في اليوم العالمي لحقوق الإنسان

تركيا السجن الأكبر.. الصحفيون في مرمى نيران أردوغان

"السجن الأكبر للصحفيين في العالم" هكذا نعت الصحفي التركي المعارض جان دوندار بلاده التي يعيش الصحفيون فيها أوضاع صعبة خلال نحو عامٍ ونصفٍ منذ الانقلاب العسكري الذي كاد أن يقضي على حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منتصف يوليو من العام الماضي، إلا أن فشله تجرعه الساسة و النشطاء و الصحفيون في البلاد، الذين أطلقت السلطات التركية يدها تجاههم لتطال العديد منهم الذين لا يزالون يقبعون في السجون التركية.

أهوالٌ كثيرةٌ باتت الهاجس الأكبر للصحفيين المتواجدين على أرض تركيا، والتي تثبتها التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية والصحفية، فالأيدي الأمنية في بلاد الأناضول سعرت في وجه جل المعارضين في البلاد، وفي مقدمتهم الصحفيون المناوئون لسياسات رجب طيب أردوغان، الذي بدا أنه تخلى عن مظهره كرجلٍ داعمٍ للديمقراطية في العالم، عندما أصبح الأمر يتعلق بعرش حكمه الذي اهتز على وقع انقلابٍ أرق الرئيس التركي على الرغم من فشله.

انتقاد ألماني
مفوضة الحكومة الألمانية لشئون حقوق الإنسان ،بيريل كوفلر، وجهت اليوم السبت 9 ديسمبر انتقاداتٍ لاذعةً لأوضاع حقوق الإنسان في تركيا، معتبرةً أن تدهورها بلغ حدًا أسوأ من المتوقع، في تصريحاتٍ أدلتها قبل يومٍ واحدٍ من إحياء اليوم العالمي لحقوق الإنسان.

ألمانيا أصبحت في الأونة الأخيرة تكن عداءً لبلاد الأناضول تحت حكم أردوغان، فعددٌ من النشطاء الألمان طالتهم القبضة الفولاذية المسلطة من السلطات التركية، إضافةً إلى اتهاماتٍ بالنازية و الفاشية وصم بها الرئيس التركي حكومة أنجيلا ميركل في شهر سبتمبر الماضي، سكبت مزيدًا من المحروقات على النار المشتعلة بين برلين و أنقره في الأونة الأخيرة.

السبب الرئيسي في بداية سلسلة من التلاسن بين حكومة البلدين، يرجع إلى امتناع برلين عن تسليم مطلوبين لدى السلطات التركية، متهمين بالوقوف وراء الانقلاب العسكري الفاشل و بالصلة برجل الدين فتح الله جولن، المقيم في ولاية بنسلاديفيا الأمريكية، و المتهم الأول في تدبير الانقلاب العسكري ضد حكم أردوغان.

وبالانتقال للحديث عن التنكيل الذي يتعرض له الصحفيون في تركيا، فتشير منظمة مراسلون بلا حدود خلال تقريرها السنوي لعام 2016 إلى أن تركيا أصبحت أكبر سجنًا للصحافة في العالم، مبينةً أنه من بين 348 صحفيًا معتقلًا في جميع أنحاء العالم، يوجد ما يربو على مائة صحفيٍ في السجون التركية وحدها.

الإساءة لأردوغان جريمة في تركيا!
تقريرٌ آخر صادرٌ في نهاية عام 2016 عن لجنة حماية الصحفيين ،وهي منظمة أمريكية غير حكومية، يكشف عن أن نحو ثلث الصحفيين المحتجزين داخل السجون في العالم أجمع يتواجدون في تركيا.

وتقول المنظمة إن السجون التركية تستقبل نحو 81 صحفيًا تركيًا من إجمالي 259 صحفيًا محتجزين من جميع أنحاء العالم، حيث توجه لهم السلطات التركية اتهاماتٍ تتراوح بين الضلوع وراء الانقلاب العسكري ضد أردوغان أو الانضمام لجماعات إرهابية ذات صلة بشبكة رجل الدين فتح الله جولن، أو نشر وثائق سرية، أو الإساءة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، و التي جعلتها السلطات التركية أحد الجرائم الموجهة للصحفيين، وفقًا للتقرير الصادر عن المنظمة الأمريكية.

و تطرق التقرير للحديث عن الإجراءات الحكومية التعسفية التي اُستخدمت للتضييق على عمل الصحافة في تركيا، والتي من بينها إغلاق أكثر من مائة وسيلة إعلامية خلال شهرين فقط من محاولة الانقلاب الفاشلة.

ومن جانبها، انتقدت منظمة العفو الدولية مطلع شهر مايو الماضي ،على لسان خبيرتها في ألمانيا ماري لوكاس، انتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة على نطاقٍ واسعٍ بتركيا، متحدثةً عن أن الأصوات التي توجه انتقاداتٍ لسياسات الحكومة التركية يتم إسكاتها بسرعةٍ هائلةٍ.

رد الحسنى بالإساءة
التنكيل بالصحفيين تخطى حاجزهم ليطال أحد أعضاء البرلمان التركي المنتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض (حزب علماني أسسه مصطفى كمال أتاتورك)، وهو أنيس بربر أوغلو ،الذي حُكم عليه في شهر يونيو الماضي بالسجن لمدة 25 عامًا، لاتهامه بنشر معلوماتٍ مخابراتية إبان توليه رئاسة تحرير إحدى الصحف التركية.

ولم يشفع الموقف الذي قام به رئيس حزب الشعب الجمهوري ،كمال قليجدار أوغلو، مع أردوغان أثناء محاولة الانقلاب بعدما دعم الرئيس التركي ورفض الانقلاب العسكري ضده، لتجنيب نائب البرلمان عن الحزب ويلات السجون وهو الموقف الذي اُتهم بسببه قليجدار أوغلو من قبل المعارضة التركية فيما بعد بالتساهل مع الرئيس التركي.

رئيس الحزب الجمهوري قاد حينها مسيرة شعبية للمعارضة التركية من أنقره إلى محبس بربر أوغلو قرب اسطنبول، استمرت نحو سبعة عشر يومًا، واصفًا الرئيس التركي بالديكتاتور المستبد، الذي بدوره وصف مسيرات المعارضة بالمسيرات الإرهابية.

الأوضاع المتردية لحقوق الإنسان و التي تنال من حقوق الصحفيين في تركيا، باتت اليوم في صدارة المشهد الدولي مع حلول الذكرى التاسعة والستين لليوم العالمي لحقوق الإنسان، خشية أن يتعرض الصحفيون في بلاد الأناضول لما هو أسوأ في الفترة المقبلة.