د. أحمد محمود كريمة يكتب

من لوطنية ومدنية مصر؟

بالاستقراء في حقوق الإنسان في الإسلام والنظم المعاصرة فإن حقين مهمين هما:

أ- المساواة والحرية، وقد سبق الإسلام النظم المعاصرة في هذين الحقين، فقد قرر التشريع الإسلامي مباديء علي النحو التالي:

1- المساواة المجتمعية الوطنية المدنية فلا تمايز طائفيا أو عنصريا علي أساس الدين أو المذهب أو اللغة أو الجنسية أو اللون أو الاحساب والأنساب.

والأصل في ذلك نصوص شرعية منها:

قول الله - عز وجل -: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» وقول سيدنا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- «أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي علي عجمي، ولا لعجمي علي عربي، ولا لأحمر علي أبيض، ولا لأبيض علي أحمر فضل إلا بالتقوي».

وفي الواقع العملي لم يشهد مجتمع سيدنا رسول الله- صلي الله عليه وسلم - أي تمايز طائفي أو عنصري، فالمسلمون أمة واحدة دون اعتداد بجنسيات فالمؤذن الأكبر سيدنا بلال الحبشي، وحامل خاتم سيدنا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- سيدنا صهيب الرومي، والمشير العسكري سيدنا سلمان الفارسي- رضي الله عنهم اجمعين.

وفي عهد النبوة الخاتمة كذلك جاءت نظم وعهود وعقود وتصرفات ومعاملات مثل:

 - المؤاخاة بين المهاجرين والانصار.

- المعاهدات مع يهود يثرب «المدينة» في عدة مواد أشهرها وأصحها 25 مادة.

والمجتمع المسلم أساس المواطنة فيه عدم الطائفية المجتمعية قال الله- عز وجل- «وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون»، «إنما المؤمنون إخوة»، «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر».

ومما تجدر الاشارة إليه التنظيم المدني الوطني للمسلمين وغير المسلمين معا في الحقوق والواجبات: ميثاق الإخاء العام المعروف: صحيفة ودستور المدينة في مواد أشهرها 22 مادة.

وفي صدر الإسلام وقائع وشواهد تفوق الحصر وتجاوز العد من المساواة في الحقوق العامة للمسلمين وغير المسلمين.

ويتوج هذا كله الدستور الالهي في آية قرآنية معجزة: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون».

2- الحرية الدينية: من المقرر شرعا عدم إكراه أحد علي ترك دينه واعتناق الإسلام، قال الله - عز وجل-: «لا إكراه في الدين» وحرية المناقشات والمناظرات في شئون دينية مع مسلمين مثل مناظرة سيدنا عبدالله بن عباس- رضي الله عنهما مع الخوارج بأمر وإقرار سيدنا علي بن أبي طالب- رضي الله عنه.

وقد تحدث أئمة علم في الاسماء والصفات الإلهية، والقدر، والعدل، والوعد والوعيد، والصلاح والأصلح، واختلف الفقهاء في فروع الفقه الإسلامي، دون احتكار لحق مطلق أو تخطئة فرقة هالكة، وأنه وحده فرقة ناجية منصورة، ولم يقل أحد بتكفير أحد من أهل القبلة يشتركون في أصول الإسلام العامة.

ومناظرات علمية مع غير المسلمين بأخلاقيات وآداب البحث العلمي، قال الله - عز وجل-: «وجادلهم بالتي هي أحسن» «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن».

إن الإسلام يجابه الطائفيات وصور التمايز العنصري كلها ومن الغريب والعجيب مع قطعية النصوص الشرعية والدلالات الواضحة فيها وفي أخبار وآثار وشواهد ووقائع يأبي نفر من أهل التعصب والتحزب والتمذهب إلا سلوك العداء مع مخالفين في فروع أصول لا يحكم بمقتضاها بكفر ولا شرك مثل فرق معاصرة أشهرها: الشيعة الإمامية والشيعة الزيدية والمذهب الاباضي، وفي داخل المذهب السنة الأشاعرة والصوفية!

عرائض الاتهامات والتبريرات والتلفيقات جاهزة وصار التنابز بألقاب مسيئة مشينة ومنع أي حوار والحيلولة دون أي تقارب الثقافة المجتمعية السائدة؟

وهذا النفر النبت الخبيث في جسد ما بقي من الأمة وضعوا بدعاياتهم الإعلامية ذات الامكانات المدعومة من قوي مخابراتية عالمية لتفتيت المنطقة إلي كيانات طائفية مذهبية «السنة والشيعة والإباضية» وعرقية «عرب وأكراد» وغابت أنوار البصيرة المفروضة: «قل هذه سبيلي ادعو إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني».

وحواجز نفسية لدي عوام وآحاد الناس ضد أهل الكتاب الموادعين بفعل تنحية الأكفاء وإضعاف مؤسسات إسلامية رسمية واسناد الامور إلي متطفلين دخلاء ادعياء جهلاء، جهلهم المطبق وقود نيران الفتن الطائفية، رغم محاولات عمليات التجميل السطحية من قادة المؤسسات الإسلامية والمسيحيين؟!

إن مواد دستورية معطلة مثل المواد: 048،47،23،22،11،7

وإن دولا ناهضة تنظر إلي الحاضر والمستقبل معا تحمي كيانها المجتمعي صراعات مذهبية وطائفية وتضع تدابير وقائية وزجرية معا «دولة الإمارات العربية المتحدة» حيث صدر مرسوم بقانون:

فوفقا للمرسوم بقانون الصادر هناك «يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات كل من انشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعية أو مركزا أو هيئة أو منظمة أو تنظيما أو جماعة أو فرعا لاحداها أو استخدم لذلك ايا من الوسائل بغرض ازدراء الاديان أو التمييز أو اثارة خطاب الكراهية أو تحبيذ ذلك أو الترويج له، كما يعاقب بالسجن مدة لا تزيد علي سبع سنوات كل من انضم إلي أي من الجهات المنصوص عليها اعلاه أو اعانها بأية صورة مع علمه بأغراضها»، وفي فقرة أخري نص المرسوم بقانون علي المعاقبة بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة ألف درهم ولا تجاوز مليوني درهم اذا وقعت بعض الجرائم المنصوص عليها من موظف عام اثناء أو بسبب تأدية عمله أو شخص ذي صفة دينية أو مكلف بها أو وقع الفعل في احدي دور العبادة. كما يعاقب بالسجن المؤقت كل من استغل الدين في رمي افراد أو جماعات بالكفر سواء بالقول أو بالكتابة أو باستخدام أي من الوسائل وتكون العقوبة الاعدام اذا اقترن الرمي بالكفر تحريضا علي القتل فوقعت الجريمة نتيجة لذلك.

متي تغل مؤسسات سلفية تعمل جاهدة علي محو التراث الازهري ومنع التقريب المذهبي الاسلامي، وازدراء الشريعة المسيحية؟

متي تعلي الدولة المصرية المدنية الوطنية.

والله - سبحانه- ولي التوفيق