مقتل القحطانى يكشف: صراع السلطة المزعوم داخل الجماعات الإرهابية

مقتل القحطانى
مقتل القحطانى

ايمن فاروق

  كشف مقتل القيادي البارز أبوماريا القحطاني بهيئة تحرير الشام عن سوءات الجماعات المتطرفة وكيف تدار الأمور داخل تلك الجماعات الإرهابية؛ إذ أن الصراعات القائمة على الاعتقال والقتل هي الأساس داخل تلك الجماعات، لا كما يزعمون ويروجون لأنفسهم من أكاذيب واهية تحت مسمى الجهاد وغيرها من المفاهيم المغلوطة لديهم، وفي هذا التقرير نكشف أسباب الصراع بين أبوماريا القحطاني والجولاني مؤخرًا، وتهميشه له، وسبب تغيير جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، وانتقادات القحطاني لداعش وكبار قيادات في تنظيم القاعدة، والسر وراء استخدام الجولاني لأبوماريا القحطاني في القتال بين هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين التابع لتنظيم القاعدة وبعدها اعتقاله يكشف مدى الصراع واستخدام الأساليب الملتوية داخل تلك الجماعات المتطرفة.. وإلى التفاصيل.

مقتل أبوماريا القحطاني، أحد الشخصيات المؤثرة في هيئة تحرير الشام في 4 أبريل، كان له ردود فعل بارزة ومثيرة، أولها، بأن هناك آراء تقول إن مقتل القحطاني يعد فرصة لتعزيز قبضة أبو محمد الجولاني على السلطة شمال غربي سوريا، إذ أن أبو ماريا القحطاني من الشخصيات المؤثرة صاحبة الفكر البرجماتي داخل هيئة تحرير الشام، القحطاني كان قد أظهر طوال فترة نشاطه في الجماعات الجهادية، نوعًا من النزعة البرجماتية التي اعتبرها الجولاني تهديدًا في نهاية المطاف؛ إذ أنه يسعى لأن يكون الرجل البرجماتي الوحيد على الساحة، لكن هناك آراء أخرى تقول أن ذلك ربما يزيد مسار أبو محمد الجولاني ضعفا، إذ أنه قام بشكل منهجي بالقضاء على منافسيه من داخل الهيئة وخارجها لتعزيز سلطته، كما أنه يسعى إلى تعزيز «هيئة تحرير الشام» على أنها الحاكم الشرعي في شمال غربي سوريا، هكذا يكون الوضع داخل جماعات التطرف والإرهاب، صراعات وقتل من أجل القيادة أو اقتناص دور مؤثر، فكل ما يزعمونه ما هو إلا أكاذيب من وحي خيال مريض لا تجدي ولا تثمن.

لعبة مكشوفة

برز القحطاني في عام 2014 على الساحة بسبب منشوراته المتكررة على منصة x  تويتر سابقا، والتي تنتقد مجموعة واسعة من القادة الجهاديين. إذ رأى القحطاني أن «داعش» يشكل تهديدًا مباشرًا لـ «القاعدة»، لكنه وسع انتقاداته لتشمل قادة «القاعدة» أيضا، الذين ألقى باللوم عليهم في صعود «داعش»، وأدى ذلك إلى تهميشه من قبل الجولاني عام 2015، وفي في عام 2016، أعلنت «جبهة النصرة» أنها قطعت علاقاتها مع تنظيم «القاعدة»، وبعد عامين أعادت تسمية نفسها باسم «هيئة تحرير الشام»، وبدوره، أعاد القحطاني تصنيف نفسه على أنه منتقد قوي لتنظيم «القاعدة»، وقام الجولاني باستخدام القحطاني في القتال بين «هيئة تحرير الشام» وتنظيم «حراس الدين» التابع لتنظيم «القاعدة»، الذي أدى إلى إضعاف الأخير بشكل كبير، وأعاد التاريخ نفسه بالنسبة للقحطاني، إذ أمر الجولاني باعتقاله في مارس 2023 بعد اتهامه بإجراء اتصالات خارجية غير مناسبة، الجولاني حاول في نفس الوقت تقديم «هيئة تحرير الشام» ككيان حكم شرعي، وإعادة تسمية نفسه كزعيم سياسي، وصور الجولاني هجمات «هيئة تحرير الشام» على المنافسين الجهاديين على أنها تهدف إلى مكافحة الجماعات المتطرفة، وبدأ في الظهور علنًا، بما في ذلك إجراء مقابلة غير مسبوقة مع البرنامج التلفزيوني الأمريكي فرونت لاين عام 2021، وصف فيها تصنيف الولايات المتحدة له كإرهابي بأنه «غير عادل»، وأشار إلى أنه يريد أن تتحدث الولايات المتحدة معه باعتباره ممثلا لـ»جزء كبير من الثورة السورية»، وهي لعبة مكشوفة يحاول أن يدلل بها على أن الجماعات المتطرفة بدأت في تغيير مسارها من مجرد منفذة لعمليات إرهابية إلى البحث عن دور داخل سوريا بحيث يكون معترفا بها وفقًا لمزاعمه، كما أن استخدام الجولاني للقحطاني في القتال بين هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين التابع لتنظيم القاعدة وبعدها اعتقاله يكشف مدى الصراع واستخدام الأساليب الملتوية داخل تلك الجماعات المتطرفة.

الواضح أنه كان هناك انقسام مستمر داخل «هيئة تحرير الشام»، إذ لم يكن القحطاني هو الشخص الوحيد الذي يحاول تحدي الجولاني، ويحمل اغتيال القحطاني بعد شهر من إطلاق سراحه بصمات الجولاني في كل مكان، ويشكل تحذيرا للشخصية الأخرى التي تحاول الحشد ضد الجولاني في اعزاز وعفرين، وهو جهاد عيسى الشيخ، المعروف باسم أبو أحمد زكور.

يذكر أنه بالتوازي مع الصراع على السلطة داخل «هيئة تحرير الشام»، يواجه الجولاني احتجاجات شعبية مستمرة ضده؛ ففي إدلب خرج الناس إلى الشوارع مطالبين برحيله، ومعترضين على قمع «هيئة تحرير الشام»، بما في ذلك سجنها وتعذيبها للمعتقلين، ومطالبين بتفكيك جهاز الأمن العام التابع لـ»هيئة تحرير الشام»، وهذا يكشف أن الجولاني اتبع سياسة تقليص السلطة ممن حوله، لينفرد هو بها، وهذا يعد نوعًا من أنواع الديكتاتورية، وعدم الثقة في المقربين منه، إضافة إلى تركيز عملية صنع القرار وجعلها في يده، مما جعل البعض يصفه بانه طاغية.

الاغتيال

بعد مقتل ميسر علي موسى عبد الله الجبوري المعروف بـ»أبو ماريا القحطاني»، وإصابة اثنان من مرافقيه بجروح خطيرة، في تفجير انتحاري داخل مضافة الجبوري في إدلب شمال غربي سوريا في 4 ابريل، 2024، وكان «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، قد أفاد أن أبو ماريا القحطاني نقل إلى المستشفى مصابًا بجروح خطيرة، بعد استهداف مضافته في بلدة سرمدا.

ولد في 1 يونيو 1976 في مدينة الموصل بالعراق، وبعد سقوط صدام في 2003، انضم ميسر الجبوري في 2004 إلى تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، وبعد إعلان «دولة العراق الإسلامية» في 2006 تسلم منصبا «شرعيا» في الموصل وتخصص في التواصل مع عشائر العراق، وأشرف على أمور مالية، وفي 2008 اعتقل لعامين حتى أطلق سراحه منتصف 2010، ثم أرسله تنظيم «دولة العراق الإسلامية» مع أبو محمد الجولاني إلى سوريا في 2011، لتشكيل «جبهة النصرة» في سوريا، وكان من أشد منتقدي أبو بكر البغدادي، ودعم الانفصال بين «النصرة»، و»داعش»، كما شارك لاحقا في الاقتتال الداخلي شمال غربي سوريا، وبقي قريبا ومنافسا للجولاني خلال التحولات التي شهدها تنظيم «النصرة»، إلى «فتح الشام»، ثم إلى «هيئة تحرير الشام»، وقطع العلاقة مع «القاعدة»، العراقي أبو ماريا القحطاني بدأ مسيرته الإرهابية كمقاتل للقوات الأمريكية في العراق عام 2003، وانتقل إلى سوريا عام 2011 وأصبح أحد مؤسسي الجماعة التابعة لتنظيم «القاعدة» بقيادة الجولاني، وهي «جبهة النصرة»، لكن الفترة التي قضاها مع «جبهة النصرة» و»هيئة تحرير الشام» لاحقا شابها الكثير من التوتر والاضطراب.

وعن سبب اعتقال الجولاني للقحطاني، فإن أبو ماريا القحطاني أبرز منافسي أبو محمد الجولاني زعيم «هيئة تحرير الشام» التي تسيطر على إدلب ومناطق شمال غربي سوريا، واعتقل الجهاز الأمني التابع لـ»الهيئة» عشرات العناصر العسكرية، بينهم قيادات في الصف الأول، ويقول خبراء: إن زعيم «هيئة تحرير الشام» يريد «التخلص من منافسيه والتفرد بالسلطة، وخضع «القحطاني» للإقامة الجبرية منتصف أغسطس، إثر اعتقال خلية «تعمل لصالح التحالف الدولي واعتراف أفرادها بتورطه».

وأعلنت «هيئة تحرير الشام» عن تجميد مهام وصلاحيات القيادي أبو ماريا القحطاني، كاشفة، «القحطاني أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل»، وأفرجت «هيئة تحرير الشام» عن أبو ماريا القحطاني يوم 7 مارس بعد 7 أشهر من اعتقاله، بتهمة «التواصل مع جهات معادية»، وجاء في بيان «اللجنة القضائية» أنه «بعد الاطلاع على قضية المتهمين بالعمالة، «نعلن» براءة المدعى عليه ميسر الجبوري «أبو ماريا القحطاني»، من تهمة العمالة، والإفراج عنه»، وفي 4 أبريل، أفاد «المرصد» بأن أبو ماريا القحطاني نقل إلى المستشفى في باب الهوى على حدود تركيا، نتيجة إصابته بجروح خطيرة، بعد استهداف مضافته بتفجير انتحاري في بلدة سرمدا بإدلب. وأعلن عن مقتله لاحقا.

اقرأ  أيضا : خبير: الجماعة الإرهابية اتخذت قرارا بالاشتباك مع الدولة منذ 25 يناير


 

 

 

;