في ذكرى ميلاده الـ99

تقرير| تناقضات الطفولة سر إبداع «إحسان عبد القدوس»

إحسان عبد القدوس
إحسان عبد القدوس

«الراحة الحقيقية هي أن ترتاح من نفسك، أن تجد ما يشغلك عنها»، من أشهر أقوال الأديب الراحل إحسان عبد القدوس، الذي نحتفل اليوم بذكرى ميلاده الـ99.

استطاع أمير الرومانسية إحسان عبد القدوس، أن يصل إلى الراحة الحقيقية، عندما انشغل بالإبداع عن نفسه، وابهر العالم العربي بمجموعة كبيرة من الأعمال الأدبية التي أحدثت جدلا كبيرا فور صدورها، وكانت سببا للعديد من محاولات الاغتيال التي تعرض إليها . 

نشأة إحسان عبد القدوس المتناقضة سر إبداعه

نشأ إحسان عبد القدوس، بين جانبين متناقضين وهما والدته وجده لابيه ، حيث كانت والدته الفنانة والصحفية الراحلة روزاليوسف، التي  أحدث زواجها بوالده، ثورة كبيرة في عائلة عبد القدوس، حيث كان الأب ابن الغربية ينتمي لعائلة محافظة وملتزمة دينيا، ووالده الشيخ رضوانولكن بعد ميلاد إحسان لان قلب الجد، وتربى الحفيد في بيته، ولكن أحدثت تلك التربية دوارا ذهنيا في عقل الصغير، حيث اعتاد على حضور مجالس الذكر والدين، وتعلم في المعاهد الأزهرية، ومن ناحية أخرى عندما يذهب لوالدته، يجد نفسه بين طائفة متناقضة تماما مع ما يزرعه بداخله جده، فيحضر حلقات نقاشية وندوات فنية وثقافية.

وتحدث إحسان عبد القدوس  عن تأثير هذين الجانبين المتناقضين عليه فيقول: "كان الانتقال بين هذين المكانين المتناقضين يصيبني في البداية بما يشبه الدوار الذهني حتى اعتدت عليه بالتدريج واستطعت أن أعد نفسي لتقبله كأمر واقع في حياتي لا مفر منه


حلم إحسان عبد القدوس الذي لم يتحقق

حلم إحسان عبد القدوس، بأن يصبح محاميا، وسعى جاهدًأ ، بأن يتعلم ويتفوق، إلى أن التحق بكلية الحقوق، حيث درس إحسان عبد القدوس في مدرسة خليل آغا بالقاهرة ، ثم في مدرسة فؤاد الأول بالقاهرة 1932م-1937م، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة.

وتخرج إحسان من كلية الحقوق عام 1942م وفشل أن يكون محامياً ويتحدث عن فشله هذا فيقول: "كنت محامياً فاشلاً لا أجيد المناقشة والحوار وكنت أداري فشلي في المحكمة إما بالصراخ والمشاجرة مع القضاة، وإما بالمزاح والنكت وهو أمر أفقدني تعاطف القضاة، بحيث ودعت أحلامي في أن أكون محامياً لامعاً.


إحسان عبد القدوس رئيسًا لتحرير روزاليوسف وأخبار اليوم

تولى إحسان رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف، وكان عمره وقتها 26 عام، وهي المجلة التي أسستها والدته وقد استلم رئاسة تحريرها بعد ما نضج في حياته، ولكن لم يدم طويلاً في مجلة روز اليوسف ليقدم استقالته بعد ذلك، ويترك رئاسة المجلة لأحمد بهاء الدين، ويتولي بعدها رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم من عام 1966 إلى عام 1968، ومن ثم يعين في منصب رئيس مجلس الإدارة إلى جانب رئيس التحرير في الفترة بين 1971 إلى 1974  وكانت لإحسان مقالات سياسية تعرض للسجن والمعتقلات بسببها، ومن أهم القضايا التي طرحها قضية الأسلحة الفاسدة التي نبهت الرأي العام إلى خطورة الوضع، وقد تعرض إحسان لمحاولات إغتيال عدة مرات، كما سجن بعد الثورة مرتين في السجن الحربي وأصدرت مراكز القوى قراراً بإعدامه.


600 رواية وقصة كنز إحسان عبد القدوس الذي ورثه الأدب

لقد كتب إحسان عبد القدوس أكثر من ستمائة روايه وقصة وقدمت السينما المصرية عدداً كبيراً من هذه القصص فقد كان منها 49 رواية تحولت الي أفلام و5 روايات تحولت إلي نصوص مسرحية و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية و10 روايات تحولت إلى مسلسلات تليفزيونية إضافة إلى 65 من رواياته ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأوكرانية والصينية، وقد كانت معظم رواياته تصور فساد المجتمع المصري وأنغماسه في الرزيله وحب الجنس والشهوات والبعد عن الأخلاق، ومن هذه الروايات النظارة السوداء وبائع الحب وصانع الحب والتي أنتجت قبيل ثورة 23 يوليو 1952. ويتحدث إحسان عن نفسه ككاتب عن الجنس فيقول: "لست الكاتب المصري الوحيد الذي كتب عن الجنس فهناك المازني في قصة "ثلاثة رجال وامرأة" وتوفيق الحكيم في قصة "الرباط المقدس" وكلاهما كتب عن الجنس أوضح مما كتبت ولكن ثورة الناس عليهما جعلتهما يتراجعان، ولكنني لم أضعف مثلهما عندما هوجمت فقد تحملت سخط الناس عليّ لإيماني بمسؤوليتي ككاتب!! ونجيب محفوظ أيضاً يعالج الجنس بصراحة عني ولكن معظم مواضيع قصصه تدور في مجتمع غير قارئ أي المجتمع الشعبي القديم أو الحديث الذي لا يقرأ أو لا يكتب أو هي مواضيع تاريخية، لذلك فالقارئ يحس كأنه يتفرج على ناس من عالم آخر غير عالمه ولا يحس أن القصة تمسه أو تعالج الواقع الذي يعيش فيه، لذلك لا ينتقد ولا يثور.. أما أنا فقد كنت واضحاً وصريحاً وجريئاً فكتبت عن الجنس حين أحسست أن عندي ما أكتبه عنه سواء عند الطبقة المتوسطة أو الطبقات الشعبية –دون أن أسعى لمجاملة طبقة على حساب طبقة أخرى".وكذلك في روايته"شي في صدري"والتى صاحبتها ضجه كبيرة في العام 1958 والتي رسم فيها صورة الصراع بين المجتمع الرأسمالى والمجتمع الشعبي وكذلك المعركة الدائرة بين الجشع الفردى والاحساس بالمجتمع ككل.


مواقف إحسان عبد القدوس مع رؤساء مصر


 اعترض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على إحسان عبد القدوس روايته البنات والصيف والتي وصف فيها حالات الجنس بين الرجال والنساء في فترة إجازات الصيف، ولكنه لم يهتم لذلك بل وارسل رسالة الي جمال عبد الناصر يبين له فيها ان قصصه هذه من وحي الواقع بل أن الواقع أقبح من ذلك وهو يكتب هذه القصص أملاً في ايجاد حلول لها.

وسجن محمد عبد القدوس في عصر السادات، لكن والده رفض التدخل لإطلاقه، مؤكدا أنه مر بتجربة السجن مرتين بسبب آرائه السياسية والدعوة إلى حرية الاعتقاد وهو ما كان يدعو إليه احسان فى كل أعماله وكتاباته الصحفية.

وشهد بحرية عبد القدوس كل من عمل معه ومنهم نقيب الصحفيين السابق كامل زهيرى، حيث أطلق على مدرسته الصحفية "مدرسة الهواء الطلق".

ولم يفرض إحسان عبد القدروس على تلاميذه في يوم من الأيام رأيا فمدرسته هي مدرسة "الكتابة في الهواء الطلق"، وهذا نتيجة نشأته فى بيئة دينية سمحة تؤمن بالحرية وبيئة أدبية فنية تمارس حرية العمل والكتابة، فوالده محمد عبد القدوس كاتب ومؤلف فني للمسرح ومن خلاله تعرف على السيدة اللبنانية فاطمة اليوسف التى عرفت باسم "روزااليوسف"، وأسست مجلة سمت بأسمها وكانت المدرسة الاولى التى تعلم فيها إحسا ن العمل الصحفي.

وارتبط احسان عبد القدوس برجال السياسة فى عصره بل وكثير من أعضاء الظباط الأحرار الذين كانوا يترددون على المجلة باعتبارها أحد معاقل الحرية قبل الثورة، حيث تعرف على الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.

وكان عبد القدوس أول من أطلق شرارة ثورة 23 يوليو بأعماله الصحفية بحملته الشهيرة "الأسلحة الفاسدة"، والمفارقة أنه سجن مرتين في عهد عبد الناصر، عندما وقف إلى جانب الديموقراطية البرلمانية وثار بعنف على ضرب الدكتور المستشار عبد الرازق السنهوري في مكتبه بمجلس الدولة وذهب لزيارته في بيته.

وكان عبد القدوس طالب بضرورة خروج جمال عبد الناصر وزملائه الضباط من الجيش وإعادة الحياة النيابية "كضمان لحياة سياسية مستقرة". وحين اعتقل إحسان عبد القدوس للمرة الثانية في عام 1954 بتهمة التآمر على الثورة، فوجئ بأن دق جرس التليفون، وإذا بجمال عبد الناصر يحدثه قائلا: "أعمل إيه يا إحسان .. اعذرني"، وفي طريق عودته إلى البيت حدث نفسه: "إننا في العام الثاني للثورة، ماذا يكون عليه الحال بعد عشرة أعوام؟". وجرت بعد ذلك أربع محاولات لاغتياله، حسب ما ذكرهبنفسه.

وإذا كان البعض يتهم إحسان عبد القدوس بأنه خرج عن العرف فى ذاك الوقت بكتابته عن المرأة والحب بل كان يختتم أحاديثة للاذاعة فى الخمسينات القرن الماضي بكلمة "تصبحون على حب"، يرى آخرون من بينهم الناقد جابر عصفور أنه كاتب امتلك شجاعة اقتحام العوالم الموغلة التي ترسم العلاقات الاجتماعية في الطبقات الوسطى خاصة فيما يتعلق بالمرأة والجنس.