"البعد المؤسسي في حماية الفصيحة ورواجها والنهوض بها" بمؤتمر الخالدين

 أ.د.مصلح النجارأستاذ الأدب والنقد بالجامعة الهاشمية في الأردن
أ.د.مصلح النجارأستاذ الأدب والنقد بالجامعة الهاشمية في الأردن

واصل مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة برئاسة الدكتور عبد الوهاب عبدالحافظ رئيس المجمع، انعقاد جلساته اليوم الثلاثاء، تحت عنوان "اللغة العربية وتحديات العصر: تصورات، واقتراحات، وحلول"؛ حيث ناقش أعضاء المؤتمر فـي جلسته المغلقة المصطلحات المقدمة من كل من لجنة الإعلام، ولجنة الهندسة، ولجنة الجغرافيا.

وفـي جلسته العلنية التي رأسها وأدارها الدكتور حافظ شمس الدين عضو المجمع، ألقى الدكتور مصلح النجار أستاذ الأدب والنقد بالجامعة الهاشمية في الأردن، بحثًا بعنوان "البعد المؤسسيّ في حماية الفصيحة، ورواجها، والنّهوض بها"؛ حيث تحدث فيه عن المسؤوليّة الملقاة على عاتق القطاعات المؤسسية المنوط بها مهمة حماية اللغة الفصيحة، وهم: الأدباء، والعاملون في التعليم بمستوياته، وأهل الإعلام، والإنتاج التلفزيونيّ والسينمائي. 

وتمسّك د.النجار بالدور الذي يقوم به الشعر، وقارن بين لغة الشعر ولغة الرواية، مناقشا أسباب أهليّة الشعر للاضطلاع بهذه المهمّة، على الرغم من تسيّد فنّ الرواية في مجال النشر، وتراجع حضور الشعر في خريطة المقروئيّة.

وفي حديثه عن دور المؤسسةُ التعليمية بمستوييها المدرسيّ والجامعي، أشار د.النجار إلى تراجع حصّةُ المواطن العربيّ، على مقاعد الدرس، من اللغة الفصيحة، ومن الكفايات اللغوية، وانخفاضِ سقفِ التوقّعات من الطلبة المرشحينَ للقبولاتِ في أقسام اللغة العربية، وتدنّي فرص العملِ والدخلِ بعد تخرّجهم، هذا زيادة على تراجعِ الموَادّ العامّة التي يَدرسها الطلبة الجامعيّون غيرُ المتخصّصين في اللغة العربيّة، وتقليصها بشكلٍ منهجيّ وواضح، وغياب الموادّ الجامعيّة المحمّلة ثقافيًا، والمخطّطة بيداغوجيًا، وتغييب مهارات كالاستماع من أفق التعليم الجامعي المتخصص، وغير المتخصص، هذا فضلا عن غياب المنتقيات والمنتخبات ذات المستوى الرفيع، فغابت آثارُها التي نعمت بها أجيال من الدارسين عبر حقب ماضية من عمر التعليم الجامعيّ في العالم العربي. 

وتطرّق د.النجار إلى تعليم العلوم باللغة العربية، ونوّه بأنّ السؤالَ الذي يلحُّ علينا ليس خاصّا بلغةِ مصطلحاتِ العلومِ، ولكنّه يخصّ انعدامِ الإنتاجِ العلميِّ البحثيّ، وانعدامِ الإضافةِ العربيّة إلى صرح المعرفةِ الإنسانيّة في كثيرٍ من حقولِ العلومِ البحتةِ والتطبيقيّة، اللهمّ إلا إن احتضنتْ باحثينا مؤسساتٌ علميّةٌ أو بحثيّة توفّرُ لهم البيئةَ الصحّيّةَ لتنميةِ العلم والمساهمةِ فيه، وليت مؤسساتِنا تتبنّى سياسةَ النشرِ المتزامنِ للبحوثِ باللغاتِ العالميّة والعربيّة. ذلك شأنٌ، إن أردنا تحقيقه، فهو مرتبطٌ بجهد جمعيّ، ومؤسّسيّ، وطويل الأمد، وأتصوّرُه، إن أردْنا له النجاحَ، يتحقّقُ مرحليّا بالتدريج، من خلال نماذجَ تجريبيّةٍ، وليس من خلال التعميمِ المتعجّل، حتى إذا استحكمتِ التجربةُ، انتقلَ ليُوسَّع، ثمّ ليُعمّم.

وأمّا الإعلام فأشار د.النجار إلى أنّه الأداة الأوسع انتشارًا بوصفه حاملًا للغة، ومنتجًا لها، ومدخلًا، ومُخرجًا، وناقش حالة كل من الإعلام الرسميّ، وغير الرسميّ، والترفيهيّ والملتزم. إن مسؤولية المؤسسات الإعلامية، ولا سيّما الرسمية منها تجاه الحفاظ على اللغة والهويّة ينبغي ألا يُتنازل عنها، إذ لا نأنس لها بديلا كفؤًا.

وفيما يخصّ الإنتاج التلفزيوني والسينمائيّ، لفت د.النجار النظر إلى أننا لا نعدم إنتاج مسلسل تلفزيونيّ أو إذاعي أو فيلم سينما بلغة تدّعي الفصاحة، ولكننا، في أغلب الأحيان، نجد هذه الموادّ وقد أُثبت عليها اسم المحرّر اللغويّ، من دون قيامه بواجبه الحقيقيّ، فتكون النتيجة مخيّبة للآمال. ومثل ذلك أفلام الكرتون، والصور المتحركة، و"الأنميشن "، وشريط الترجمة في مئات الأفلام والمسلسلات والبرامج الأجنبية.

إنّ سؤال مستقبل الفصيحة في المجتمعات العربيّة سيظلّ مفتوحا، كما يرى د.النجار، حتى تضطلع المؤسسات بدورها المنشود، وتقومَ بأداءِ حصّتِها من المشاركةِ اللغويّة في وسائل التواصلِ الاجتماعيّ، والمنصّاتِ، والتطبيقاتِ، ومن دون ذلك ستظلّ فكرةُ تراجعِ العربية، وحلولِ لغاتٍ أخرى محلَّها حتميّةً نسيرُ باتّجاهِها معصوبي العينِ، وسيظلُّ كلامُنا كلامَ نخبٍ مثقّفة غير فاعلة.

ويضيف د.النجّار: كلّنا نعرفُ بوصلةَ قلوبِنا، وأمنياتِنا، أيها الأحبّة، ولكنّ نيلَ المطالبِ لا يكون بالتمنّي، بل بالعمل المؤسّسيّ المتضافرِ المنطلقِ من دراساتٍ علميّةٍ لمؤشّراتِ الالتزام بالفصيحة وحضورِها وفاعليّتِها في العمليّاتِ والمخرَجاتِ لكلٍّ من قطاعاتِ التعليمِ، والإعلام، والسينما، والتلفزيون، وصناعةِ المحتوى، فيتضافر عملُ المؤسساتِ، والخبراءِ، وأهلِ التقانةِ، ورأس المال، والموازنات، واللجان المتخصّصة، والبحث العلميّ، والمواقع والصفحات الإلكترونية والبرمجيات.

وختم د.النجار بالقول: إن التبعيّةَ السياسيّة لا تَفسحُ لنا مجالا لمناهضة الشعوبيّة اللغويّة، حين ندركُ أنّ تراجعَ اللغةِ ليس نتيجةً لمواقفِ الآخرين منها ومنّا، بل هو نتيجة لأمراضِ اللغة، وأعطابِ تعليمِها، ومشكلاتِ برامجِنا للنهوض بها، وكثيرٍ مما صنعناه نحنُ، ولم يصنعه الآخرون.