الكيانات الوهمية.. سراب يحتاج لرادع

أيمن فاروق
أيمن فاروق

‭‬داخل‭ ‬إحدى‭ ‬الشقق‭ ‬الفاخرة‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الهادئ‭ ‬والذي‭ ‬يتم‭ ‬اختيار‭ ‬موقعها‭ ‬بحرص‭ ‬شديد‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬الشرطة،‭ ‬تجلس‭ ‬فتاة‭ ‬صغيرة‭ ‬ابتسامتها‭ ‬الهادئة‭ ‬ترسم‭ ‬ملامح‭ ‬وجهها‭ ‬وربما‭ ‬شاب‭ ‬وسيم‭ ‬يرتدي‭ ‬بذلة‭ ‬أنيقة،‭ ‬يجلس‭ ‬على‭ ‬مكتب‭ ‬وأمامه‭ ‬التليفون‭ ‬الأرضي‭ ‬وجميع‭ ‬الأدوات،‭ ‬وخارج‭ ‬الشقة‭ ‬يافطة‭ ‬مدون‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬الكيان‭ ‬التعليمي‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬يافطة،‭ ‬هذه‭ ‬الشركة‭ ‬التي‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬كيان‭ ‬تعليمي،‭ ‬توهم‭ ‬الطلبة‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يكملوا‭ ‬مشوارهم‭ ‬التعليمي‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬تسعفه‭ ‬ظروف‭ ‬استكمال‭ ‬تعليمه‭ ‬أن‭ ‬تمنحه‭ ‬شهادة‭ ‬تعليمية‭ ‬بالتأكيد‭ ‬مزورة،‭ ‬بعد‭ ‬إنهاء‭ ‬دورات‭ ‬تعليمية‭ ‬وهمية،‭ ‬وأحيانا‭ ‬كثيرة‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أخذ‭ ‬تلك‭ ‬الدورات‭ ‬وعليك‭ ‬أن‭ ‬تفهم‭ ‬ما‭ ‬يحكاك‭ ‬وإبراز‭ ‬الأموال‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الشهادت‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬فيها‭ ‬الضحية‭ ‬سواء‭ ‬فتاة‭ ‬أو‭ ‬شاب‭ ‬الأمل‭ ‬الكبير‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالعمل‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬كبرى‭ ‬أو‭ ‬مصنع‭ ‬أو‭ ‬السفر‭ ‬بها‭ ‬للخارج‭ ‬للعمل،‭ ‬لتكتشف‭ ‬الضحية‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬تقديم‭ ‬الشهادات‭ ‬إلى‭ ‬الشركة‭ ‬أو‭ ‬جهة‭ ‬العمل‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الشهادات‭ ‬مزورة‭ ‬ولا‭ ‬قيمة‭ ‬لها‭.‬

الكيانات‭ ‬التعليمية‭ ‬الوهمية،‭ ‬انتشرت‭ ‬مؤخرًا،‭ ‬ونجحت‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬13‭ ‬واقعة‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬ووجهت‭ ‬ضربات‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬المحتالين،‭ ‬لكن‭ ‬الغريب‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬ضبط‭ ‬تلك‭ ‬الكيانات‭ ‬التعليمية‭ ‬الوهمية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الضحايا‭ ‬يقعون‭ ‬باستمرار‭ ‬تحت‭ ‬براثن‭ ‬هؤلاء‭ ‬النصابين،‭ ‬ينخدعون‭ ‬أمام‭ ‬الإعلانات‭ ‬الوهمية‭ ‬والزائفة‭ ‬لتلك‭ ‬الكيانات‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتي‭ ‬تلعب‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أحلام‭ ‬الشباب‭ ‬والفتيات‭ ‬بتوفير‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬مثل‭ ‬إعلان‭ ‬‮«‬فرصتك‭ ‬معنا‭ ‬كي‭ ‬تجد‭ ‬وظيفة،‭ ‬أو‭ ‬إعلان‭ ‬حقق‭ ‬حلمك،‭ ‬عملك‭ ‬عندنا،‭ ‬وربما‭ ‬إعلان‭ ‬دورات‭ ‬تدريبية‭ ‬وشهادة‭ ‬تعليمية‭ ‬معها‭ ‬مفتاح‭ ‬العمل،‭ ‬أو‭ ‬سارع‭ ‬بالتقديم‭ ‬أو‭ ‬امتلك‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية،‭ ‬جميعها‭ ‬إعلانات‭ ‬موجزة‭ ‬تلمحها‭ ‬الضحية‭ ‬بطرف‭ ‬عينها،‭ ‬لكنها‭ ‬تتوقف‭ ‬أمامها‭ ‬كثيرا‭ ‬لأنها‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬مضمونها‭ ‬الحل‭ ‬السحري‭ ‬لمشاكله،‭ ‬يلتقط‭ ‬العنوان‭ ‬والتليفون،‭ ‬يتصل‭ ‬بهم‭ ‬ويحجز‭ ‬موعدًا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعطي‭ ‬عقله‭ ‬برهة‭ ‬للتفكير‭ ‬والتدبر،‭ ‬يدفع‭ ‬الرسوم‭ ‬المبدئية،‭ ‬وبعدها‭ ‬يدفع‭ ‬ثمن‭ ‬الدورات‭ ‬والشهادة،‭ ‬وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬فترة‭ ‬الدورات‭ ‬يختفي‭ ‬النصاب‭ ‬ويسلم‭ ‬الشقة‭ ‬المستأجرة‭ ‬لصاحبها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬عليه‭ ‬ضحاياه‭ ‬بمحاضر‭ ‬ويبلغون‭ ‬الشرطة‭.‬

بالتأكيد‭ ‬الضحايا‭ ‬يقعون‭ ‬تحت‭ ‬براثن‭ ‬نصابين‭ ‬محترفين،‭ ‬بزعم‭ ‬شهادات‭ ‬دولية‭ ‬موثقة‭ ‬وغيرها،‭ ‬لكن‭ ‬الضحية‭ ‬هنا‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬ألغى‭ ‬عقله،‭ ‬وسار‭ ‬خلف‭ ‬حلم‭ ‬وهمي‭ ‬مثل‭ ‬الكيان‭ ‬التعليمي‭ ‬الذي‭ ‬هرول‭ ‬إليه،‭ ‬ليقع‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ضحية‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬النصابين‭ ‬والمحتالين،‭ ‬فالأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬بوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬وتحديدا‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للأموال‭ ‬العامة‭ ‬لا‭ ‬يمر‭ ‬يوم‭ ‬حتى‭ ‬تضبط‭ ‬قضايا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل،‭ ‬كيانات‭ ‬تعليمية‭ ‬وهمية،‭ ‬رغم‭ ‬ارتفاع‭ ‬عدد‭ ‬الجامعات‭ ‬المصرية‭.‬

اللافت‭ ‬للانتباه‭ ‬هنا،‭ ‬أنه‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬الشاب‭ ‬أة‭ ‬الفتاة‭ ‬رحلتها‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬تلك‭ ‬الشهادات‭ ‬لجهة‭ ‬العمل‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬شركات‭ ‬الداخل‭ ‬أو‭ ‬الخارج،‭ ‬لكن‭ ‬يبدأ‭ ‬مشوار‭ ‬من‭ ‬العذاب‭ ‬وضياع‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬سراب،‭ ‬بعد‭ ‬اكتشافه‭ ‬أن‭ ‬الاكاديمية‭ ‬أو‭ ‬الكيان‭ ‬التعليمي‭ ‬الذي‭ ‬التحق‭ ‬به‭ ‬هنا‭ ‬وهميًا‭ ‬ومزيفًا‭ ‬وغير‭ ‬مرخص‭ ‬لدى‭ ‬وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬ليسقط‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬من‭ ‬الانكسارات‭ ‬والاستسلام‭. ‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬ننوه‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬ضبط‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬والجهد‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬لمواجهة‭ ‬أمثال‭ ‬هؤلاء‭ ‬النصابين‭ ‬والمحتالين،‭ ‬ونجاح‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬تحجيم‭ ‬عددا‭ ‬منهم‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬عقوبات‭ ‬قانونية‭ ‬رادعة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬والوقائع‭ ‬وتشديد‭ ‬العقوبة‭ ‬القانونية‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭ ‬وتحجيمها‭.‬

;