مكاتب الاستشارات الزوجية ظهرت في مصر قبل 60 عامًا

حكايات| محاولة صلح قبل الطلاق.. ثلاثة مكاتب تفتح أبوابها لإزالة أسباب الخلاف بين الزوجين

إحدى صور المأسي الموجودة بقاعات المحاكم
إحدى صور المأسي الموجودة بقاعات المحاكم

■ قراءة: أحمد الجمَّال

ظهرت فكرة مكاتب الاستشارات الزوجية في مصر للمرة الأولى فى عام 1963، وكان الهدف منها الحد من حالات الطلاق التى تقع بين الأزواج، ونشرت «آخرساعة» فى ذلك الوقت تقريرًا عن ثلاثة مكاتب تقوم بهذه التجربة الاجتماعية المهمة، وفى السطور التالية نعيد نشر التقرير باختزال وتصرف محدود:

تجربة جديدة تجرى الآن للحد من فوضى الطلاق، من خلال ثلاثة مكاتب فى القاهرة والإسكندرية، وتعتمد على دراسة الحالة النفسية للزوج والزوجة قبل الحكم بالطلاق وقبل أن تتفرق الأسرة. وبدأت هذه المكاتب عملها بالفعل وأخذت التجربة طريقها إلى حيز التنفيذ، وأخذت الدكتورة حكمت أبوزيد على عاتقها جميع مراحل التجربة، وعاشت «آخرساعة» بدورها فى الخطوة الجريئة التى تقوم بها وزارة الشئون الاجتماعية.

■ سيدات يطلبن الطلاق في محاكم الأحوال الشخصية

ثلاثة مكاتب يعمل فيها أخصائيون اجتماعيون ونفسيون ويدرسون قضايا الطلاق قبل عرضها على القاضى، وعملهم تحرى كل التفاصيل التى لا يستطيع القاضى أن يتحراها، ومحاولة إزالة أسباب المشكلة وإعادة الصفاء إلى الأسرة، فليس الهدف من رفع قضايا الأحوال الشخصية أن يخرج الزوج أو الزوجة من المحكمة بحكم يزيد من الخلاف بينهما أو يشرِّد الأسرة كلها.

وعندما سمعنا عن افتتاح هذه المكاتب ذهبنا إلى مصطفى المسلمانى، مستشار الأسرة بوزارة الشئون فقال: إن الوزارة افتتحت ثلاثة مكاتب فى الإسكندرية أحدها فى الإسكندرية مقره جمعية المواساة الإسلامية واثنين فى القاهرة، الأول فى جمعية تدعيم الأسرة التى يرأسها كامل النحاس وكيل وزارة التربية والتعليم والثانى جمعية نساء الإسلام التى ترأسها مفيدة عبدالرحمن.. وفى خلال الثلاث سنوات القادمة سيصل عدد المكاتب إلى عشرين مكتبا لمنع الطلاق أو الحد من نزواته.

■ زوجة تحمل رضيعها وتسعى للطلاق في إحدى المحاكم

◄ محاولات قبل الحكم
وستكون هذه المكاتب تحت تصرف المحكمة التابعة لدائرتها، تحيل عليها القضايا التى تحتاج لبحث اجتماعى خاص، فالقاضى يحتاج لجهاز فنى اجتماعى يساعده ويشخِّص له المشكلة بعد دراسة وافية ويقترح العلاج المناسب، لأن القاضى ليس لديه وقت للذهاب لمنزل الزوجين والتحرى عن كل كبيرة وصغيرة والتحدث للأبناء وغير ذلك من التحريات التى يستطيع الإخصائى الاجتماعى والنفسى القيام بها.

وقال المسلماني: بدأت الفكرة فى لجنة الأسرة بالوزارة منذ أول اجتماع لها عام 1955، فقد وجدنا أن أصعب المشكلات هى العلاقات الزوجية لأنها تتصل بحياة الإنسان، فإذا لم تعالج بشيء من الفهم تهدم كيان الأسرة وفهم سلوك الإنسان ليس عملية اجتهادية ولكنها تحتاج إلى دراسة.. فكرنا فى علاج مشاكل الأسرة التى تواجه الزوجين وتهدد حياتهما بالانهيار، وفكرنا أن نساعد الشباب قبل الزواج بإعدادهم إعدادا صالحا للحياة الأسرية قبل الإقدام عليها، وذلك بإضافة مناهج تعليمية فى المدارس الثانوية عن الحياة الأسرية تضمن تربية جنسية سليمة والمعايير التى تقوم عليها الأسرة.

وسألنا الرجل الذى يباشر التجربة: هل وافقت المحاكم على تحويل القضايا لهذا المكتب؟ فقال: لقد أرسلنا خطابا لوكيل وزارة العدل نخبره فيه بهذه المكاتب والهدف منها ونطلب منه الموافقة على تحويل قضايا الأحوال الشخصية إلى هذه المكاتب لدراستها.. ولن ننتظر الموافقة.. سنعالج مشاكل الأسرة التى ستعرض علينا عن طريق الأفراد أنفسهم، وقد عُرضت من الآن مشاكل كثيرة ونقوم بحلها.

◄ اقرأ أيضًا | طبيب يكشف تأثير الخلافات الزوجية على الصحة النفسية للأطفال| خاص

■ محامٍ يخشى أن تحل مكاتب الاستشارات الأسرية مكانه فى العمل

◄ رجل و6 ستات
وانتقلنا إلى المحاكم لنصف المآسى التى تعرض على قضاة الأحوال الشخصية، وسنكتفى هنا بحالتين فقط حتى نعرف صورة القضايا التى تحتاج لدراسة الأخصائيين قبل الحكم، ففى محكمة قصر النيل كانت هناك مشادة بين رجل وسيدة وقالت الزوجة: إن زوجها تزوج من ست غيرها وكل واحدة يتزوجها ينجب منها أطفالا ثم يطلقها، وهو الآن يرفع قضية لضم ابنته منى التى تبلغ من العمر 11 عامًا، وهو تاجر يسافر إلى بورسعيد والإسكندرية لعمل إجراءات من أجل تجارته وليس لديه وقت لأن يرعى الطفلة فى هذه السن.. ويثور الزوج فى وجه مطلقته ويقول إنه يريد أن يأخذ الفتاة ويلحقها بإحدى المدارس الداخلية.. وهكذا يضيع مستقبل طفلة لا ذنب لها بين الأب والأم.

وبحزن شديد قال لى طالب بمعهد المعلمين: لقد كان والدى يعمل ناظرًا وتركنى أنا وأشقائى الخمسة وتزوج ناظرة بالفيوم، وكنت وقتذاك أنا وأخى فى الثانوية العامة والتحقت بعد ذلك بمعهد المعلمين والتحق أخى بالمعهد التجارى ورفعنا دعوى لنحصل على نفقة لنستطيع مواصلة تعليمنا، وحكم لنا القاضى بخمسين جنيها كل شهر ولكن والدى لم يدفع، وتجمع عليه حتى الآن 600 جنيه.

◄ القضاة يرحبون
وأردت أن أعرف رأى بعض القضاة فى لجنة الخبراء النفسيين وعلماء الاجتماع.. وقال محمود على الشربينى، القاضى بدائرة باب الشعرية: فكرة هذه اللجان صائبة، فقد ينشأ عنها التوفيق بين الزوجين بعد معرفة أسباب النزاع والوقوف على المسائل التى بسببها ينشأ سوء التفاهم بين الزوجين، وبعد الوقوف على أسباب النزاع قد تعرض الحلول لفض المشكلات وقد يحدث التوفيق ويتم الاستغناء عن الالتجاء إلى القضاء ويترتب على هذا المحافظة على كيان الأسرة وصيانتها من التفكك وضياع الأولاد الصغار بين الزوجين، كما يترتب على هذا أيضًا التخفيف من الأعباء القضائية فى المحاكم، لأن كثرة القضايا فى المحاكم لا تمكن القاضى فى حالة عرض الصلح بين الطرفين من الوقوف على أسباب الشقاق بين الزوجين، وذلك بخلاف الأخصائيين فإن ظروفهم قد تمكنهم من الوقوف على أسباب النزاع.

وأضاف القاضى: ألاحظ أن القضايا فى تزايد، فأنا أنظر فى اليوم حوالى ثمانى قضايا، وفى بعض الأيام 100 قضية، وفى بعض الأيام يستمر العمل طول النهار والليل.

ويقول حلمى الشنوانى وكيل أول نيابة باب الشعرية: من رأيى أن تكون هذه اللجان مثل مصلحة الخبراء فى القانون المدنى ومصلحة الطب الشرعى فى القانون الجنائى وهى تابعة لوزارة العدل مباشرة، وأرى أن كل حالات الطلاق يجب أن تُعرض على المكتب أولا ويقوم المكتب بدراسة الحالة ويحاول الوصول لحل لها، فقد يتمكن من التوفيق بين الزوجين دون الالتجاء إلى القضاء، وإذا لم يصل لحل يقوم المكتب نفسه برفع الدعوى، لأن قضايا الأحوال الشخصية لها إجراءات قد تجهلها السيدة وتدفع مبالغ طائلة ويضيع وقتها وفى النهاية ترفض المحكمة دعواها لأنها رفعت القضية فى محكمة ليست فى الدائرة المختصة وغير ذلك من الإجراءات التى يستطيع المكتب أن يقوم بتسهيلها فلا تستغرق القضية إلا وقتا قليلا، وفى هذه الحالة لا تقبل المحكمة القضية إلا إذا كانت مرفوعة عن طريق مكتب التوجيه والاستشارات الزوجية.

◄ دور الجمعيات النسائية
وأردنا أن نعرف دور الجمعيات النسائية التى اختارتها وزارة الشئون لتكون مقرًا للمكاتب فى حالات الطلاق.. وقالت لنا الدكتورة بثينة عبدالحميد، عضو جمعية نساء الإسلام، إن المكتب سيكون به مدير يعاونه أخصائى نفسانى لبحث الحالات وكتابة التقارير، والسيدات سيقمن بالمصالحات بين الزوجين، وكثيرًا ما تكون الناحية المادية سببًا فى الخلاف وفى هذه الحالة ستقوم الجمعية بمساعدة هذه الأسر.

وقالت مفيدة عبدالرحمن، رئيسة جمعية نساء الإسلام التى تجرى فيها التجربة: سيكون لهذه التجربة فائدة كبيرة فهى سترجئ رفع دعاوى كثيرة، فالمكتب سيدرس حالات وصلت إلى المحكمة فعلا وحولها القاضى إلى المكتب ليدرسها، أو حالات لم تصل بعد لقاعات المحاكم، وقد يتمكن المكتب من إيجاد حل لها ولا داعى للمحاكم.. إنها محاولة للحد من الطلاق والمحافظة على كيان الأسرة المصرية.

(«آخرساعة» 6 فبراير 1963)