يوميات الأخبار

القمة التى عادت للبحرين بعد ٢١ عاما

أسامة عجاج
أسامة عجاج

ماذا لو قبل صدام حسين بمبادرة الإمارات الخاصة بالخروج الآمن مع ضمانات؟ والتى اقترحتها الإمارات أمام قمة مارس ٢٠٠٣، بعد نقلها من البحرين، هل ستتبدل الأحداث وتتغير الأحوال؟

أعادنى نجاح القمة العربية التى أنهت أعمالها بنجاح، فى العاصمة البحرينية المنامة أمس الخميس، ذكريات مر عليها أكثر من ٢١ عاما، فقد يغيب عن الكثيرين، بأن المنامة كانت قد استعدت بالفعل لاستضافة القمة الـ ١٥ فى مارس ٢٠٠٣، والتى تدخلت عوامل عديدة فى نقلها إلى مكان آخر، فكان الحل الأسهل، هو مدينة شرم الشيخ مع احتفاظها برئاستها القمة، فى مقدمة هذه العوامل، تفاقم الأوضاع فى المنطقة العربية بصفة عامة، والأزمة بين أمريكا والعراق حول لجان التفتيش الدولية، والخلاف الشديد بين الدول العربية وتباين موقفها، حول آليات التعامل معها، وأتذكر وفقا لأرشيفى الصحفي، أن الملك حمد بن عيسى ملك البحرين كان قد زار مصر فى يناير من عام ٢٠٠٣، لمزيد من التشاور مع الرئيس الراحل حسنى مبارك حول أعمال القمة، والتى كان من المقرر عقدها فى مارس من نفس العام، وقد التقيت يومها مع الصديق نبيل الحمر وزير الإعلام فى ذلك الوقت، ومستشار جلالة الملك للشئون الإعلامية حاليا، يومها قال لى كما هو منشور فى مجلة آخر ساعة، (لقد بدأنا الاستعداد للقمة منذ اللحظة الأولى، التى تم الإعلان عن استضافتها فى قمة بيروت ٢٠٠٢، وتم تشكيل لجنة عليا، تتابع عبر اجتماعات اسبوعية هذه الاستعدادات ، ولهذا فنحن مستعدون لعقد القمة غدا.

الخلافات بدأت مبكرا

وقد انعكست تداعيات الأوضاع والتوتر فى المنطقة العربية، بالسلب على الاستعدادات لها، خاصة مع تفاقم الخلاف الأمريكى مع العراق حول تنفيذ قرارات الأمن الخاصة بالملف النووى العراقي، وقضية وعمل المفتشين الدوليين، ففى فبراير من نفس العام، ظهر خلاف عربى عربي، حول مسالة عقد قمة طارئة او الانتظار لقمة عادية فى موعدها المقرر فى مارس، وبدأت مرحلة ثانية من الخلافات حول جدول أعمالها، وتم التوافق فى نهاية الأمر بعد خلافات شديدة على طرح ثلاث قضايا فقط، وهى كالتالي:

أولا: التهديدات الخطيرة التى يتعرض لها العراق، وانعكاس ذلك على الدول العربية، واحتمال تطور الموقف إلى مواجهة عسكرية مع أمريكا.
ثانيا: الحالة بين العراق والكويت.

ثالثا: الصراع العربى الإسرائيلي، وتطورات القضية الفلسطينية، وتصاعد العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطيني.

وفرضت الأجواء فى المنطقة، البحث فى ملف جديد، بعد وجود تيار حول امكانية نقلها من المنامة، ووجود مشاورات فى الكواليس، شاركت فيها مصر والبحرين والامين العام للجامعة عمرو موسي، خاصة بعد اجتماع الاخير مع ملك البحرين حمد بن عيسى اثناء زيارته للقاهرة فى شهر يناير من نفس العام ٢٠٠٣، وأثناء الاجتماع عرض الأمين العام رؤيته بأن الميثاق والنظام الأساسى لآلية انعقاد القمة، ينص على عقد القمة العادية فى مقر الجامعة العربية، ويجوز للدولة التى ترأس القمة طلب استضافتها إذا ما رغبت فى ذلك، كما أن هناك مخاوف من أن انخفاض مستوى التمثيل إذا تم عقدها فى المنامة فى ظل الظروف الأمنية والعسكرية، التى تمر بها المنطقة والخليج بصفة خاصة، وإمكانية اندلاع العمليات العسكرية فى أى وقت، وخرج بيان بحرينى على لسان مسئول، ليحسم الجدل، عندما أشار إلى (أنه نتيجةً المشاورات التى أجراها الأمين العام للجامعة، بشأن موعد ومكان انعقاد القمة العادية، فقد وافقت المملكة على مقترح الأمين العام، بنقل اجتماعات القمة إلى مقر الأمانة العامة بالقاهرة، على أن تكون برئاسة البحرين)، وشهدت الاجتماعات التحضرية للقمة على مستوى وزراء الخارجية العرب خلافات غير مسبوقة، وصلت إلى درجة أن وصفها عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، بأنها (الأسوأ فى تاريخى الدبلوماسي)، حيث سادها حالة من التخبط والفوضى والسيولة فى المواقف، وأيضا من التشاؤم فى إمكانية نجاح القمة، خاصة ولم يبق عليها سوى أيام، والأمر يحتاج إلى معجزة، فى زمن غابت عنه المعجزات.

الخروج الآمن

ورغم كل المصاعب بدأت أعمال القمة، وسط حضور ملحوظ من القادة العرب، وكانت البداية فى ملف الأزمة مع العراق، حيث طرح بعض القادة فكرة إرسال وفد عربي، لزيارة بغداد وواشنطن، باعتبارهما طرف الأزمة، بهدف لقاء صدام حسين وكبار المسئولين فى واشنطن، فى إطار البحث عن تهدئة وحل، وتم تجاوز هذا المقترح سريعا، مخافة رفض واشنطن استقبال الوفد، خاصة أنها تتصرف فى تلك الأزمة، دون أى اعتبار لكل حلفائها التقليديين فى أوربا والمنطقة العربية، وعلى الجانب الاخر سيطلب العراق التعامل مع هكذا زيارة، على انها رسالة دعم لمواقفه، وليس انتقادا او انتقاصا منه، او تقديم مطالب منه ، خاصة وان ناجى الحديثى وزير الخارجية العراقى فى ذلك الوقت، قال فى جلسة مغلقة لوزراء الخارجية الخاصة بالاعداد للقمة، «ماهو المطلوب من العراق اكثر من ذلك، والذى يتم التجسس عليه بست وسائل حديثة، طائرات واقمار صناعية ومراقبين دوليين على مدار الساعة، واستجوابات ل ٢٠٠ عالم عراقي، وعمليات تفتيش دولية من اللجان المشكلة لهذا الغرض، مارست استفزاز غير مسبوق»

وتطورت الأمور سريعا بعد ساعات من الجلسة المغلقة عصر ذلك اليوم ،حيث تسبب خطأ ادارى فى تسريب مضمون المبادرة إمارتية غير مسبوقة فى التاريخ العربى إلى الإعلام، بعد أن سبق لعمرو موسى أن أشار فى الجلسة الافتتاحية، إلى وجود رسالة من الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات وسيتم توزيعها مع تقريره عن العمل العربى المشترك، وتضمنت أربعة بنود، وهى كالتالي:

أولا: أن تقرر القيادة العراقية التخلى عن السلطة وتغادر العراق، على أن تتمتع بكل المزايا المناسبة، وذلك فى غضون أسبوعين من القبول بالمبادرة.

ثانيا: تقديم ضمانات قانونية ملزمة محليًا ودوليا، بعدم التعرض أو الملاحقة بأى صورة من الصور.

ثالثا: إصدار عفو عام كامل وشامل عن كل العراقيين فى الداخل والخارج.

رابعًا: تتولى الجامعة العربية بالتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة، الإشراف على الوضع فى العراق، لفترة انتقالية، يتم خلالها اتخاذ ما يلزم من إجراءات من أجل عودة الأمور إلى طبيعتها، وفق ما يرتضيه الشعب العراقي.

توابع المبادرة

وبعدها تحولت المبادرة، إلى الشغل الشاغل للقمة، مع توالى ردود الأفعال، حيث عقد الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى مؤتمرا صحفيا، كان الهدف منه، الإعلان عن تأجيل طرح ولى العهد السعودي، والتى أطلق عليها ميثاق لإصلاح الوضع العربى إلى القمة القادمة، وكان مقررا لها أن تنعقد فى تونس نظرا لضيق الوقت والحاجة إلى مزيد من المناقشة، وعندما ألح رجال الإعلام عليه، فى معرفة رأيه، تحفظ فى التعليق، فلم يؤيدها أو يرفضها، وقال (قد نتفق مع بعضها ونختلف مع جزء آخر، وسندرسها بعناية) بينما خرج الشيخ عبدالله بن زايد وزير الإعلام الإماراتى منتقدا، حالة الصمت العربى تجاه المبادرة، وقال إنها تمثل وجهة (نظر العديد من الدول العربية، والتى تقف عاجزة عن إبداء رأيها علنا، بينما الشيخ زايد هو من امتلك الشجاعة ليعلن هذا الموقف)، وأضاف لقد (فقد العرب لسوء الحظ آخر، أمل لحل عربى للأزمة العراقية برفضهم مجرد مناقشة المبادرة، وإذا وافق العرب على المبادرة، فلم يكن أمام أمريكا والأمم المتحدة إلا القبول بها)، ويظل السؤال الأهم ماذا لو قبل صدام حسين بالمبادرة؟، هل كانت واشنطن أوقفت خططها لغزو العراق؟ والذى مازال يعانى من تبعاته حتى الآن، بعد مرور ٢١ عاما عليه، والذى تم بعد أسابيع قليلة من انتهاء القمة.

رفضت  القيادة العراقية المبادرة الإماراتية، مما خلق ذريعة جديدة لواشنطن فى استمرار مخططها، ففى ١٨ مارس أى بعد أيام من انتهاء أعمال قمة شرم الشيخ، منح الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين مهلة ٤٨ ساعة لمغادرة العراق، أو بدء العمليات، وهو ما قام به بالفعل عندما شنت قوات التحالف من ٤٩ دولة من مختلف العالم، وفى القلب منها واشنطن عملية أطلقت عليها «الصدمة والترويع»، قبل أن تستبدلها بشعار مراوغ يفتقد الصدق، تحت مسمى «تحرير العراق»، بعد حملة أكاذيب مستمرة حول امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، التى تم الترويج لها، بتزييف أدلة وتلفيق وثائق وهو ما تم الاعتراف به بعد ذلك.

من قبل قادة أمريكيين، ومنهم الرئيس الأسبق باراك أوباما، عندما كان عضوًا فى مجلس الشيوخ عن ولاية ألينوي، عندما اتهم إدارة بوش، بمحاولة «إلهاء الأمريكيين عن مشاكل اقتصادية وفضائح شركات»، وهو ما ذهب إليه أيضًا الرئيس السابق ترامب، الذى ألقى باللوم «على شركات المقاولات الفرعية، والجنرالات المتلهفين للمغامرة العسكرية فى منطقة الشرق الأوسط» وقد ذهبت بعض الدراسات، إلى أن الغزو كان مدفوعًا من قبل لوبى مؤيد لإسرائيل، مع أفكار المحافظين الجدد.

كما أن إدارة بوش كانت متعطشه للنفط، وكذلك لفكرة تصدير الديمقراطية المزعومة إلى المنطقة، والغريب هو ذلك الإجماع بين قيادات الحزبين الديمقراطى والجمهوري، على أن الحرب كانت «خطأ فادحًا» لكونها نفذت على فرضيات خاطئة. لم تدم الحرب سوى شهر واحد، حيث أعلن بوش عن انتهاء العمليات فى الأول من مايو من نفس العام، ونجحت واشنطن فى القبض على صدام حسين فى ديسمبر من نفس العام ، ولكن كلفتها وتداعياتها مازالت قائمة حتى الآن، رغم مرور كل هذا الوقت، حيث وصلت حجم الخسائر البشرية فى صفوف العراقيين إلى ٣٠٠ ألف قتيل، بينما يرتفع العدد إلى مليون فى تقديرات أخري، وصل حجم الانفاق الأمريكى على الحرب، طوال تلك السنوات، ما بعد الغزو حيث تم الاعلان عن وقف العمليات فى عام ٢٠١١ أكثر من ٨٠٠ مليار دولار.

وهكذا انتهت أعمال قمة، اعتذرت عنها البحرين، لتعود إليها بعد ٢١ عاما، ليتم إنقاذ المملكة، من إحدى القمم الأكثر إثارة وعصبية، فى تاريخ المنظومة العربية.