يوميات الأخبار

الغرب يعانى أزمة أخلاق!

علاء عبدالهادى
علاء عبدالهادى

«كنت أتساءل دائمًا كيف يمكن لهذا الغرب الذى يصدع رؤوسنا ليل نهار بحقوق الإنسان، والديمقراطية، هو نفسه الذى يغمض عينه عن جريمة مكتملة الأركان ينفذها الكيان الصهيونى»

كشفت أحداث غزة من السابع من أكتوبر وحتى اليوم ورقة التوت عن عورة الغرب، وكشفت عن ازدواجية صارخة فى المعايير، هذا الأمر بالتأكيد كان يشغلنى ويشغل كل مهتم بالشأن العام، كنت أتساءل دائمًا كيف يمكن لهذا الغرب الذى يصدع رؤوسنا ليل نهار بحقوق الإنسان، والديمقراطية، هو نفسه الذى يغمض عينه عن جريمة مكتملة الأركان ينفذها الكيان الصهيونى الغاصب تحت سمع وبصر العالم وعلى الهواء مباشرة، بل ويعاقب الجهات الأممية التى تقول الحقيقة، ويستهدف كل وسائل الإعلام التى تنقل تفاصيل الجريمة، حتى أصبحنا أمام رقم غير مسبوق فى التاريخ باستشهاد واصابة من الصحفيين والإعلاميين!

وجدت إجابة لهذا السؤال، وغيره من الأسئلة فى كتاب بديع بعنوان «سؤال الأخلاق فى مشروع الحداثة..

جدل الحضور والغياب»، وهو أحدث كتب الأستاذ الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية وصدر مؤخرًا عن سلسلة «الفائزون» بمناسبة فوزه بجائزة العويس الثقافية، فرع الدراسات الإنسانية والمستقبلية عام 2021.

ونظمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية محاضرة وحفلاً لتوقيع الكتاب في جناحها بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب الذى انتهت فعالياته مؤخرًا ..

يكشف الدكتور زايد عن أن العالم الغربى المعاصر يهتم بالأخلاق فقط على مستوى الخطاب، بتصدير قضايا أخلاقية فى مظهرها، مثل قضايا: حقوق الإنسان والطفل، والمناخ، ومناصرة المرأة، وغيرها، ولكنه فى الواقع وعلى مستوى التطبيق يناقض خطابه، وهو ما يكشف عن أن الغرب لديه أزمة أخلاقية، وأن مشروع الحداثة متأزم ويعانى من وهن أخلاقى، وأصبحنا أمام أخلاقيات جديدة، أطلق عليها الدكتور أحمد زايد اسم «أخلاقيات إبراء ذمة» على طريقة من يبرر الرشوة بأنها مساعدة للمرتشى!، وأكبر دليل أمامنا اليوم هو موقف رؤساء الغرب وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى جو بايدن من أحداث غزة فهذا نموذج صارخ.

لم يكتف الغرب بذلك بل صك الدكتور زايد اصطلاحًا جديدًا يصدره الغرب للعالم اسماه «أخلاقيات الوهم» مثل ادعاء الغرب فى خطابه أنه يسعى إلى تنمية دول العالم الثالث، وينشئ كيانات، ويصدر عنها أطنانًا من أوراق الدراسات، ولكن الواقع العلمى على الأرض يقول أن الفقر فى هذه الدول يزداد وأن التنمية لم تتحق، وأن الهجرة مستمرة.

حارة نجيب محفوظ

لا أمل من ترديد أن مصر دولة عظمى بالمعايير الثقافية، سواء فى محيطها العربى أو الدولى، فمصر بتراثها وحضارتها، حاضرة بقوة فى المشهد، ولا يمكن أن يكون هناك نشاط ثقافى أو فكرى أو فنى أو تراثى عربى له قيمة ووزن إلا وتكون مصر فى القلب منه، ليس إجبارًا والا إكراهًا، ولكن عن طيب خاطر، وبمعطيات التاريخ وبضرورات الحاضر، آخر ما يدور فى هذا الإطار، معرض أبو ظبى فى دورته الثالثة والثلاثين، حيث قرر د. على بن تميم رئيس مركز أبو ظبى الجهة المنظمة للمعرض، ومعه فريق العمل أن تكون مصر الدولة ضيف الشرف، ونجيب محفوظ هو الشخصية المحورية للنشاط الثقافى.

أنت فى معرض أبو ظبى للكتاب، ولكنك تكاد تعتقد أنك لم تغادر القاهرة، فها هى حارة نجيب محفوظ تتصدر الواجهة، أديب نوبل هو البطل وهو الشخصية المحورية التى تدور حولها، وحول رواياته كل الأنشطة الثقافية، وتم إطلاق اسم «منف» على إحدى القاعات الرئيسية للنشاط، وأطلق اسم «طيبة» على القاعة المقابلة لها، نجيب شخصية استثنائية فى تاريخ الأدب العربى، ليس ملكًا لمصر وحدها، هو عميد الرواية العربية، وهو الذى عرف العالم على الأدب العربى، وقبله انحصرت معرفة الغرب عن الإبداع العربى فى ألف ليلة وليلة.

يطالع الداخل الى المعرض من مدخله الرئيسى، جناحًا يحمل اسم «حارة نجيب محفوظ» تصميم عبقرى، وتنفيذ أكثر من ممتاز، يخطف الأنظار، تشتشعر الحارة، بألوانها، وعبقها، الجدار الخارجى للجناح وكأنه جدار أحد أسبلة أو أحد مساجد شارع المعز، هنا عاش نجيب، عاش متعلقًا بالحارة، تركها ولم تتركه، ولم يسترح إلا بالكتابة عنها مرات ومرات..

يتزين الجناح بالجملة الخالدة لنجيب محفوظ «آفة حارتنا النسيان»، ويزين بقية أضلع الجناح مقولات من روائع أديب نوبل.. جمال الجناح من وجهة نظرى أن من يتجول فيه يستطيع أن يتعرف على شخصية نجيب محفوظ (الإنسان والأديب والسينمائى) وتتعرف الأجيال الجديدة على إنتاجه الأدبى فى أقل من عشر دقائق، وبطريقة بسيطة ولكنها مبهرة، ويتعرف على أيضًا على رواياته العبقرية التاريخية التى بدأ بها رحلته مع الإبداع الروائى، ثم الثلاثية أروع إبداعاته، التى خلدتها السينما وقربت أدب محفوظ للعامة، مرورًا بفترة التحولات فى «ميرامار» وثرثرة فوق النيل «وانتهاء بالفترة الفلسفية من المرحلة الرمزية أو الفكرية، التي كان من أبرز أعمالها: «ثرثرة فوق النيل»، و»أولاد حارتنا» التى كانت سببًا فى محاولة اغتياله، وانتهاء بمرحلة الجوائز، وعلى رأسها جائزة نوبل فى فرع الآداب التى حصل عليها عام 1988. تنتهى الجولة لزائر الجناح بركن لمقهى الفيشاوى، المكان الأثير لدى محفوظ، فالمقهى كانت جزءًا لا يتجزأ من تركيبة نجيب محفوظ، رأى فيها مكانًا أثيرًا للحكى والفضفضة، وتكوين الصداقات، ركن الفيشاوى استهدف هو الآخر لفت انظار الشباب الى أدب نجيب، فكانت فرصة لهم لالتقاط الصور التذكارية، كذلك تم تعزيز الجناح بفيديوهات لأندر لقاءات محفوظ.

من الأشياء الجميلة التى استهدفت تقريب شخصية نجيب للأجيال الجديدة، قيام عدد من الفنانين التشكيليين برسم لوحات كبيرة لنجيب محفوظ أثناء المعرض على جدار ضخم، تم ذلك فى حضور الجمهور وتفاعله.

ها هى ابنته الكريمة أم كلثوم فخورة بحضور هذا الحضور والتكريم لوالدها، تطالع بسعادة كل التفاصيل، وتتنقل بين الأجنحة، وتشارك فى الكثير من الندوات، وكانت على رأس الحضور عندما حرصت نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة على افتتاح جناح مصر باعتبارها ضيف شرف معرض أبو ظبى فى دورته الثالثة والثلاثين، الجناح المصرى يأخذ شكل معبد فرعونى، ليتكامل مع جناح نجيب الذى يحمل صبغة القاهرة الفاطمية .. الربابة والطبلة البلدى والتنورة، تقلب المعرض رأسًا على عقب، تبهر من يستمع ويشاهد .. صور قوة مصر الناعمة كثيرة ومختلفة ولكنها متكاملة.

الإماراتية لطيفة

اصطحبتى فتاة إماراتية من المتطوعات، وكانت دليلى الى إحدى القاعات، وما إن عرفت من لهجتى أننى مصرى، زاد ترحيبها بى، وقالت إن مكافأة تخرجها فى الجامعة كانت رحلة من الأسرة إلى القاهرة، وحكت لى كيف أنها تعرف من الأفلام والمسلسات المصرية الأحياء الجديدة فى القاهرة: مثل التجمع، والشيخ زايد، والرحاب وغيرها، ولكنها طلبت أن تذهب الى قاهرة نجيب محفوظ، وأن تتجول فى شوارعها القديمة التى تحفظها عن ظهر قلب من خلال روايات أديب نوبل .. إن لم يكن هذا شكل من أشكال القوة الناعمة، بماذا يمكن أن تسميه؟

الجائزة العالمية للرواية العربية

من حسن حظى أننى شهدت هذا العام المؤتمر الصحفى الذى أعلن فيه عن فوز رواية «قناع بلون السماء» للسجين الفلسطينى باسم خندقجى بالجائزة العالمية للرواية العربية التى يطلق عليها البعض «البوكر العربية»، ومنذ إعلان الجائزة صار هناك لغط كبير عن المسببات التى أدت بلجنة التحكيم لمنحه الجائزة، وهل يقف وراء الأمر أسباب سياسية، على اعتبار أن الرواية كتبها سجين فى سجون الاحتلال الصهيونى منذ 2004، أم أنها أسباب موضوعية بحتة تتعلق بجودة العمل من عدمه ..

تحدثت مباشرة مع الصديق الأديب السورى الكبير نبيل سليمان رئيس لجنة التحكيم، فكان رده أنه وبإجماع أعضاء لجنة التحكيم، وهم من مختلف المشارب والأهواء والبلدان، أجمعوا على تفرد الرواية فى أسلوبها وفى الفضاءات الفنية التى زخرت بها ..

وقال إن الإبداع فى العمل فقط، ولا شىء آخر، كان هو المقياس فى اختيار الرواية لتفوز من بين 133 رواية عربية تنافست لنيل شرف الفوز بالجائزة الأهم عربيًا فى دورتها الـ17.
انتهى كلام نبيل سليمان، والرواية تشكل معالجة جديدة وغير مسبوقة للقضية الفلسطينية من خلال رحلة سردية فيها استرجاع للتاريخ واستدعاء لذاكرة الأماكن، من خلال نور الذى يحصل على هوية أورشابيرا المجند الإسرائيلى، ومن خلال هذا ينفذ إلى عقل الآخر بعد أن يتقمص شخصيته، ويتبنى خطابه.

وفى النهاية ينزاح القناع بفعل سماء حيفا لتطل مريم المجدلية التى ظل البطل يبحث عنها.. يبقى فوز باسم رسالة، وروايته بالتأكيد ستصل للعالم بعد ترجمتها، لتتكشف أمام الضمير العالمى حقيقة الصراع العربى الإسرائيلى، بعيدًا عن لغة العنف، من حق العالم أن يتعرف على حقيقة السردية الفلسطينية فى مواجهة سردية مزيفة نسجها المحتل من أباطيل، وفيما يتعلق بفوز باسم، فالمؤكد (من وجهة نظرى) أن اللجنة تأثرت بالأحداث الجارية على الساحة فأعضاؤها بشر، ودليلى فى ذلك وصول رواية «سماء القدس السابعة» لأسماء العيسة (فلسطين) أيضًا الى القائمة القصيرة، ولا غضاضة أصلًا فى ذلك، من الأشياء الجميلة التى أتاحتها الجائزة هذا العام هو أنها شهدت ميلادًا قويًا للروائى المصرى الشاب أحمد المرسي برواية «مقامرة على شرف الليدي ميتسي» والتى نافست بقوة ووصلت للقائمة القصيرة، وهو ما ينبئ عن روائى واعد.