أحد ملوك "الأرقام القياسية"، غنى نحو 10 آلاف موال كثير منها ارتجله من وحي اللحظة بدون إعداد سابق كان يؤلف ويلحن ويغنى، كما كان صاحب فرقة موسيقية وشركة اسطوانات .

عندما سألوه في بداية طريقه عن جمهوره قال أنا مطرب "بلدي" لا "شعبي"، أغني للريفيين المواويل التي تسعدهم وتجعلهم مستعدين لمواصلة السماع حتى لو غنيت شهراً كاملاً.

ولد محمد طه فى "طهطا" بصعيد مصر في 24 من سبتمبر1922، ونشأ في بلدة أمه "عزبة عطا الله سليمان" بقرية "سندبيس" التابعة لمركز "القناطر الخيرية ، تعلم القراءة والكتابة في "كُتَّاب" القرية ، اضطر وعمره 14 سنة إلى العمل في أحد مصانع النسيج بمدينة "المحلة الكبرى، وفي المصنع ظهرت موهبته، حيث كان يغني للعمال في فترات الراحة.

وفي 1940 انتقل من العمل في "المحلة الكبرى" إلى مدينة "كفر الدوار" التي بدأ فيها تأليف وتلحين مواويله الخاصة ، ولم يقم فيها طويلا، إذ استدعاه الجيش للتجنيد الإجباري في القاهرة، وهي خطوة أدخلت السرور على قلب أبيه الذي رأى في التجنيد فرصة ليبتعد ابنه عن طريق "الغناء" والسمعة التي لحقت به، لكن التجنيد قربه أكثر من الغناء، وكان فرصة للتعرف على مسارح الفن الشعبي في القاهرة، ومنها مقاهي حي "الحسين" و"السيدة زينب" التي كان يغني فيها أثناء الاحتفال بـ"الموالد" والمناسبات الدينية.

وفي سنة 1954 استمع إليه الإذاعيان الكبيران "طاهر أبو زيد" و"إيهاب الأزهري" وهو يغني في مقهى بالحسين، واصطحباه إلى الإذاعة حيث قاما بتسجيل عدد من مواويله، لكن "محمد حسن الشجاعي" رئيس لجنة الاستماع قرر أن صوته لا يصلح للميكروفون.

وأعاد "زكريا الحجاوي" فتح باب الأمل حين ضم "محمد طه" إلى "فرقة الفلاحين للفنون الشعبية" التي كلفته "وزارة الثقافة" بتشكيلها.

طلب منه الإذاعي الكبير "جلال معوض" أن ينضم إلى الفريق المسافر لإحياء إحدى حفلات "أضواء المدينة فى غزة، التي كانت اختباراً حقيقياً نجح فيه بتفوق، حيث استحوذ على مشاعر الجماهير التي راحت تعبر عن إعجابها.
واستعان "جلال معوض" به، و اصطحبه إلى حفل أضواء المدينة بالإسكندرية، وفي الحفل رأى "محمد حسن الشجاعي" تجاوب الجمهور معه، فلم يملك إلا أن قال له: "الآن اقتنعت بك"، وأجازه للغناء في الإذاعة .
و لم يكتف "محمد طه" بغناء الكلمات بل لحنها بنفسه ، ومعها سمع الجمهور صوته للمرة الأولى عبر أثير الإذاعة سنة 1956.

توجه إلى نقابة الموسيقيين طالباً القيد في سجلاتها، لكنه فوجئ بالنقابة ترفض طلبه لأنه لا يحمل مؤهلاً دراسياً، ولم يستسلم لأنه كان يدرك أنه يخوض معركة إثبات الوجود ، لهذا تظلم من قرار الرفض ، وحسب اللوائح شكلت النقابة لجنة لاختباره رأسها عازف الكمان الراحل "أنور منسي" الذي سأله: ما الذي يثبت لنا أنك فنان؟ فغنى ـ مرتجلاً ـ: أنا في محكمة العدل أصل العدل للعادل ، واسمع يا منسي أنا مش منسي وفي الكلام عادل ، وإذا حكمتم يكون الحكم بـ"العادل" ،أنا اسمي عدل الكرام محمد أبو طه ، أبو نفس عالية ما عمره في يوم وطاها ، وعلى الفور وافقت اللجنة على قيده في النقابة. وعلى الرغم من قبوله في الإذاعة وقيده في نقابة الموسيقيين ظل "محمد طه" يحتفظ بعمله في مصنع النسيج، باعتباره مصدراً مضموناً لدخل ثابت، لكن غيابه عن العمل تجاوز الحدود مع انخراطه في عالم الفن وتحوله إلى فقرة ثابتة من فقرات أي حفل عام يقام في مصر، منذ اختاره "وجيه أباظة" ـ وكان مشرفاً على حفلات القاعة الشرفية لأرض المعارض (دار الأوبرا حالياً) ـ مع الفنانة "نجاة" والمونولوجست "عمر الجيزاوي ليغني في الاحتفال بعيد الثورة أمام جمهور يتقدمه جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وغيرهم من القادة . استمرت الاحتفالات 10 أيام، وكان أجره عن المشاركة فيها 60 جنيهاً بالتمام والكمال، تبرع بها كلها لصالح تسليح الجيش، وفي الوقت نفسه تلقى خطاباً من المصنع يستدعيه لأنه تغيب 93 يوماً بدون وجه حق، وفي المصنع خيروه بين الانتظام في العمل وبين الاستقالة، فاستقال وحصل على 23 جنيهاً قيمة مكافأة نهاية خدمة .

لم يتوقف طموح "محمد طه" عند حد، فقد كون فرقته الموسيقية الخاصة "الفرقة الذهبية للفنون الشعبية" وضم إليها أخاه "شعبان طه" الذي يشبهه تماماً، والذي كان يلعب دور "البديل" له في الغناء، حيث يغني بدلاً منه إذا كان مطلوباً للغناء في مكانين في الوقت نفسه، كما ضمت الفرقة عازفين للناي والأرغول والكمان والعود والطبلة، وهي الفرقة التي ظلت تلازمه في كل حفلاته وأسفاره وأيضاً في الأفلام التي شارك فيها. سمى الشقة البسيطة التي كان يسكنها في حي شبرا "بيت الفن الشعبي"، وكون شركة لطباعة اسطواناته سماها شركة "ابن البلد"، مؤمناً بأن الموهبة التي يتمتع بها هي منحة من الله عليه أن يؤدي شكرها بتكريس حياته من أجلها، وهو ما ظل يفعله ـ بدأب عامل وصبر فلاح ـ منتقلاً من نجاح إلى آخر، حيث شارك بالغناء في 30 فيلما، منها: ابن الحتة، بنات بحري، أشجع رجل في العالم، خلخال حبيبي، شقاوة رجالة، السفيرة عزيزة، الزوج العازب، دعاء الكروان، المراهق الكبير، ملك البترول، زوجة ليوم واحد، رحلة العجائب، دستة مجانين. وقد بلغت حصيلة المواويل التي غناها "محمد طه" 10 آلاف موال، منها 350 موالاً سجلتها الإذاعة، وبعضها مسجل على اسطوانات وشرائط. مواويل معظمها من تأليفه، ومنها ما هو "مرتجل"، مثل ذلك الموال الذي غناه أمام عميد الأدب العربي "د.طه حسين" فأعجبه، وسأله عن مؤهلاته الدراسية، فقال "محمد طه بخفة ظله التي اشتهر بها: لا أحمل إلا شهادة الميلاد وشهادة الخدمة العسكرية. وعقب العميد: لكنك تحمل شهادة ربانية أكبر من الليسانس في المواويل! في صباح اليوم الذي توفي فيه ـ 12 من نوفمبر 1996 ـ خرج محمد طه من بيته، في حي شبرا الشعبي، لشراء أغراض للمنزل، وفي الشارع داهمته أزمة قلبية نقل بسببها إلى مستشفى "معهد ناصر" حيث توفي بعد ساعات، تاركاً سيرة طيبة، وتراثاً فنياً عريضاً.