«ليست للتكفير بل لتحفيز وإسعاد الناس»
العقيدة ليست أفكارًا جامدة تدور في إطار نظري غير قابل للممارسة وللتطبيق، بل الأساس فيها أنها لتفعيل الحياة، كما أنها ليست أداة للحكم علي الناس وتكفيرهم، لكن من أجل تحفيزهم وإسعادهم، فالإيمان يحيي الحياة، وهو غني بالأفكار المتدفقة التي تنبض حيوية، والتي تصلح لمعالجة كافة المشكلات في كل زمان ومكان.
ومن ذلك مشكلة اليأس والإحباط، التي أصبحت ظاهرة عالمية في الألفية الثالثة تعاني منها كافة المجتمعات، وبخاصة في أوساط الشباب؛ فهو علاج قوي المفعول للمشاكل النفسية المرتبطة بتزايد ضغوط الحياة.
العقيدة ليست كلامًا نظريًا
لقد درسنا «لا حول ولا قوة إلا بالله» علي أنه كلام نظري جامد غير فعال في الحياة، وهذا غير صحيح بالمرة، لأنها ذات دلالة إيمانية بالغة التأثير والمعني في النفس والروح، حين تزرعها كفكرة بداخلك، مع كل شهيق، تدخل أملاً وتفاؤلاً وإصرارًا، ومع كل زفير، تخرج يأسًا وإحباطًا وتشاؤمًا، وإذا ما سألوك: كيف نجحت ولم تيأس رغم كل المعوقات؟، قل لهم: لا حول ولا قوة إلا بالله.. الدين يحيي الحياة.
«لا حول ولا قوة إلا بالله»، قال عنها النبي صلي الله عليه وسلم إنها دواء من 99 داءً أيسرهم الهم، لكن هناك شرطًا أساسيًا حتي يكون لهذا الدواء الإيماني الفعالية المطلوبة، إذ لابد أن تفهم حقيقة ومعني «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وأن تملأ قلبك وعقلك بها، وأن تجعل الله القوي العزيز مالك الملك في معادلة حياتك عمليًا وليس نظريًا، لأن إخراجه منه يزيد الحياة تعقيدًا.
الإيمان حافز ضد الإحباط
وهذا يتطلب ترجمة إيماننا إلي واقع وممارسة، وعدم حصره في إطار فكرة غير قابلة للتنفيذ، وذلك يكون من خلال العمل والجهد ومقاومة اليأس بـ «لا حول ولا قوة إلا بالله»، ثم تخرج من حولك وقوتك إلي حول الله وقوته.. لا حول عن كل معوق في الحياة إلا بالله.. لا قوة علي كل نجاح وإنجاز إلا بالله.
عندها يصبح الإيمان بفعالية «لا حول ولا قوة إلا بالله» قوة دفع للأمام ضد الإحباط واليأس، ويجعلك تري الحقيقة واضحة وليس الوهم، وهو أن الكون ملك الله فلماذا اليأس، ولماذا الخوف مادمت موقنًا بذلك؟!!.. «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا»، «مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَيَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، «وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ للَّهِ».
أسلوب حياة:
اجعل «لا حول ولا قوة إلا بالله» ذكرًا يوميًا لك، رددها 100 مرة، ثم ضع خطة لتنفيذها، عش معناها في كل حياتك، كلما صعبت عليك الحياة توجه إلي الله قائلاً: «يا رب خرجت من حولي وقوتي إلي حولك وقوتك».. وقتها ستتحول من مجرد كلمات إلي أسلوب حياة، وتخرجها من إطارها النظري..
فقط ابذل جهدك، اتعب، اعرق، أبدع، اصبر، ثم اخرج من حولك وقوتك إلي حول الله وقوته، لن يخيب الله جهدك، ولن يضيع تعبك، فعندما تبذل الجهد وتتوجه إلي الله مستعينًا بـ «لا حول ولا قوة إلا بالله»، تحظي بالدعم الإلهي: «أنا عند ظن عبدي بي»، كلمة السر التي تدفعك نحو العمل والنجاح والتحدي بلا يأس أو إحباط.
إذا كنت لا تقدر، فالله قادر، هذا هو المبدأ الذي يجب أن تعيش به.. حتي لو كنت تري الواقع صعبًا، وأن طاقتك لها حدود ونهاية، ضع هذا المبدأ نصب عينيك، واستعن بحول الله وقوته «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا»، كلما عملت زادك طاقة وجهدًا، وعلي قدر أهل العزم تأتي العزائم.. وحول الله وقوته طاقة لا نهاية لها.
يونس.. النموذج
في بلد اسمه نينوي، عاصمة العالم القديم، وكان عدد سكانها يتراوح ما بين 40 إلي 50 ألف نسمة، كانت ممتلئة بمشاكل معقدة منها: الجهل، الخرافات، الخزعبلات، الظلم، النساء، الخمر، عبادة الأوثان، وكان لها أسوار عالية، وأمام كل ذلك، قال يونس عليه السلام: مستحيل كيف أغير كل ذلك وحدي، لأنه في تلك اللحظة لم يضع حول الله وقوته في المعادلة.. فكر فقط في حوله وقوته.
قرر أن يهاجر لأرض جديدة، ما وراء البحر.. فماذا حدث؟ المركب حدث فيها خلل وأوشكت علي الغرق، وفي وقت كانت يسيطر فيه الجهل والخرافة، بدلاً من أن يقوموا بإصلاح المركب أجروا قرعة لرمي أحد الركاب حتي ينجو الباقون.. لتحدث مفارقة عجيبة: ما فررت من مواجهته، لأنك رأيت نفسك ضعيفة هو الذي سيهاجمك.. حين تهرب من مواجهة الأفكار الخاطئة ستغيرك الأفكار الخاطئة.. «فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ».. الخطأ إن لم تغيره غيرك.. ليس لك إلا حول الله وقوته.
دخل بطن الحوت.. لكن يونس خرج منه بقوة لا حول الله وقوته «فَنَادَي فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إله إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ».. عندها أدرك أن المعادلة قوية بالله.. نعم: أنا وحدي قادر.. حتي آمن بقدرته علي الإصلاح فنجا.. النتيجة: «وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَي مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَي حِينٍ»، كان عددهم أكبر من تعداد السكان الأوائل بمقدار الضعف ويزيد، ومع ذلك نجح في إيصال رسالة اللهم إليهم، معتمدًا في ذلك علي حول الله وقوته.
لذلك كان دائمًا ما يذكر الله نبينا بيونس في أول الرسالة، وحين كان النبي وحده «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ»، عندما مات عمه وخديجة.. استعان بحول الله وقوته.. فزاد عمله.. هاجر إلي الطائف، ناله الأذي، عاد فهاجر إلي المدينة، وبينما هو وأبو بكر في الغار وكفار قريش علي مدخله، قال لصاحبه مهدئًا من خوفه: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما»..
وهذا هو الإيمان الراسخ في النفس بحول الله وقوته، الذي يجعل المؤمن علي يقين تام بأنه في معية الله، ومن كان كذلك، فقد امتلك قوة لا تضاهيها قوة، وامتلأت نفسه بطاقة روحية تجعله علي ثقة في قدر الله واختياره له.