زاهى حواس: إحياء طريق الكباش حدث علمى وحضارى وأثرى فى غاية الأهمية

 الكاتبة الصحفية : آمال عثمان تحاور د. زاهى حواس
الكاتبة الصحفية : آمال عثمان تحاور د. زاهى حواس

تستعد مدينة «طيبة» الجميلة خلال الأيام القليلة القادمة، لاستقبال عشاقها من جميع أنحاء المعمورة، ليشاركوها احتفالها العالمى المهيب باستعادة وإحياء طريق الكباش الفرعونى، الممتد على طول الطريق بين معبدى الأقصر والكرنك، بعد أن ظل حبيساً منسياً آلاف السنين تحت المبانى وركام العشوائيات، .

واكتمال طريق الكباش اليوم يعد حدثاً علمياً وحضارياً وأثرياً فى غاية الأهمية لأنه كشف وتسجيل وترميم كامل لما حدث من حوالى 2500 عام فى عهد الملك «نختنبو» آخر ملوك الأسرة الثلاثين 

وقد كتب نصاً قال فيه: «أنشأت هذا الطريق الجميل إلى أبى الإله «آمون» وزرعته بالأشجار وبالورود الجميلة»وافتتاح هذا الطريق سيدخل كل بيت فى العالم.

وبهذه المناسبة أحيى كل مسئول يضع طوبة أويرمم الآثار المصرية سواء الفرعونية أو الرومانية أو اليهودية والقبطية والإسلامية وكل مسئول يحافظ على الآثار بروحه 

وفى هذا اليوم أوجه تحية لكل من شارك فى هذا المشروع من «زكريا غنيم» الأثرى العظيم الذى ضحى بحياته فى سبيل الآثار 
وبعده محمد عبدالقادر، ومحمود عبدالرازق، ومحمد الصغير، بالإضافة إلى المجهود الذى بذله50 أثرياً وفناناً ومرمماً منهم صبرى عبدالعزيز، ومحمود مبروك، ومنصور بُريك، وصلاح الماسخ، ومصطفى الصغير 

وكل هؤلاء العظام فى هذا اليوم لابد أن نقدم لهم وسام الاحترام والامتنان للأعمال العظيمة التى قاموا بها فى سبيل حماية الآثار وترميمها خاصة طريق الكباش.

ماذا يمثل طريق الكباش فى العصر الفرعونى؟
طريق «الكباش» يمثل الإله «آمون»برأس كبش وهو الإله الأعظم لمصر فى عصر الأسرة الـ18 الذى يطلق عليه عصر مصر الذهبي 

وهذا الطريق يربط بين معبد الكرنك ومعبد الأقصر حيث كان المصرى القديم يعتقد أن الإله آمون يقيم فى معبد الكرنك وتقيم زوجته «موت» بمعبد الأقصر كما كان لها معبد أيضاً فى الكرنك مع ابنها «خنسو» والملكة «حتشبسوت» هى أول من بدأ العمل فى طريق الكباش وهذا مصور فى مناظر على المقصورة الحمراء داخل معبد الكرنك 

وأقامت 6 مقاصير كاستراحات على امتداد الطريق بعد ذلك جاء الملك «أخناتون»وقام بتحطيم رؤوس «آمون»
لأنه كان على عداء شديد بعبادة «آمون» 

وغيّر الديانة إلى «أتون»إله الشمس وترك مدينة طيبة الذهبية وانتقل إلى تل العمارنة وحين تولى العرش «توت عنخ آمون» فى نهاية الأسرة الـ18 عاد إلى طيبة وقام بترميم هذه الرءوس مرة ثانية.

واستمر البناء فى كل العصور لكن أهم فترة كانت فترة الملك «نختنبو»الأسرة الثلاثين حيث بنى 1050 تمثالاً لأبى الهول تربط بين معبدى الأقصر والكرنك بطول 2.700 كيلومتر وعرض 76 متراً واكتمل هذا الطريق فى الأسرة الثلاثين.

وقد اكتشفنا أن عبادة «آتون» بدأت فى عهد الملك «أمنحتب الثالث»، لكنه كان رجلاً ذكياً جداً، وعبد «آتون» بالإضافة إلى «آمون» والآلهة الأخرى ولكن إذا ذهبنا إلى صالة 14 فى معبد الأقصر فسنجد مناظر على الجدران تظهر مراسم الاحتفال بعيد الأوبت الجميل فى عهد الملك «توت عنخ آمون»، وبالأعياد والاحتفالات الأخرى.
ما هو «عيد الأوبت»؟ ومتى بدأ الاحتفال به؟
عيد «الأوبت الجميل»احتفال سنوى يقام فى شهر يوليو مع بداية فيضان نهر النيل ويعتقد المصرى القديم أن دخول الإله آمون معبد الأقصر 

ولقاءه بالإلهة «موت» يعنى الخصوبة والنماء لأرض مصر وبدأ هذا الاحتفال فى الأسرة الثامنة عشرة والمناظر الموجودة على معبد الأقصر تشير إلى أنه احتفال ضخم  تخرج فيه ثلاثة قوارب من معبد الكرنك لتصل إلى معبد الأقصر القارب الأول للإله «آمون» 

والثانية للإلهة «موت» والقارب الثالث لابنهما «خنسو» وكان الكهنة يحملون هذه المراكب ويسير بجانبهم حاملو الأعلام 

وعازفو الموسيقى والدفوف ووصول الإله آمون إلى معبد الأقصر يعنى إنه التقى زوجته «موت»ويأتى الفيضان ليغمر مصر كلها 

وهذا فكر خاص بالمصرى القديم وكان الاحتفال يستمر فى الأسرة الـ 18 لمدة 11 يوماً وفى الأسرة الـ19 أصبح 17 يوماً أما فى الأسرة الـ20 فقد وصل  لمدة 27 يوماً.
 
والحقيقة أننا كعلماء مختلفون فى طريقة عودة القوارب إلى معبد الكرنك البعض - وأنا منهم - يرى أن العودة كانت عن طريق نهر النيل وكل الأدلة تثبت ذلك 

ولا يوجد دليل فى معبد الأقصر على إن القوارب تعود عبر طريق الكباش لكن علماء آخرين يعتقدون أن العودة كانت أيضاً عبر طريق الكباش ولكننى أتصور أن الكهنة -فى هذا الوقت - من الصعب أن يتحملوا العودة مرة أخرى سيراً على الأقدام لمسافة 2700 متر من «معبد الأقصر» إلى «معبد الكرنك» 

 

 

وفى اعتقادى أن هذا الطريق كان رمزاً من رموز الإله «آمون» يربط الزوج بالزوجة ويربط أيضاً المعبدين ببعضهما، وبالتالى الاحتفالات لم تكن داخل الطريق.

ما هو وجه التشابه بين الاحتفالات التى تتم فى مولد أبو الحجاج والاحتفالات الخاصة بالفراعنة؟
بالفعل هناك تشابه يربط بين «عيد الأوبت» الجميل فى عصر الأسرة الـ18 والاحتفال الذى يحدث حالياً فى مولد أبو الحجاج الموجود أعلى معبد الأقصر خروج القوارب الثلاثة فى الاحتفال والمشايخ يرتدون الملابس البيضاء 

وآخرون يحملون الدفوف والطبول ويرقصون ويغنون احتفالاً بالمولد ويبحرون بالمراكب إلى معبد الكرنك، هو تكرار أو محاكاة وصورة طبق الأصل من عيد الأوبت الجميل.

وهناك زميلة لى من جامعة( بنسلفانيا الأمريكية) أخرجت فيلماً تسجيلياً عن تلك الاحتفالات وصورت كل المناظر الخاصة بعيد الأوبت الموجودة على جدران صالة الـ14 عموداً وعرضته فى الجامعة الأمريكية حيث كانت تصور منظراً قديماً موجوداً على جدران معبد الأقصر 

وارتباطه بالعصر الحديث فى مولد أبو الحجاج، بعد أن عاشت سنوات، وشاهدت كل الاحتفالات الخاصة بالمولد.


كيف بدأ اكتشاف هذا الطريق؟ وما هى مراحل الاكتشاف؟
تقدمت مصلحة الآثار عام 1956 بمذكرة بأهمية هذا الطريق وضرورة منع البناء عليه فصدر قرار رقم 441 من الرئيس جمال عبدالناصر) عام 1956 باعتبار طريق الكباش منافع عامة آثاراً ويجب علينا أن نفخر حقاً بأن الحفائر كلها تمت من خلال الأثريين المصريين بدءاً من د.زكريا غنيم عام 1949 وكان رجلاً عظيماً ووطنياً 

وظلم فى حياته بعده جاء محمد عبدالقادر عام 1958 ثم (محمود عبدالرازق) سنة 1961 وآخر واحد كان محمد الصغير مدير الأقصر عام 1984.
 
وأجمل منطقة فى هذا الطريق الممتد من معبد الأقصرويوجد بها تماثيل لمسافة 300 متر وتسمى القطاع الثامن 
والتى تم كشف أغلبها 

وبدأ بعض الأثريون مثل عبدالحميد معروف العمل فيها وحينما توليت المجلس الأعلى للآثار عام 2002 كان هدفى الأول تطوير إدارة المواقع الأثرية للأقصر ككل لذلك قمت بنقل الأثرى منصور بُريك إلى الأقصر لينفذ توجيهاتى الخاصة 

 

ودعيت أساتذة فى كل التخصصات وعقدنا اجتماعات على أعلى مستوى لوضع خطة كاملة لتطوير البر الغربى والشرقي، والحقيقة (اللواء سمير فرج) محافظ الأقصر فى هذا الوقت شارك فى تطوير ساحة معبد الكرنك..

وماذا عن فكرة تحويل الأقصر لمتحف مفتوح؟ 
الأقصر هى بالفعل متحف مفتوح، متحف الأقصر يعد فعلاً متحفاً مفتوحاً ولا يحتاج سوى التنظيم والحفاظ عليه 
ودائماً أقول الأقصر لا تحتاج تطويراً ولابد أن تترك كما هي إنما تحتاج نظافة وتنظيماً لإظهار عظمة وجمال التاريخ لذلك كنت معترضاً على بعض أعمال التطوير، ولكنى أحيى طبعاً مجهود د.سمير فرج الذى قام بمجهود عظيم فى إزالة التعديات الموجودة على طريق الكباش وفى ساحة معبد الكرنك ولكن أهم حاجة التطوير الكامل للبرين الشرقى والغربي.

كيف تمت إزالة هذه المنازل الموجودة على هذا الطريق؟
هذا الطريق تعرض لانتهاكات فظيعة جداً، خاصة فى العصر الروماني وأقيمت فوقه مصانع للنبيذ، ومعسكرات كاملة للجيوش 

وفى العصر الحديث أقيمت مساكن فوقه وحين كنت أميناً عاماً للآثاردفعت 52 مليون جنيه لمدينة الأقصر لإزالة هذه التعديات لتعويض المتضررين بالإضافة إلى سداد حوالى مليون ونصف المليون أو اثنين مليون للكهرباء وغيرها 

وكل هذه المبالغ من دخل الآثار، لكى نبدأ المشروع الكامل للتطوير، وأصدرت قراراً بتكليف 50 أثرياً بالعمل هناك مثل صلاح الماسخ ومنصور بُريك ومصطفى الصغير وغيرهم وعدد من المرممين ومعهم الفنان د.(محمود مبروك) لأننا كأثريين لا نستطيع معرفة أبعاد التمثال من الناحية الفنية والتصويرية ووفرنا1000 عامل 

 

وبدأنا العمل على أعلى مستوى وكنا نعثر على أجزاء من التماثيل رأس هنا ورجل هناك نعيد تركيبها وترميمها دون إضافة أى أجزاء حديثة، وانتهينا عام 2011 من العمل فى مسافة يبلغ طولها 2400 متر.

وأذكر قبل أحداث يناير بأيام بسيطة، كنت فى الأقصر، والتقيت د.سمير فرج وكان الإشكال فى مسافة تبلغ300 متر، توجد بها كنيستان وأسلاك كهرباء وكابلات كثيرة جداً واحتفظنا بالكنيسة الأثرية وهذا الطريق صعب يمشى فيه السائح بالكامل ولكن السائح المغرم بالآثار ممكن يسير تلك المسافة.

فى رأيك ما هو تأثير افتتاح هذا الطريق سياحياً وثقافياً وعلمياً وأثرياً؟
افتتاح هذا الطريق يحقق تأثيراً عالمياً كبيراً، وهذه الأيام الأفواج السياحية عادت لمصر والحمد لله وكنت أصور فى المتحف المصرى الساعة 9 صباحاً 

ووجدت أكثر من 3 آلاف سائح أمام المتحف وخلال عملى فى وادى الملوك صباحاً وجدت حوالى 2000 سائح وحينما نفتتح هذا المكان ويحضر الحفل كبار رجال الدولة هى دعاية عالمية كبيرة جداً مثلما حدث فى موكب المومياوات الملكية بمتحف الحضارة كانت رسالة للعالم كله قوية جداً فالإنجازات العظيمة التى تحدث فى مصر نحن كمصريين سعداء بها جداً 

ولكن فى الخارج يرون أن ذلك كان يجب أن يحدث من زمن لكن العالم كله يحترمنا ويضرب لنا تعظيم سلام حينما ننقل المومياوات لمتحف الحضارة ونحتفل بإحياء طريق الكباش أو نرمم القاهرة التاريخية ونطور القاهرة الخديوية والفسطاط لأن هذا التراث لا يخصنا وحدنا 

ولكنه ملك للإنسانية كلها ويوم افتتاح طريق الكباش كل العالم «هيضرب تعظيم سلام» لمصر وللسيد الرئيس وللحكومة المصرية ولوزارة السياحة والآثار.

أقرا ايضا | رحلة بحث عمرها 72 عاماً لتحرير طريق المواكب الملكية