لم يدرك الشاب النازح من بلدة "عكار"بالقرب من مدينة طرابلس بلبنان، أن الأضواء و الشهرة في انتظاره بالقاهرة هوليود الشرق.
علي الرغم من أن الفنان الكوميدي عبد السلام النابلسي خطط له والده القاضي الشرعي أن يكون خلفا له، إلا أن الأقدار حملت له نصيب غير ذلك .
واختلفت المصادر حول تحديد تاريخ ميلاده الحقيقي، مابين أعوام (1906،1900،1899) والثابت في عدد من المراجع أنه من مواليد 23( أغسطس 1899) وهو الأرجح إلي الواقع .
و لطبيعة عمل الوالد كقاضي شرعي ، انتقلت الأسرة من عكار إلي مدينة نابلس بفلسطين ، وحرص الأب علي تنشئته أبنه تنشئه دينية ، أملا منه علي أن يسير في نفس دربه بسلك القضاء.
ولكن الأقدار كانت تخبئ للشاب واقع آخر ، فعندما أرسل الأب ولده إلي مصر بلد الأزهر،أنغمس عبد السلام في الحركة الوطنية ، ثم جذبته الأضواء في شارع عماد الدين، بل عمل في إحدى الفرق المسرحية آنذاك وهي فرقة رمسيس ، و يتردد أن يوسف وهبي طرده من الفرقة لأنه لا يحفظ أدواره جيدا.
ولكن من المؤكد أن الفنان عبد السلام النابلسي عمل فترة بالصحافة الفنية و الأدبية في أكثر من مجلة منها "مصر الجديدة ،و الصباح، اللطائف المصورة"
إلي أن تعرف علي المخرج أحمد جلال الذي كان بوابته إلي عالم السينما.
ولم يبدأ النابلسي في الفن السابع أمام الكاميرا ولكنه عمل كمساعد مخرج. وجاءت الفرصة الأولي علي يد السيدة آسيا وفيلم "غادة الصحراء" إخراج وداد عرفي سنة 1929، و ثم فيلم "وخز الضمير"1931 إخراج إبراهيم لاما،الذي فتح أمامه أبواب السينما علي مصراعيها ، توطدت علاقاته مع أهل الفن كالأخوين لاما و توجو مزراحي ويوسف وهبي و آسيا و احمد جلال ولم يتوقف دوره هنا علي التمثيل، بل امتد أيضا إلي مساعدا للإخراج خاصة في أعمال يوسف وهبي.
و الحقيقة المؤكدة هنا أنه تنازل عن حلمه في الإخراج بعد فيلم "القناع الأحمر"سنة 1947 الذي حقق معه نجاحا كبيرا في أدوار الكوميديا التي انتشرت بقوة بعد الحرب العالمية الثانية. وحقق انتشارا واسعا، و ظل الإخراج حلما يراوده حتى بعد خروجه من مصر.
والغريب أن بداية النابلسي في التمثيل جاءت مع أدوار الشر و ابن الذوات الفاسد التي انحصرت أدواره عليها في مرحلة ما، إلي أن نجح في الأدوار الكوميدية التي انتشرت عقب الحرب العالمية الثانية ، وكان علي النابلسي أن يخلق لذاته "كاركتر" خاص به واستطاع بالتعاون مع الكاتبين أبو السعود الإبياري و بديع خيري من رسم ملامح للشخصية الكوميدية تتأرجح بين الأرستقراطي و مدعي الأرستقراطية ،و مدعي المعرفة و "الأنزوح" و الرجل العصبي المبالغ في تشنجه و أنفرد النابلسي و نجح مع تلك الأدوار، التي سرعان ما دخلت القلوب و تعلق بها الكبير قبل الصغير.
وظل النابلسي حبيس الدور الثاني في معظم أدواره فتارة صديق البطل عبد الحليم أو فريد الأطرش و آخرون ،ولم يحظي بالبطولة المطلقة إلا نادرا ولا تزيد تلك البطولة عن ستة أفلامفي تاريخه الفني منها "حب و إنسانية"1956،وفيلم"عاشور قلب الأسد"1961،وفيلم "حبيب حياتي"1958 ، وفيلم "حلاق السيدات"1960اوأخير فيلمي "بنات بحري"1960 ، وفيلم "قاضي الغرام"1961.
وفي بداية الستينيات شد النابلسي الرحال إلي بيروت حيث شارك في بعض الأفلام التي يخرجها صديقه محمد سلمان ،وكان من المتوقع عودته للقاهرة بعد أن يحدد حلمي رفله موعد تصوير فيلم عبد الحليم وشادية "معبودة الجماهير"، حيث كان النابلسي مرشح للدور الذي قام به الراحل فؤاد المهندس بالفيلم ولكن لم تخطو قدميه مصر مرة آخري.
وترجع أسباب عدم مجيء عبد السلام لمصر مرة آخري إلي تأزم الموقف بينه وبين مصلحة الضرائب في تلك المرحلة ، بعد أن قدرت المصلحة متأخرات عليه بلغت 13 ألف جنية وبعد محاولات تم تخفيض المبلغ إلي 9 آلاف جنيها، وحاول النابلسي أن يرسل لعده أشهر مبلغ عشرون جنيها لوقف الحجز علي شقته غير أن المصلحة رأت أن في هذا السلوك عدم جدية من قبل عبد السلام في الوفاء بالدين ، و قامت بالحجز علي شقته بالزمالك ،ولم توف محتويات البيت بقيمة الدين ، وظل النابلسي ببيروت، ولم يتمكن من العودة إلي مصر،
وأستقر النابلسي في بيروت و شغل منصب مدير عام لشركة الفنون المتحدة للأفلام و ضحكت له الدنيا مرة آخري.
وعرف عن النابلسي أنه أشهر عازب بالوسط الفني ولكنه بعد عامه الستين لفظ العزوبية و تزوج من جورجيت سبات بعد أن كانت له تجارب فاشلة في الارتباط لم تكلل بالنجاح إلا مع جورجيت التي تزوجها بعيدا عن أهلها.
في الأشهر التي سبقت وفاته أعلن بنك انترا اللبناني إفلاسه ،وكانت الطامة الكبرى للنابلسي الذي أودع كل مدخراته بهذا البنك، و زادت آلامه و حزنه ، ولفظ عبد السلام النابلسي أنفاسه في الخامس من يوليو 1968بعد ترك رصيد ليس بقليل في السينما المصرية و اللبنانية ، و أستطاع أن يرسم البسمة علي وجوهنا بالشخصيات الكوميدية التي قدمها.