الانتخابات الألمانية| هل تدفع «سيدة ألمانيا القوية» ثمن إنسانيتها؟

انجيلا ميركل
انجيلا ميركل
بعض الهزائم تكون مُشرفة عندما تصبح ثمنًا لمواقفنا الإنسانية، التي تقاس بالقرارات التي نتخذها في أكثر الأوقات صعوبة، كتلك الأوقات التي أغلق الجميع فيها عيونهم وصموا آذانهم عن نزوح وغرق مجموعة من البشر قرروا أن يبحثوا عن حياة رفض العالم منحها لهم.. ولكن السياسة لا تعرف شيئًا عن "الإنسانية". 

منذ البداية قررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن تنحاز للإنسانية بعد ما فتحت أبواب بلادها أمام اللاجئين، القرار الذي أثار كثير من الجدل في الفترة الأخيرة، ووحده قد يتسبب في هزيمتها خلال الانتخابات التشريعية القادمة المنتظر إجراؤها، السبت 24 سبتمبر، وهي الهزيمة التي لو حدثت ستصبح أكثر الهزائم المشرفة في تاريخ الانتخابات الأوروبية.

أنجيلا ميركل.. المستشارة الألمانية تأتي على رأس الحزب الديمقراطي المسيحي والذي من المتوقع أن يشارك بكل قوته في الانتخابات التشريعية العامة القادمة التي سيتم على أساسها تشكيل البرلمان الألماني «البوندستاج» التاسع عشر ومن ثم اختيار المستشار الاتحادي القادم.

يتنافس في الانتخابات الألمانية أكثر من ستة أحزاب سياسية، إلا أن منافس ميركل الأول هو مارتن شولتز مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهو الرجل «حاد الطباع» عاش حياة غير عادية حولته من "مدمن كحول" في بداية حياته إلى مسيرة سياسية ناجحة قد تنتهي بكونه المستشار الاتحادي الجديد.

لماذا يجب على ميركل أن تفوز؟

المستشارة الألمانية التي يراها الكثير من القادة حول العالم بأنها السيدة الأهم في أوروبا، تنقسم الآراء حولها حاليًا إلى نصفين بحسب تقرير نشرته مجلة الإيكونوميست البريطانية.

وتعتبر ميركل في أعين مؤيديها «البطل» الذي أنقذ اللاجئين بعد ما فتحت أبواب ألمانيا أمامهم في الوقت الذي تم إغلاق الحدود الأخرى عمدًا في وجههم، كما أنها وقفت بكل شجاعة أمام ترامب وبوتين، وذلك بحسب التقرير البريطاني.

وعلى النقيض يصف النصف الأخر ميركل بأنها الشخص الأسوأ في أوروبا أو حتى «الشرير» الذي تسبب في توريط بلادهم حاليًا بوضع كارثي تسبب لهم بالكثير من المشكلات والفوضى.

وأضاف التقرير أن مؤيدي ميركل هم أكثر الناس قربًا للواقع، فقد قامت ميركل بالكثير من الأشياء الجيدة لألمانيا، حيث قادت البلاد منذ عام 2005 وحتى الآن، -أي ما يقرب من 12 عامًا- بشكل جيد جدًا، وربما يكون الأمر الوحيد الذي يستخدمه أعداءها ضدها بجانب «ملف اللاجئين» هو أنها لم تفعل الكثير من أجل مستقبل ألمانيا.

فيما يخص قضية اللاجئين..اتبعت المستشارة الألمانية ما أُطلق علية سياسة «الباب المفتوح» منذ عام 2015 التي سمحت بدخول ما لا يقل عن مليون لاجئ على مدار عامين، وفي تصريحات صحفية في أغسطس الماضي أكدت ميركل أنها«ليست نادمة» على قراراها في ذلك الوقت حتى لو أدى لصعود عدد من المعارضين لها أو انخفاض أسهمها داخل المجتمع الألماني.

وشددت ميركل في تصريحاتها أنه لو عاد الزمن بها إلى الوراء فإنها ستقوم باتخاذ نفس القرار مرة أخرى، لان الوضع في ذلك الوقت كان استثنائيًا، وأنها اتخذت القرار الذي اعتقدت أنه الصواب من وجهة نظر سياسية وإنسانية.

تسببت تلك السياسية فيما بعد بخروج عدد من التظاهرات من قِبل الألمانيين اليمينيين والرافضين لسياسات المستشارة الخاصة بالسماح بدخول اللاجئين، إلا أن ميركل لم تدع ذلك يجعلها تتراجع عن قراراتها.

ماذا نعرف عن الانتخابات الألمانية القادمة؟

الانتخابات التشريعية القادمة هي الانتخابات الـ19 للبرلمان، والتي سيتم على أساسها اختيار المستشار القادم والذي ترجح استطلاعات الرأي أن تكون المستشارة الحالية أنجيلا ميركل هي الفائزة، نظرًا لان أقوى منافسيها مارتن شولتز لم يحصل على شعبيه كبيرة، كما أنه لا يتمتع بالخبرة السياسية التي تتمتع بها ميركل بعد سنوات طويلة من العمل السياسي.

يصل عدد الناحبين المسجلين في الانتخابات حاليًا إلى حوالي 61 مليونا، في 299 انتخابية موزعة على 16 ولاية.

تعتبر أهم الأحزاب المتنافسة في تلك الانتخابات التي يتم إجراؤها كل 4 أعوام هي أحزاب « الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الاشتراكي الديمقراطي، اليسار، الخضر، حزب البديل من أجل ألمانيا» بالإضافة لعدد من الأحزاب الأخرى، حيث من المتوقع أن تعلن النتائج 16 أكتوبر القادم، أي بعد مرور 17 يوم على انتهاء التصويت.

وتعتبر أولى مهام البرلمان بعد ذلك هي اختيار المستشار أو المستشارة الاتحادية خلال جلسة مغلقة من خلال التصويت السري، حيث يحتاج المرشح إلى أصوات الأغلبية حتى يتمكن من الفوز.

أوراق ميركل الرابحة 

يعتبر كلا من العلاقات الألمانية التركية وملف اللاجئين هما أكثر أوراق المستشارة الألمانية الرابحة خلال الانتخابات القادمة، حيث يحاول منافسها شولتز أن يشكك في التزامها ناحيتهما فيما يخص مصلحة الألمانيين وبلادهم.

وفيما يتعلق بتركيا، قال شولتز في تصريحات صحفية، إنه سيعمل على وقف كل محاولات تركيا للانضمام للإتحاد الأوروبي، في حين ردت عليه ميركل قائلة إنها لم تؤمن يومًا أن ذلك الانضمام سيحدث أصلًا في يوم من الأيام، كما أنها ستقوم بقرض مزيد من العقوبات الاقتصادية وتصعب السفر إليها أو أي محاولات لزيادة الاستثمارات والتجارة.

من جانبها ردت تركيا من خلال المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالن، قائلة إن تصريحات ميركل «ليست صدفة»، وأن الهجوم على بلاده «انعكاس للانكماش الأفق»، كما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعدم التصويت لصالح عدد من الأحزاب من ضمنها حزب ميركل واصفا إياهم بـ«أعداء تركيا».

أما فيما يخص ملف اللاجئين فكان شولتز قد انتقد طريقة ميركل بالتعامل معه قائلا في مناظره جمعتهما أن حل هذه الأزمة كان يجب أن يكون أوروبيا وليس ألمانيا فقط، وأن المستشارة الألمانية كان يجب أن تشرك جيرانها الأوروبيين في التعامل مع هذه الأزمة، إلا إنها ردت مؤكده أن ذلك كان هو الصواب الذي وجب على ألمانيا فعله في ظل وضع اللاجئين ذلك الوقت.

وإذا استطاعت ميركل تحقيق الفوز هذه السنة للمرة الرابعة على التوالي ستكون أول سيدة ألمانية تتمكن من ذلك، محققة نجاحًا جديدًا يضاف إلى قائمتها الطويلة من النجاحات التي بدأت باختيارها في المرة الأولى من وسط حزب يسيطر علية الذكور -الاتحاد الديمقراطي المسيحي- إلى السيدة التي استطاعت أن تحافظ على منصبها لـ16 عامًا متتالية.

جدير بالذكر أنه لم ينجح أحد في الاستمرار بهذا المنصب لـ16 سنة متتالية من قبل سوى هلموت كول، وذلك من عام 1982 حتى 1990.