فى ذكرى ميلاد يحيى حقى.. طبيبه الخاص يكشف كيف صار ابنا لصاحب القنديل؟

 الشاعر د. أحمد تيمور يتحدث مع الأديب الكبير الراحل يحيى حقى
الشاعر د. أحمد تيمور يتحدث مع الأديب الكبير الراحل يحيى حقى

من البشر من إذا اقتربنا منهم، وعرفناهم عن كثب، نفذوا إلى القلوب سريعا، واستقروا فى الوجدان طويلا، وأصبحوا ساكنى الروح، لا يبرحون حتى إذا رحلوا، وصاحب القنديل الذى أضاء طريق أجيال، لا شك واحد من هؤلاء، فقد مد يديه إلى كثيرين من الموهوبين، ومن توسم فيهم أنهم متفردون يتلمسون الطريق، إنه يحيى حقى، الذى غاص فى الجنوب عبر "البوسطجى"، وجعل "البساطة" أنشودة فى أفواه المرهفين، وطبيبه الخاص الذى اقترب منه إلى حد تحول العلاقة بينهما إلى أبوة وبنوة روحية شاعر، لذلك تجىء روايته عن ذكرياته معه ذات مذاق خاص، حيث يكشف لنا فى ذكرى ميلاد يحيى حقى عن تفاصيل جديدة تروى للمرة الأولى.

 

 

من الطبيعى أن يحدثنا الطبيب الخاص ليحيى حقى الشاعر الكبير د.أحمد تيمور الذى صاحبه لسنوات عديدة فى المستهل عن بداية العلاقة بينهما، وقد انطلق قائلا: فى الحقيقة كنت حديث العهد بالطب لكن كان لى بعض الأثر الحسن عند بعض الناس فى مهنتى، وعرف «حقى» هذا من خلال صديق مشترك وهو صلاح معاطى الأديب والإذاعى، وذات يوم أبلغنى معاطى ان يحيى حقى حمله رسالة مكتوبة إلى، وعندما قرأتها وجدت صاحب القنديل قد كتب أسطرا جاء نصها كالتالى: «عندى مشكلة فى بطنى، وأريد منك أن تأتى لتشوف بطن يحيى حقى، وقد نشر معاطى نص الرسالة فى كتاب له عن أصدقاء يحيى حقى، وأتبع حقى رسالة باتصال هاتفى طالبا منى أن أتولى علاجه.

 


ماذا عن أول لقاء معه؟
- أخبر يحيى حقى صلاح أنه على استعداد للذهاب إلى العيادة، ولكننى رفضت وذهبت إليه فى منزله، وكان يعانى، فكان اللقاء بين طبيب ومريض، فبدأنا رحلة العلاج، ولكنه أكرمنى، وكانت وقتها تذاع لى قصيدة يوميا فى الإذاعة يقدمها الإعلامى الكبير حمدى الكنيسى عبر صوت العرب اسمها «تسابيح شعرية»، وكان من حظى أن يسمعنى، فأشاد بما أكتب، كان شيئا جميلا منه، وهو من هو، فى المرات التالية التى التقيت به فيها، كان قد بدأ يتحسن، وكنت إذا ما انتهيت من الكشف عليه، أجلس بين يديه تلميذا مصغيا، فبدأ يتدفق فى الحديث وبدأت الأوقات السعيدة حين أخذنا نتناقش ما شاء لنا الوقت.

 


 وكيف تطورت العلاقة بينكما؟
- كانت لى أمسية شعرية سنوية فى دار الأوبرا كان يأتى ليحضرها بنفسه على رأس الحضور، وساعتها طلب منى رئيس الأوبرا وكان يعرف أن لى دلالا عليه خاصة أنه كان عزوفا عن هذه الندوات، وكان يقام وقتها ما يسمى بصالون الأوبرا الثقافى فاقتنع بعد مدة وجاء، وكانت فرحة عارمة عند رواده وقد قدمت الندوة والغريب أنه احتفى بى بكرم وقال: إن تيمور يتلذذ بالشعر وكتابته،وعرائس الشعر تعرض نفسها عليه فيختار أحسنها. وأصبح بيننا نوع من العشق حتى أنه كان يتصل بى يوميا، وذات مرة عاتبنى قائلا: أنا دائما أتصل بك وأنت لا تتصل بى، فقلت له: ياباشا لوكنت يوم أنت «فوت» الاتصال بى كنت سأتصل أنا بك، فضحك كثيرا، وكان يقول لى: أنت طلعت لى فى آخر عمرى ليه؟ وفعلا كان أبى الروحى، فقد فقدت والدى فعوضنى هو بحنانه ورعايته وكلامه عنى.

 


 وما أول كتاب من مؤلفاته أهداه إليك؟
- أتذكره جيدا كنت مسافرا إلى أمريكا عام 1990، فى البداية لم أستوعب الجملة، فقلت له: يحيى باشا على رأسى، فقال لى: خذ كتابا لى معاك، وكلما أوحشك اقرأ فيه، وكان الكتاب هو» حقيبة فى يد مسافر»، وقد أهدانيه بكلمات رقيقة، وأتذكر أن الإهداء جاء بحروف كبيرة لأنه كان يعانى من مشكلة فى عينيه، وكان زاهدا، وفعلا كنت كلما أشتقت إليه هناك أسرع إلى الكتاب وأفتحه بناء على وصيته، ولدى أعماله كاملة، وحتى عندما أعيد طبع كتبه أهدتنى «نهى» إبنته المجموعة الكاملة فى طبعتها الجديدة، ذكرياتى معه ليست طويلة ولكنها عميقة الأثر.

 


  هل كان مريضا مطيعا؟
- كان مطيعا جدا، ولكن كان يعبر بطريقة لطيفة يقول «شوف بقى الماعون اللى بيعمله فى بطن يحيى حقى».

 


 فى الفترة الأخيرة من مرضه أين كنت؟
- كنت مسافرا، وعندما عدت كان هو فى المستشفى وزرته وهذه الزيارة لن أنساها، لأن وجهه كان مبتسما رغم معاناته، وقد تذكرنى وتبادلنا حديثا قصيرا دافئا وفرح بى، ولكن ما ساءنى هو أن جنازته كانت كتواضعه إلى أقصى حد، كان من يسمون أنفسهم تلاميذه غائبين، فلم نجد منهم أحدا، على الرغم من إعلان وفاته.