الهاربون من النظرات..الأمراض الجلدية فى مواجهة التنمر

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

◄أغاريد الجمال: الحالة النفسية لمرضى الجلدية أهم جزء في العلاج
◄احمد صادق: أغلبية الأمراض الجلدية غير معدية

لم يرحم المجتمع مرضهم بل زاد من آلامهم النفسية، فباتوا يخشون نظرات المارين التي باتت ترمقهم بتقزز، فلم يسلم أحدهم من عبارة موجعة يوجهها الناظرون إليهم، وكأنهم منبوذون، والبعض يتجنب مصافحتهم أو التعامل معهم، وكأنهم يحملون عدوى وبائية، أصبحوا أشخاص محطمة تخشى مواجهة المجتمع بسبب جهل أفراده لكثير من الأمراض ليصبحوا موصومين دون ذنب .

 

مرآة مهشمة

 

تجلس إيمان رياض (30 عاما) أمام مرآتها المكسورة، تحاول تنظيف الجزء الوحيد المتماسك الذي لم تسبه الشقوق بعدما تراكمت عليها الأتربة، لتبدأ في وضع المساحيق في محاولة منها لإخفاء البقع التي أصابت وجهها ذو الملامح الصغيرة، كيّ تحضر حفل زفاف ابنة خالتها، لكنها تفشل في ما يؤرقها فتجهش بالبكاء.

 

منذ 20 عاماً أصيبت الثلاثينية بمرض البهاق، وكانت البداية بانتشار بقع بيضاء حول منطقة العينين، ثم انتشرت في باقي أجزاء الجسم، لم تستطيع التواجد في المناسبات العائلية، حتى تتجنب تلك النظرات المؤلمة، فيخشى البعض أن تتصافح معهم باليد، فضلاً عن كثرة التنمر التي تعرضت له طيلة مراحلها التعليمية.

 

عيون تطلق السهام

«الناس بتخاف من شكلي ويسألوني إنتِ محروقة ؟!.. ده غير النظرات اللي بتضايق»، هكذا تصف «إيمان» بعض أشكال التنمر التي تتعرض له، فتكره الخروج من منزلها تجنباً للتعليقات السلبية على شكلها، وإن لم يبوح أحدهم بأي كلمة، يطلق أسهم التنمر بنظرة نفور تصيبها بألم نفسي كبير، فتعود لمنزلها باكية.

لم يرحمها أحد من التنمر، أصبحت تكره النظر لنفسها في المرآة، وتخشى المرور من أمامها، فإذا نجحت في إخفاء البقع البيضاء المنتشرة على وجهها لم تفلح في إخفاء المتناثر على كفيها.

 

«ماليش أي صور لأني كنت بكره أتصور» بعد مرور سبعة عشر عاماً من صراعها مع المرض اتسعت البقع ليصبح وجهها ناصع البياض، ولكنها لم تسلم من التعليقات «إنت وشك أبيض كدا ليه»، حرمها مرضها من أن تعيش سنها مثل باقي الفتيات، وأن تحب وتتزوج، فعندما أعجب بها أحد زملائها في العمل، أغلقت الموضوع تماماً لأنها لم تستطع إخباره الحقيقة أو مصارحته، وعلي الرغم من أن وجهها أصبح لوناً واحداً آلا إنها عند النظر في المرآة ترى وجهها القديم .

اقرأ ايضا:رئيس جامعة بنها يفتتح أعمال تطوير قسم الامراض الجلدية بالمستشفي الجامعي

 

 لم تختلف قصص وحكايات المرضي عن بعضها البعض، فالجميع يواجه نفس المصير المؤلم بسبب الثقافة المغلوطة لدى أفراد المجتمع وتعاملهم مع بعض الامراض الجلدية غير المعدية بازدراء ونفور من أصحابها .

 

بقع حمراء

«تعرضت لضغط نفسي شديد بسبب مواقف مخزية من أشخاص كانت تظن أنهم الأوفى لها، استمرت حالتها النفسية في تدهور، لتستيقظ على بقع حمراء سميكة بوجهها وكفيها».

 

 منذ عامين أصيب هبة أحمد (اسم مستعار) 28 عاما، بمرض الصدفية، وانتشرت بقع حمراء على كفيها ووجهها وأرجلها، كانت تظنها في بداية الأمر أنها «حساسية جلدية» واعتمدت على بعض المرطبات والمضادات الحيوية، لكن بعد شهر من ظهور تلك البقع تحولت لشبح ينتشر في جسدها النحيل .

 

تعرضت للتنمر بشكل صارخ، تخلى عنها خطيبها بعد عامين من الخطبة، خاصة بعد أن طالت فترة علاجها دون أي تحسن .

 

ساءت حالتها النفسية، انتشرت الصدفية بشكل أكبر ليصعب تقبلها للعلاج، وأخبرها الطبيب أن الحالة النفسية هي سبب تدهور حالتها الصحية.

 

تجهش في البكاء وتعبر بنبرات خانقة «الناس كانت بتخاف من شكلي.. ومحدش كان بيسلم عليا بالإيد، .. ماليش أي صور لأني كنت برفض أتصور».. هكذا تلخص مأساتها وصراعها مع مجتمع يجهل حقيقة مرضها، أصبحت منعزلة على نفسها، ففي كل مرة تخرج من بيتها، تعود محطمة، من جراء نظرات من تصادفهم أو من يلقون عباراتهم المؤلمة.


لم يرحم المجتمع مرضهم بل زاد من آلامهم النفسية، فباتوا يخشون نظرات المارين التي باتت ترمقهم بتقزز، فلم يسلم أحدهم من عبارة موجعة يوجهها الناظرون إليهم، وكأنهم منبوذون، والبعض يتجنب مصافحتهم أو التعامل معهم، وكأنهم يحملون عدوى وبائية، أصبحوا أشخاص محطمة تخشى مواجهة المجتمع بسبب جهل أفراده لكثير من الأمراض ليصبحوا موصومين دون ذنب .


البهاق
أوضحت أغاريد الجمال "أستشارى الامراض الجلدية بعين شمس ورئيس المؤسسة العربية الإفريقية لعلاج الأمراض الجلدية والصدفية "أن هناك أمراض جلدية تظهر على أصحابها وقد تسبب لهم بعض أنواع التنمر المجتمعى أو النفسى وتعد أشهر الأمراض الجلدية التى تجعل المريض يتعرض للنبذ المجتمعي أولها البهاق .

 

شارحة  البهاق هوعبارة عن حدوث تدمير أو وفاة فى الخلايا الملونة بجسم الإنسان وتتسبب فى القضاء على الصبغة بجلد الإنسان محدثة بقع بيضاء فى معظم أجزاء الجسم وتتفاوت فى انتشارها فقد تكون بنسبة كبيرة أو نسب صغيرة بالوجه لعدة أسباب منها العامل الوراثى أو طبيعة الجلد نفسها وهناك أنواع من البهاق لهلا علاج كالبهاق الموضعي ولكن المساحات الكبرى المنتشرة لا يوجد لها علاج ويجب على المريض .

 

تختلف ثقافة التعامل مع مرضى البهاق وفقاً لثقافة المجتمع كونه مرض معدى ، منظمة البهاق العالمية والتى كانت تقام بشكل دوري ولكنها توقفت منذ ثلاث سنوات بسبب تداعيات جائحة كورونا ، وكان دائماً يلقى فيها بالضوء على كيفية التعامل والتعايش مع مرض البهاق .

 

تعتبر الدول الأجنبية أن البهاق ليس مرضاً ، ويتعاملون معه وكأنه أشبه بـ "الوحمة " ، ولكن فى مجتمعنا يتعرض أغلب المرضى للتنمر بسبب تلك البقع الجلدية لبعض المعتقدات الخاطئة

ووفقاً لهذه الثقافة المغلوطة فتعتمد الطبيبة أغاريد على تخصيص جزء كبير من جلسات العلاج للعلاج النفسى للمريض والتحدث مع عائلته
وكيفية التعامل معه لأنهم النواة الأولى لتقديم الدعم له .

حان الوقت لتغيير تلك الثقافة المغلوطة ، ولابد من خلق توعية من خلال الندوات التثقيفية وكونه مرض غير معدي وليس له علاقة بنوع طعام او شراب .

 

متلازمة السمكية

تعد متلازمة السمكية أحد الامراض الجلدية  التى تعرض أصحابها للتنمر فهى عبارة عن طبقات متراكمة على بعضها البعض تشبه قشور السمك ، رغم أنها مرض غير معدى وهى مرض جينى ، يحدث فيه طفرات لنوع من الجينات المعنية ويتسبب فى عدم حدوث إحلال وتجديد أى طبقة من طبقات الجلد ، ويدخل فيه العامل الوراثي ، لذا يجب عدم زواج الأقارب فى حالة ظهوره على أحد أفراد العائلة لأنه مرض يورث .
تتدرج السمكية لدرجات وفقاً لحالة انتشارها قد تنتشر فى الأطراف ، أو مناطق بالوجه ،وقد تصيب بعض أجهزة الجسم الأخرى غير الجلد ، وأهم درجات السمكية أن الجلد يصبح متغير تماما عبارة عن قشور متراكمة فوق بعضها البعض .


مستكملة أن أصحاب هذه الأمراض تتعرض للتنمر ولا بد من خلق التوعية والتثقيف عن الأمراض المناعية والجينية والتثقيفية ، وهناك تطور كبير حدث فى علاج مرض السمكية وأصبح هناك مكونات طبيعية تساهم فى إزالة تلك القشور المتراكمة ليصبح الجلد شكله مقبول .

 

الصدفية
متابعة وهناك مرضى الصدفية وهى تكون ، ومنها المتوسطة والبسيطة التى تتمركز فى منطقة "الكوعين "، وهناك من تنتشر فى أطراف الجسم كاليدين والقدمين .
معبرة "نحن بحاجة للتوعية وتقبل الآخرين ، خاصة ان مايتعرضون له من تنمر يؤثر على الحالة النفسية للمرضى وأغلب أصحاب هذه الأمراض تكون أطفال يولدن بها ، وبحاجة للمعاملة الخاصة ومراعاة حالتهم النفسية ، لأنها من أهم مراحل العلاج فى حالة الامراض الجلديةالمزمنة ، فالحالة النفسية تحول حال المريض من الحالة البسيطة للأشد ، فيمكن من خلالها السيطرة على إنتشار المرض وقد تصل سوء الحالة النفسية للمريض "للأرتيكاريا العصبية "وتعد من الأمراض المزمنة التى تصاحب الحالة النفسية .

 

معبرة عن استيائها الشديد من الأطباء الذين يخبرون المرضي بأن لا علاج لهم وأنهم يستمرون فقط على أدوية تمنع إنتشار المرض ، فيصاب المريض بحالة من الإحباط ، فيجب أن يكون حكيم فى كلامه .


خلل مناعى
يوضح أحمد صادق "مدير مستشفى الحوض المرصود للأمراض الجلدية " أن هناك فكرة عامة خاطئة بأن أغلبية الامراض الجلدية معدية ، وهذا غير صحيح ، وتكمن المشكلة فى أنها امراض ظاهرة على الشخص عكس الأمراض الباطنة ، ولهذا يسبب ظهورها لفت الأنتباه من المحيطين .

 

وهنا يحدث صدمة وخوف من العدوى للمحيطين ،مما يعرض المريض للتنمر خاصة مع بعض الامراض الجلدية المزمنة والتى أغلبها يكن بسبب الخلل المناعى ، ولا يعلم احد السبب الدقيق لهذا الخلل حتى الأن، كمرض البهاق فيكون الجسم (أجسام مضادة )تهاجم الخلايا الصبغية في الجسم ، فيتكون بقع بيضاء اللون نتيجة لغياب الصبغة فيها .

 

مشيراً أن البهاق ليس مرض معدي وناتج عن الجين الوراثي ، وهناك أمراض ناتجة عن الخلل الجيني مثل (البهاق) ويولد به الفرد ,وهو فاقد للصبغة فى لون الجلد والشعر وكذلك تظهر قزحية العين باللون الرمادى الفاتح أو الباهت .


أما عن العلاج الخاص بمرض البهاق فيتمثل فى عدة أنواع منها علاج موضعي ,عن طريق الفم أو الحقن وقد يحدث استجابة للمريض وتختفي البقع ولكن لا نجزم أنه لن يعود مجدداً ، وتعد الحالة النفسية أحد جوانب العلاج، ، زيادة نشاط المناعة الذاتية ، حيث لم تتعدى نسبة الإصابة أقل من 1..% .أما عن( الصدفية) فهى تنتشر بشكل أكبر من( البهاق) وتمثل 1.5% , وهي ليست معدية وتنتج عن الخلل المناعى وعبارة عن زيادة طبقات الجلد فى أماكن معينة تظهر فى شكل بقع حمراء مغطاة بقشرة سميكة وقد تنتشر بشكل أكبر فى المفاصل وقد ترتبط بارتفاع نسبة الكوليسترول أو السمنة.

 

وكشف قائلا ان العلاج أكثر تطورا فعلى مدار السنوات الاخيرة أبدى العلاج البيولوجى تطوراً كبيراً, ولكنه يتميز بارتفاع تكلفته وقد يصل ل30 ألف جنيه أو أكثر .وكلما تم أكتشاف المرض بشكل مبكر كلما سهل السيطرة عليه.

 

الطب النفسي
وأوضح إسلام إبراهيم "أخصائي الأمراض النفسية " أن التنمر يسبب حالة نفسية سيئة ، وتؤثر بشكل كبير على استجابة الفرد للعقاقير الطبية , وهي ظاهرة متواجد منذ فترة طويلة ، بعد أن تهشمت القاعدة الكبرى من العادات والتقاليد والأصول ،و أصبح الشخص يتعامل بأنانية مطلقة ، وبدون أي شعور بالذنب أو تأنيب الضمير.


ويشير إبراهيم, أنه لابد من إحتواء الفرد وتعزيز جوانب الثقة لديه ، وأن عليه أن يكون نقطة قوية في نشر التوعية بمرضه للمحيطين ، حتى يتغلب على النظرات و العبارات المؤذية التي يتعرض لها .


وتابعت إيمان عبدالله "أستاذ علم النفس والعلاج الاسرى"ان التنمر مرفوض وفقاً للأديان السماوية ويعد الأكثر فى شعور الألم النفسى ، وتتعدد أثارة النفسية حيث تجعل الإنسان عاجزاً على الدفاع عن نفسه خاصة فى حالات المرض لأن صاحب المرض يعد ضعيف جسدياً ونفسياً ، ويؤدى ذلك لتفكك صلابته النفسية ، وينظر للمجتمع نظرة عدوانية ، وقد يتحول هو فيما بعد لشخص متنمر لأن معظم المتنمرين كان متنمر عليهم ، وبالتالى يجب نشر توعية حول سيكولوجية المريض ومدى تأثر حالتة النفسية بمدى تحسن حالته العضوية .


واضعة روشتة صحية لمواجهة التنمر ، ويجب إعتبارة جريمة فى المقام الأول ويعاقب عليها القانون ،فهو بمثابة سلوك عدوانى ، ويجب خلق توعية من خلال المدارس والجامعات والدراما والمؤسسات الدينية ، والتعريف بضرورة إحترام النفس وعدم إيذاء الإنسان نفسياً وجسدياً .وهناك دور كبير يقع على عاتق الأسرة فى خلق توعية  وكيفية التعامل مع أى  أختلاف وأنه ليس للخلاف  ودائما لاختلاف مكملاً ، ويجب احترام كل شخص للآخر .
يجب خلق مجتمع ضد التنمر من خلال حملات التوعية والمبادرات والأعمال الدرامية ، والتوعية بأنه جريمة يعاقب عليها القانون .