اختفت من علي الساحة الفنية في السنوات الأخيرة الأعمال الوطنية التي تعزز الانتماء، وذلك رغم النجاح في تقديم هذه النوعية من الأعمال التي جسدت تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
و شكلت دراما الجاسوسية وجبة دسمة ينتظرها المشاهد العربي والمصري إيمانا منه في التعرف على بطولات الأجيال السابقة، وتعزيز الانتماء لدى الأجيال الجديدة.
مسلسلي"الصفعة" و"عابد كرمان"، كانا أخر عملين دراميين اقتبسا من ملفات المخابرات العامة المصرية، ومنذ ذلك الحين اختفت تلك الأعمال رغم كل ما تحمله مسلسلات الجاسوسية من تشويق للمشاهدين.
وأصبح اختفاء هذه النوعية من المسلسلات لغزًا، خاصة أن السنوات التي سبقت اختفائها شهدت غزارة في إنتاج هذه النوعية، ففي عام 2005 تم إنتاج "العميل 1001"، الذي قدمه الفنان مصطفى شعبان عن الجاسوس المصري عمرو طلبة الذي زرعته المخابرات المصرية في الجيش الإسرائيلي في الفترة ما بين النكسة وحرب أكتوبر.
وفي عام 2009، بعد غياب أربع سنوات، عادت الأعمال المخابراتية إلى الشاشة بمسلسل "حرب الجواسيس" الذي قدمته منة شلبي، ودارت القصة حينها حول نبيل الشاب الذي يسافر إلى الخارج باحثًا عن فرصة أفضل ليتزوج حبيبته سامية الصحفية بإحدى الصحف المصرية، إلا أنه يتم تجنيده لصالح الموساد الإسرائيلي، وتسعى من خلاله المخابرات الإسرائيلية لتجنيد الصحفية سامية إلا أن الخطة تفشل في النهاية.
وبعد عامين اختار الفنان تيم حسن، حمل شعلة المسلسلات المخابراتية بتجسيده دور الجاسوس عابد في مسلسل "عابد كرمان"، والذي يحكي قصة شاب فلسطيني عمل كجاسوس للمخابرات المصرية في إسرائيل لمدة ثلاث سنوات ووصل إلى تكوين علاقة صداقة مع وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان إبان حرب الاستنزاف، وقد أثير كثير من الجدل حول مدى ارتباط القصة التي كتبها ماهر عبد الحميد بأحداث واقعية.
وفي العام التالي، حضرت هذه النوعية من المسلسلات متمثلة في مسلسل "الصفعة"، بطولة شريف منير وهيثم أحمد زكي، وكانت القصة تدور حول شاب مصري يهودي يهاجر لإسرائيل ليعمل بعدها في الموساد ويبدأ في تنفيذ عمليات خارجية إلا أن المخابرات المصرية ترصده وتطارده من خلال أحد ضباطها حتى يتم القبض عليه.
السينارست تامر حبيب أكد أن السبب الوحيد لغياب أعمال الجاسوسية عن الساحة الدرامية يرجع إلى عدم توافر قصة تشويقية جديدة، ويقول: "من لا يتمنى أن تكون الساحة ممتلئة بالأعمال الوطنية التي من خلالها نرفع رأسنا ونقول"إحنا مصريين"، لكن في ذات الوقت يجب تقديم عمل جيد يليق بتاريخنا العظيم، وهذا يتطلب البحث عن قصة يتوافر فيها المعلومات الكافية والإثارة والتشويق حتى نقدم مادة جديدة ومختلفة عن المشاهد، كما أن ما تم تقديمه من أعمال بطولية مثل "رأفت الهجان"، و"عيون في دموع وقحة" أغلقت الباب على تقديم أعمال أخرى، أو جعلت مهمة تقديم أعمال أخرى من هذه النوعية في غاية الصعوبة، لأن هذه الأعمال احتلت مكانها بقلب المشاهد ووجدانه صعب أن يتقبل عمل آخر بعدها بهذه السهولة، لذلك يفكر كاتب السيناريو ألف مرة قبل كتابة أعمال الجاسوسية التي تعتبر من أصعب الأعمال في كتابتها، وأخيرا لا ننكر أن مسلسلات عديدة احتلت مكانها أيضا مثل "حرب الجواسيس" لمنة شلبي، و"الصفعة" وغيرهم".
من جانبه يقول المؤلف وليد يوسف: "سبب قلة هذه الأعمال يرجع إلى أمرين،الأول تكلفتها الإنتاجية، فأعمال الجاسوسية والبطولات تحتاج لإمكانيات كثيرة وضخمة لأنها تحتاج لملابس وديكورات، إضافة إلى تصويرها خارج البلاد بما أن كل البلاد تظهر فيها بشكل التراث القديم، وبالتالي يبتعد أغلب المنتجين عن إنتاج هذه النوعية من الأعمال وهو ما يدفع المؤلف ينصرف عن كتابتها، والأمر الثاني هو فترة تنفيذها، فهذه الأعمال تحتاج وقت طويل لتنفيذها، وهذا بسبب الإجراءات التي تتخذها المخابرات والجهات الأمنية لكي توافق على تصوير العمل، وهذا أيضا سبب آخر يجعل المنتجين يميلون إلى تقديم الأعمال الاجتماعية والرومانسية وهكذا".
السيناريست حسام موسى، يتفق أيضا مع رأي سيف حيث قال: "هذه الأعمال تتطلب مهارة عالية في كتابتها لأنها من أصعب أنواع الدراما نظرا لاعتمادها على الإثارة والتشويق طوال أحداثها، لذلك من يتصدى لكتابتها يجب أن يكون لديه ملف كامل من المخابرات عن هذه القصة حتى يستطيع الكتابة بمهارة خاصة، لذلك يجب على الدولة الوقوف خلف تلك الأعمال الوطنية، ونحن لا نطلب دعم بل نطلب ملفات عن الشخصية أو الحادثة بكافة تفاصيلها لكي نساهم في خروجها للنور،إضافة إلى مساعدتنا في تنفيذها بأقرب وقت، والبعد عن الإجراءات التي تعرقل تنفيذ هذه الأعمال خاصة أن هذه الأعمال مطلوبة حاليا ونحن في حاجة ضرورية لها بعد ما مر علينا من أحداث وظروف جعلتنا نكتشف أعداء جدد للوطن، لذلك نحن بحاجة لها لكي تنمي روح الوطنية وتفتح الأمل من جديد وتظهر دور الأجهزة الأمنية والمخابرات العامة في حماية البلاد من المخاطر المحدقة بها، لهذا يبتعد المنتجين عن تقديم هذه النوعية من الأعمال".
المنتج أيمن الصياد يقول: "لا أحد ينكر أن الفترة الماضية أخذ المشاهد جرعة كبيرة من هذه النوعية من الأعمال، وأخرها مسلسل "حارة اليهود" الذي أعتبره تطرق موضوعه لهذه النوعية لكن بطريقة مختلفة، ومن خلال خبرتي، حيث كنت المنتج الفني لمسلسل "حرب الجواسيس"، أؤكد أن هناك عقبات عديدة تعرقل تنفيذ هذه الأعمال في هذا التوقيت، منها الحصول على قصة جديدة جذابة تقدم على الشاشة تختلف عن ما سبق وذلك لضمان النجاح".
أما المنتج ممدوح شاهين فيرى أن السبب الحقيقي وراء عدم إنتاج هذه الأعمال يرجع إلى المخابرات العامة والجهات الأمنية، ويقول: "بالتأكيد أي مبدع يتمنى تقديم عمل عن بطولاتنا، وأهم الشخصيات التي ضحت بعمرها من أجل الوطن، لكن بطئ اتخاذ الإجراءات والموافقة على تنفيذ هذه الأعمال هي التي تبعد المنتجين عن التفكير في تقديمها".