يــاســر رزق يكتب من نيويورك: التفاصيل الكاملة لما دار في لقاءي السيسي مع ترامب وكلينتون

ياسر رزق
ياسر رزق

«سيادة الرئيس.. أنا من كبار المعجبين بك وببلادك.. إننى أقدر ما فعلته وما قام به شعب مصر من أجل الدفاع عن دولتكم ، ومن أجل مصلحة العالم بأسره خلال السنوات الماضية».
بهذه العبارة حرفيا.. استهل دونالد ترامب المرشح الجمهورى لانتخابات الرئاسة الأمريكية لقاء الخمسين دقيقة الذى جمعه لأول مرة بالرئيس عبدالفتاح السيسى فى مقر إقامة الرئيس بفندق «بالاس» فى نيويورك، من الساعة التاسعة مساء أمس الأول (الثالثة صباح أمس بتوقيت القاهرة) إلى حدود العاشرة ليلا.
قبلها بنصف ساعة.. كان الرئيس السيسى قد انتهى من لقاء مع السيدة هيلارى كلينتون المرشحة الديمقراطية للرئاسة، دام ساعة كاملة فى نفس الصالون، بمقر إقامة الرئيس.
وبالحرف ايضا قالت كلينتون للسيسى: «إننى أتابع خطواتك. ومعجبة بالإنجازات التى تحققت فى مصر تحت إدارتك».
حالة من الترقب الإعلامى، كانت تسود بهو فندق «بالاس»، انتظاراً لما سيسفر عنه اللقاءان.
وحالة من التأهب الأمنى والإجراءات المشددة، كانت تحيط بالفندق، الذى يقيم فيه الرئيس السيسى، والرئيس الأمريكى أوباما، وعدد محدود من الرؤساء.
ففى لحظة خروج المرشحة الديمقراطية ودخول المرشح الجمهورى. كان المكان يجمع فى وقت واحد الرئيس الأمريكى الحالى أوباما، والرئيس الأمريكى المنتظر من بين المرشحين الاثنين. ولعلها المرة الأولى التى يتحمل فيها الأمن الامريكى عبئا من هذا النوع فى قلب «مانهاتن» أكثر المناطق ازدحاما بمدينة نيويورك.
====
دخلت هيلارى إلى الفندق من مدخل الجراج، وخرجت منه بعيداً عن أنظار رجال الإعلام.
وبينما كان الصحفيون يديرون أنظارهم نحو المداخل الجانبية للفندق، توقعا لأن يدلف من احدها المرشح الجمهورى، فاجأهم ترامب من الباب الرئيسى، وهو يدخل بهدوء يهز رأسه محييا، ويلتف حوله رجال الخدمة السرية، يمنعون أى أحد من الاقتراب.
ولعل فى المشهدين، ما يعبر بدقة عن الفرق بين المرشحين، فى النهج والتصرف والشخصية!
كان ترامب هو المبادر بطلب لقاء الرئيس السيسى قبل وصوله إلى نيويورك بأيام، مدفوعا بإعجاب شخصى عبر عنه من قبل فى تصريح معلن منذ شهور، لاسيما لشجاعته فى مواجهة الإرهاب ودعوته لتصحيح الخطاب الدينى.
وبعده بساعات.. أبدت هيلارى رغبتها فى لقاء السيسى، وأصدرت حملتها بياناً يعبر عن التطلع لإتمام هذا اللقاء خلال مشاركته فى اجتماعات الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.
على مدى عشرة أيام.. تلتئم اجتماعات الدورة الحادية والسبعين، ويشارك فيها قرابة ١٤٠ من قادة الدول ورؤساء الحكومات.
وبرغم هذا العدد الهائل من القادة، كان المرشحان الجمهورى والديمقراطى حريصين على لقاء رئيس مصر فى مقر اقامته من بين عدد محدود للغاية قد يلتقى به كل منهما. وكان السيسى هو أول من يجتمع به الاثنان وفى نفس اليوم.
لم يخف مسئول مصرى رفيع المستوى سعادته بعد اللقاءين، وهو يقول لي: من حيث الشكل ألمس بوضوح مدى التقدير لمكانة مصر من واقع تسابق المرشحين على إتمام اللقاءين.. ومن حيث المضمون سعدت كثيراً بما سمعت من عبارات إيجابية للغاية، وحرص من الاثنين على دعم مصر والانتقال بالعلاقات المصرية الأمريكية إلى مسارها الصحيح، بعد سنوات الشد والجذب، فى أعقاب الثورتين.
يبدو المسئول المصرى الكبير متفائلاً بنتائج اللقاءين.. فالرئيس السيسى قد التقى فى شخص كل من المرشحين، بالرئيس الأمريكى الجديد من قبل  انتخابه بستة أسابيع، وعرض رؤيته وأفكاره فى شأن كل ما يهم العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، واستمع من المرشحين الإثنين إلى آرائهما ووجهات نظرهما بوضوح بعيدا عن صخب التصريحات الإعلامية، والعبارات المنتزعة من سياقها.
====
لقاء السيسى وهيلارى كلينتون كان الثانى بينهما.
اللقاء الأول جرى منذ عامين بالضبط، وفى نفس المكان بفندق «بالاس» وضم مع هيلارى، زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون، الذى تحلى بالصمت معظم الوقت، وأخذ يتفرس فى ملامح الرئيس السيسى وهو يتحدث، وكأنه يرسم فى رأسه شخصية الرجل وسماته، من عباراته وإيماءاته ونبرات صوته!
بينما كان اهتمام هيلارى منصباً طول الوقت على الدفاع عن موقفها من نظام الإخوان.
فى ذلك اللقاء الذى جرى فى سبتمبر من العام قبل الماضى.. قالت كلينتون: «منذ اللحظة الأولى كنت أتحسب من نظام الإخوان. لم أجد تفاهما ولا بٌعد نظر ولا رؤية، وانما وجدت اصراراً على أشياء وعلى أخطاء لا يحيدون عنها».
وأضافت: «لقد نصحته أنا - تقصد محمد مرسى - وأعرف أنك أيضا نصحته. لكنه لم يستجب لى ولم يستجب لك»، ثم ضحكت وهى تشير إلى الرئيس وتقول: «وهذه هى النتيجة»!
====
فى الليلة قبل الماضية.. كان اللقاء الثانى بين السيسى وهيلارى كلينتون.
قالت هيلارى كلاماً إيجابياً عن العلاقات المصرية الامريكية، ودور مصر فى المنطقة، وعن الإنجازات التى حققتها خلال العامين الماضيين منذ انتخاب الرئيس.
ودار حوار حول أزمات الشرق الأوسط وقضية السلام ومكافحة الإرهاب.
ثم تحدث الرئيس السيسى مركزا على ثلاث نقاط:
 أولها.. حرص مصر على علاقاتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة ورغبتها فى مواصلة تطويرها والارتقاء بها لتحقيق المصلحة المشتركة للبلدين.
وثانيها.. التزام مصر بمواصلة ترسيخ دعائم الديمقراطية وبناء دولة حديثة تصون الحقوق والحريات.
وثالثها.. أن رؤية مصر لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف تقوم على استراتيجية شاملة، لا تقتصر على البعدين العسكرى والأمنى، وانما تشمل أيضا الأبعاد الثقافية والفكرية والاجتماعية والعمل على حل أزمات المنطقة التى تتخذها جماعات الإرهاب ذريعة لها فى جرائمها.
وأثارت كلينتون خلال اللقاء حالة المواطنة آية حجازى التى تحمل الجنسية الأمريكية، التى تحاكم منذ عامين فى قضية سوء استغلال أطفال الشوارع.
ورد الرئيس قائلا: إن هذه المواطنة تحاكم أمام القضاء، ونحن نسعى لترسيخ دولة القانون والمؤسسات ولا نتدخل فى إجراءات القضاء، ولا يملك الرئيس أن يصدر قراراً فى نطاق صلاحياته قبل صدور حكم نهائى.
ثم أضاف الرئيس: إننا الأحرص على حقوق الإنسان فى بلدنا، ولا نختزل هذه الحقوق فى شقها السياسى دون غيره، فهناك حقه فى الحياة والأمن والمسكن والمأكل، وكل هذا لن يتحقق بدون استقرار سياسى، ونحن مستمرون فى نهجنا بخطوات متتالية.
.. كان هذا هو فحوى لقاء الرئيس السيسى وكلينتون، وكانت الأجواء إيجابية، على غير ما بدا من البيان الذى أصدرته حملة كلينتون عن اللقاء. فمن يطالع البيان يظن أنه كان مخصصاً لطلب الإفراج عن آية حجازى، وإبداء القلق إزاء محاكمة جمعيات حقوق الإنسان ونشطائها! بينما أتى البيان على ذكر العلاقات المصرية الأمريكية فى جملة، ودعم مصر فى جهودها لمكافحة الإرهاب فى جملة أخرى!
====
بعد دقائق من انتهاء لقائه بكلينتون.. كان الرئيس يلتقى المرشح الجمهورى دونالد ترامب الذى يتقدم يوماً بعد يوم فى استطلاعات الرأى.
من فلوريدا حيث كان يشهد مؤتمراً انتخابياً حاشداً، جاء ترامب إلى نيويورك للقاء السيسى.
إعجاب ترامب عن بعد بالسيسى، كان واضحاً عن قرب فى أول لقاء شخصى بينهما.. فالمرشح الجمهورى يقول دائما عن نفسه إنه رجل قوى يحب الأقوياء والشجعان، وهو  يجد فى السيسى رجلاً قوياً وشجاعاً استطاع إنقاذ بلاده.
أفصح ترامب فى بداية اللقاء عن تقديره للرئيس، وقال إنه يتابع مواقفه الجسورة فى مكافحة الإرهاب وفى قضية الخطاب الدينى، وهو مالم يلمسه فى أى دولة إسلامية أخرى، مما يعكس الشخصية القيادية للرئيس السيسى.
كان حاضراً فى هذا اللقاء وكذلك لقاء كلينتون من الجانب المصرى سامح شكرى وزير الخارجية، واللواء خالد فوزى مدير المخابرات العامة واللواء عباس كامل مدير مكتب رئيس الجمهورية والسفير علاء يوسف المتحدث الرسمى باسم الرئاسة.
بينما كان يرافق ترامب اثنان من كبار رجال حملته هما السيناتور جيف سيسيونز عن ولاية ألاباما، والفريق متقاعد مايكل فلين..
وقد أخذ الاثنان الكلمة من ترامب، واشادا بسياسات الرئيس السيسى ومواقفه على الصعيدين الداخلى والاقليمى.
واستمع ترامب بإنصات وباهتمام ظاهر للرؤى التى عرضها الرئيس السيسى، وكان واضحا أنه يريد ان يستمع للرجل وأن يتعرف على أفكاره.
ثم تحدث ترامب قائلا: إننى أكن احتراما عظيماً لمصر وتاريخها، ودورها القيادى المهم فى منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف: اننى يا سيادة الرئيس حريص على الشراكة القوية التى تربط الولايات المتحدة بمصر على مدى سنوات طوال، وأعرف أن هذه الشراكة حيوية للغاية من أجل تعزيز السلام والاستقرار ليس فى الشرق الأوسط وحده وانما فى العالم، وأعلم ان لنا عدوا واحداً هو التطرف والإرهاب، وأن عملنا المشترك ضرورى لهزيمته ليس فقط بالأدوات السياسية والعسكرية وإنما أيضا بالتعامل الفكرى.
وأراد ترامب أن يوضح موقفه الضبابى من الإسلام والمسلمين، قائلا للرئيس: «إننى أكن تقديرا عالياً للمسلمين المحبين للسلام، وأصحاب النوايا الحسنة، الذين يضحون بحياتهم وثرواتهم لمكافحة التهديد المتنامى للتطرف والإرهاب».
وقال ترامب للسيسى: إذا أسعدنى الحظ وفزت بالرئاسة فى نوفمبر، فسوف أدعم مصر بلا حدود فى حربها ضد الإرهاب، وستجدون أمريكا فى إدارتى ليست فقط حليفاً لمصر، وإنما صديق وفى يمكنكم الاعتماد عليه فى الأيام والسنوات المقبلة.
وقبل أن يغادر ترامب اللقاء، قال للرئيس وهو يصافحه: « لو فزت بالرئاسة، فيسعدنى أن أدعوك الى زيارة رسمية للولايات المتحدة، ويشرفنى أن أزور مصر والشعب المصرى، الذى أنا مغرم به وأكن له كل الإعجاب».
====
من واقع اللقاءين ومجرياتهما.. تبدو العلاقات المصرية الامريكية متجهة إلى انطلاقة فى ظل الإدارة الجديدة سواء إدارة ترامب أو إدارة هيلارى، بعد جمود طالها، وشكوك اعترتها، فى ظل إدارة أوباما.
والقراءة التى يمكن استخلاصها من اللقاءين، أن مصر أكبر كثيرا مما يصورها البعض من ابنائها، وأن رئيسها نجح فى غضون عامين فى الخروج بمصر من طوق العزلة، إلى الانفتاح، على العالم، ثم إلى مرحلة المد والتأثير الدولى خارج حدود الاقليم.