الحياة إرادة

شيء من العذاب

أبشع أنواع الأطباء جراحو القلب والمخ والأعصاب إنهم جزارون وليسوا أبدا ملائكة رحمة، هكذا قال مدير المستشفي الخاص بالمهندسين عندما أخبرته بما حدث من الطبيب الذي تولي إجراء جراحة قلب مفتوح لكبري شقيقاتي.

فالرجل دخل علينا الحجرة وقد بتنا ليلة كاملة في المستشفي نحاول طمأنة المريضة ورفع روحها المعنوية لتدخل غرفة العمليات هادئة مطمئنة وأول ما نطق به من غير سلام عليكم جبتم الفلوس.. قلنا نعم قال لو سمحتم ومد يده ودسها في جيوبه وانطلق وخلفه المريضة علي الترولي إلي غرفة العمليات وبعد سبع ساعات اخبرونا انه أنهي الجراحة. وترك (التقفيل) لمساعديه.

مرت الليلة الأولي ثقيلة فقد تخللها استدعاء من المستشفي بعد منتصف الليل يوم التاسع عشر من رمضان يطلبون متبرعين بدم طازج وصفائح دموية قضينا الليل كله نبحث عنها في المستشفيات وبنوك الدم، ولم تفق المريضة، مرت خمس ليال أخري والغيبوبة مستمرة حتي قضي الله أمر ا كان مفعولا واسترد الله وديعته.

 قبل أن نغادر صدمتنا فاتورة الحساب التي لم نفهم مفرداتها، وفي طريقي بها للمقابر تذكرت قولها عشية سفرها لعمرة نصف شعبان ادعو الله ان يعيدني سالمة فلا أريد الموت بعيدا عن أهلي وابنائي، وساعتها تعجبنا فصحتها وحيويتها وشموخ شبابها يقول أنها في الثلاثين وليس في السابعة والستين، وعندما عادت من العمرة دخل شهر رمضان لتدخل مرحلة الاعتكاف الطبيعية التي تصاحب الشهر الكريم.

وبعد أسبوعين شعرت بألم شديد في الصدر والكتف اليسري، وتفحص الطبيب أشعة (الأيكو) التي أجريت لها وقال هناك ثلاثة شرايين مسدودة تماما ولابد من جراحة قلب مفتوح فورا والأمر لا يحتمل التأجيل لما بعد رمضان، ولأن الحذر لا يمنع قدرا فقد نفذ أمر الله وإنا لله وإنا إليه راجعون.

عندما دفنوها وراح عامل المقابر يهيل التراب علي فتحة القبر همست في أذنه ان يترفق فقد كنت أشعر أن أمي الثانية ماتت، فقد كنا لا نتجمع كلنا إلا في بيتها، الغريب أن وفاتها كانت فجر الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك وهو نفس التاريخ ونفس اللحظة التي توفي فيها شقيقي الأكبر الذي كان يكبرها بعامين رحم الله موتانا واسكنهم فسيح جناته.