة للباحثين منذ 18 عاما في منطقة بين السرايات وحتى الآن .
ولفت المنسي، إلى أن ثمن الرسالة تحكمه معايير اختيار الموضوع، فحداثة الموضوع وكونه جديد ولم يتناوله أحد من قبل يتطلب مراجع وكتب جديدة غير متوافرة بسهولة ويكون ثمنها مرتفع، أما لو كان موضوع الرسالة مكرر وهناك مراجع متوافرة بكثرة فيكون ثمنها أرخص.

وأشار إلى أن الفريق الذي يعمل في بيع هذه الرسائل يكون لديه دكتور متخصص مشرف عليهم في نفس مجال الرسالة ويتابع تنفيذ هذه الرسائل حتى لا يتم كشفها داخل الكلية.

«سماسرة بيع الملازم وبرشام الغش»

داخل منطقة بين السرايات العديد من المكتبات المتخصصة في بيع الملازم والملخصات والشيت والبرشام لكل كلية على حدة، فهناك مكتبة لتجارة، ودار علوم، وحقوق، وإعلام، ويصل سعر الملزمة إلى 25 جنيها، بالإضافة إلى بيع البرشام قبل الامتحان بـ10 جنيهات، وتكون ذات حجم صغير وكتابة دقيقة محددة لعناصر ومُختصرة حتى يَسهل منها الغش، ويتواجد لهذه المكتبات سماسرة أمام أبواب الجامعة وداخلها يقومون بالترويج لها، ويقنعون الطلاب أن الملزمة أعدها أحد الطلاب الأوائل بالكلية أو أحد المعيدين، كما يروجون لمذكرات تم تصويرها من الكتاب الجامعي الذي أعده أستاذ المادة وتوفر نصف ثمنه للطلاب. 

«الطلاب: تواجه حشو المناهج وارتفاع أسعار الكتب»

وحول أسباب لجوء الطلاب إلى هذه المكتبات.. يقول محمد السيد، طالب بكلية الحقوق: «بشتري الملزمة من بين السرايات بـ25 جنيها بدلا من الكتاب الجامعي اللي سعره 50 جنيها، وده أوفر لي في الفلوس، المكتبات بتصور كتاب الدكتور وتبيعه بنصف ثمنه لأنه في طلبة متقدرش تشتري، والمكتبات بتصور كتب الجامعة على ورق أبيض فاخر عكس كتاب الدكتور ورقه رديء ويتعب النظر".
وأضافت هبه سعيد، طالبة بكلية التجارة: «أنا بشتري الملزمة من مكتبات بين السرايات أفضل من الكتاب الجامعي لأنها ملخصة فمثلا الكتاب 300 صفحة وده صعب جدا أنه يتذاكر قبل الامتحان بشتري ملخص له بـ20 جنيه عبارة عن أسئلة وأجوبة مختصرة وسهلة الحفظ والفهم وأدخل بها الامتحان يضمن لي درجة النجاح وأحصل على تقدير جيد على الأقل لأن صاحب الملزمة متوقع الامتحان كويس وغالبا بيكون معيد أو أحد الطلبة الأوائل بالكلية».

وتابع تامر سمير، طالب بكلية التجارة: «ملازم بين السرايات بتوفرعلينا حضور المحاضرات والتسجيل والكتابة وراء الدكتور، والمدرج بيحضر فيه 3 آلاف طالب وصوت الميكرفون ضعيف جدا مش بيوصل لكل الطلبة، وبعض الدكاترة بيتأخروا في طرح الكتب، والدكتور في نهاية التيرم بيحذف نصف الكتاب هشتريه ليه ؟».

«أصحاب المكتبات: ده رزقنا.. والتقصير من الجامعة»

بالانتقال إلى أصحاب المكتبات والعاملين بها، يقول متولى عبدالله، صاحب مكتبة تصوير: «ده رزقنا وآكل عيشنا ارتبط بالجامعة ولو فيه مشكلة سببها الجامعة لأننا لا نجبر الطالب أنه يشترى مننا، الكتب الجامعية كلها حشو ودش وصعبة على الطلبة وإحنا بنقدم تلخيص لها وبثمن بسيط حوالي 25 جنيها للملزمة، وبنصور الكتاب الجامعي بدلاً من سعره 60 جنيه نصوره بـ 25 جنيها علشان الطالب الغلبان، وهناك طلبة تخرجت بتقديرات عالية ومنها أصبح معيد بفضل الملازم والملخصات من المكتبات».

وأضاف عبد الرحمن محمد ، صاحب مكتبة: «إحنا عبارة عن طالب مجتهد بيسجل ويدون المحاضرات ويبيعها لطالب مش عاوز يحضر المحاضرات وعاوز ينجح بسهولة، وأكبر إقبال من الكليات ذات الكثافة الطلابية مثل حقوق وتجارة وآداب ودار العلوم، والطالب يلجأ إلينا بسبب كثافة المدرجات التي تصل إلى 3 آلاف طالب».

واشتكى عبد الغنى توحيد، صاحب مكتبة من شرطة المصنفات وقيام جامعة القاهرة بحظر أساتذة الجامعات من طبع كتبهم خارج الجامعة، وتحريك شرطة المصنفات ضدهم باستمرار والتي تقوم بتحرير محاضر لهم بتهمة السطو على الملكية الفكرية والتزوير والقبض على بائعي الملازم والملخصات.

«مواجهة الأزمة»

يقول الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق، إن مثل هذه الممارسات التي تقوم بها مكتبات بين السرايات تعد جريمة يعاقب عليها القانون، فهى بمثابة تزوير يجب مكافحته من قبل السلطات المختصة المتمثلة في وزارة الداخلية .

ولفت إلى أن هذه المكتبات تعمل دون ترخيص وتحت غطاء السلطات، والجامعة ليس لديها سلطة عليها، ولا أحد يفكر في مواجهتها، فهي أوكار تخرب التعليم في مصر وتسوق آليات الفشل وتجرف عقول الطلاب، مؤكداً على ضرورة مواجهتها من قبل شرطة المصنفات.

وتابع نصار: «عندما كنت رئيساً للجامعة قام مجلس الجامعة باتخاذ مجموعة من الضمانات والقواعد والتي تضمن قيام الباحث بنفسه بإجراء البحث العلمي مثل مؤشر الأمانة العلمية والمتابعة المستمرة للباحث والتزام المشرف على الرسالة بتقديم تقرير كل 6 شهور عن تقدم الباحث في الرسالة، كما أن هناك مجموعة إجراءات قياسية تؤكد قدرة الباحث على إجراء البحث العلمي مثل اجتيازه لدرجة التويفل في اللغة الإنجليزية».

وأوضح أن مواجهة هذه المكتبات أحد الإجراءات المهمة لضمان أمانة الباحث، مشيراً إلى أن كل جامعة أصبح حولها«"بين سرايات» جديدة يجب مواجهتها، حيث تتاجر في الكتب المزورة وتسوق البرشام والغش، وهذه مسئولية وزارة الداخلية وأجهزتها.

وأشار إلى أنه عندما كان رئيساً للجامعة أصدر عدة قرارات منها منع توزيع الملازم بالجامعات وفصل من يقوم من الطلاب بالترويج لها داخل الجامعة، ومنع أعضاء هيئة التدريس من التدريس منها، وحظر طباعة الكتب بمكتبات بين السرايات وطبعها داخل مطبعة الجامعة، وتحويلهم للتحقيق والتأديب في حال ثبوت مخالفة هذه القرارات.

ومن جانبه صرح الدكتور أشرف حاتم عضو المجلس الأعلى للجامعات، أن هذه الظاهرة يجب محاربتها بالقانون كمثل الذي يحمل بطاقة مزورة، وهذه مسئولية الشرطة، مضيفا «عملية بيع رسائل الماجستير والدكتوراة جاهزة من قبل المكتبات لمصريين وعرب لابد أنه سيتم كشفها داخل الكلية، خاصة وأن الباحث يكون لديه مشرف ومشرف مساعد، وإذا تمكن من تسجيل الفكرة والخطة البحثية المُباعة له جاهزة فهذا يثبت وجود ثغرة داخل الكلية تمكن من التسجيل من خلالها حيث من الطبيعي أن يتم متابعة الباحث في إعداد رسالته بشكل دوري ومستمر من قبل المشرفين عليه».

وشدد على ضرورة قيام الكليات بمتابعة الباحثين والتأكد من بذلهم مجهود واضح في إعداد فصول الرسالة، موضحاً أن مسئولية تسجيل الرسائل من اختصاص الكليات وليس للمجلس الأعلى للجامعات أي علاقة بشأنها.

وأشار الدكتور كرم عادلي أستاذ الفيزياء بكلية العلوم، إلى أن هذه الظاهرة وهى شراء رسائل الماجستير والدكتوراة من المكتبات يُقبل عليها الباحثين العرب لأنهم يملكون المال الكافي لدفعه للمكتبات مقابل الحصول على الوجاهة الاجتماعية والحصول على لقب «دكتور».

وأوضح أن هذا البيزنس يتم عن طريق قيام الباحث بالتنسيق مع أحد الأساتذة داخل الكلية ولا يقوم بامتحانه في اختبار التويفل، ويقبل بخطته البحثية مقابل هدايا يدفعها له، وعند الانتهاء من الرسالة يدخل التحكيم بها من قبل محكمين من معارف وأصدقاء المشرف ويقوم الباحث بتوزيع هدايا عليهم، ومن ثم الحصول على الدرجة العلمية خاصة فى ظل التساهل مع الوافدين العرب والأجانب .