د.علاء الجابرى.. تحويل شقة نجيب محفوظ إلى مزار ثقافي

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

قد تعترض معى على تعبير «أكل العيش» والذى يبدو ممتهنا لقيم إنسانية متعددة، ولكن الخطأ الشائع خير من الصواب المهجور، فيمكن أن نمشيها أكل العيش. اضطر أكل العيش الكثير من المبدعين إلى الحياة على حد الكفاف – وفقا لظروف فترتهم - وندر لدينا ذلك الكاتب الذى يذهب صباحا إلى نادى الجزيرة، ويخرج- بعد رياضة المشى الخفيفة ولعب الكروكيه- ليجد سائقه يفتح له باب السيارة الخلفى.

أفلت البعض فبنوا بيوتا متفاوتة القيمة، ولكنها يسرت الاحتفاظ بذكرياتهم، وكان سهلا أن تتحول بيوتهم إلى متاحف، ولو بالحد الأدنى من ظلال كلمة متحف؛ فتجد ذلك فى «رامتان» طه حسين، و«كرمة ابن هانئ» لأمير الشعراء أحمد شوقى، فضلا عن نماذج قليلة للغاية متناثرة هنا، وهناك، وهو ما ندر تكراره مع أغلب مبدعى فترة «الموظفين» الممتدة من الثلاثينيات حتى الآن. وإذا كنت – مثلى - من ساكنى محافظة الجيزة، وقادتك قدماك مرة إلى إمبابة فربما تمتن- داخليا - للتحدى الكبير الذى خاضه إبراهيم أصلان، واستمرار كتابته برغم – وربما بسبب - الحى المزدحم، العشوائى بامتياز، وكيف اقتبس ساعات للكتابة غصبا عن ظروف محبطة تؤود الشخص العادى فكيف بالصورة اليوتوبية للكاتب عندنا؟

على نيل العجوزة، ومجاورا لمطعم لا ينام- فوقه مباشرة - كانت إقامة نجيب محفوظ، قد يغبطه كثيرون عليها، ويعتبرونه محظوظا بهذه الشقة الباذخة، ويردونها لفلوس السينما.

ولأننا لا نجيد الامتنان للراحلين فلم أسمع بفكرة هنا، أو رأى هناك عن متبرع مثلاً يخصص الشقة للأعمال الفنية، أو يحولها إلى متحف، أو حتى يؤجرها للراغبين فى الحصول على منح تفرغ من جنسيات أخرى. صحيح أننا سمعنا بجهد مكتبة الإسكندرية فى الحفاظ على مكتبة نجيب محفوظ، ولكن شقته أيضا كنز، ومزار ثقافى معتبر، وإذا سمعت قصص الغربيين عن احتفائهم ببيوت المبدعين، أو حتى الأماكن التى مروا بها سيتضح فارق الاستخفاف بمبدعينا، فمثلاً قرأت عن تعظيم غرفة أقامت بها أجاثا كريستى مرة فأصبحت تُؤجَّر بمبلغ طائل كل ليلة، لا لشىء إلا لأن فلانا الكاتب مر من هنا.

اقرأ أيضًا | أول رسالة دكتوراة للتسويق السياحي بتقنيات الميتافيرس على مصر وألمانيا

هناك مشروع جيد يرصد مقار إقامة بعض الكتاب والفنانين ويضع لافتة «عاش هنا» على العمارات المتناثرة بين الزمالك ووسط البلد والدقى وغيرها، فهل نكتفى بذلك مع نجيب محفوظ؟ أم نسعى لإقامة متحف للرجل فى شقته وبخاصة أن لافتة «عاش هنا» لن تظهر وسط مئات زبائن المطعم، وربما صارت مثارا لسخرية البعض منهم، ونحن بخفة دم بعضنا أدرى. وإذا كانت الملايين المعدودة التى ستُدفع لتحويل الشقة إلى مزار سياحى كثيرة، أو تحتاج لفكر استثمارى لاستردادها فهل تصوير أفلام تسجيلية داخل شقة نجيب محفوظ سيكون بمقابل زهيد؟ وهل فتحها لإقامات الكتاب الأجانب لن يغطى المدفوع خلال أعوام قليلة؟ كان أحمد شوقى يقول: «خمسة أشياء تعجبنى فى الفرنجة جعلتنى أقدرها لهم، وأنظر لهم بالإكبار عندما دخلت بلادهم وهى تقديرهم للنوابغ، ونظافتهم، وحبهم للنظام، ورفقهم بالحيوان، وقلة الغيبة فى مجالسهم، ولا فرق بين أغنيائهم وفقرائهم فى احترام هذه الأشياء».

ضاعت شقة صلاح عبد الصبور، كما ضاع غيرها من أماكن إقامة البارزين، لكن تعظيم الاستفادة من شقة نجيب محفوظ - فيما أعتقد - لا يزال فى الإمكان، فهل يرجع صوت النداء الأخير لشقة نجيب محفوظ بلا صدى؟