مزارع أطفيح .. نفقت ماشيته فمات حزنًا بجوارها

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

محمود‭ ‬صالح

 ورث مهنة تربية الماشية أبًا عند جد، العائلة كلها تقريبًا كانت تعمل في تربية الماشية والتجارة فيها، خاصة وأنها تجارة رابحة، تدر دخلا كبيرًا، لكن مؤخرًا كانت التجارة بالنسبة إليه غير رابحة، لأن بعض رؤوس الماشية في مزرعته قد نفقت، وعليه أصيب بنوبة حزن شديدة، لم يستطع أن يتجاوزها، نام لآخر مرة وكانت هذه هي نومته الأخيرة لم يصحو بعدها، مات الرجل حزنًا على فراق ماشيته

هناك العديد من الوقائع التي يُقدم فيها أحدهم على نهايته بسبب الحزن على فراق من ارتبط به، وفي كل مرة نطالع أخبار من انتهت حياته نجد الأسباب كثيرة، هذا مات لأن حبيبته هجرته، وذاك انتحر حزنًا على رحيل والديه، وآخر الحزن أنهى حياته عندما خسر أمواله.

الأسباب التي تدفع البعض للإقدام على إنهاء حياتهم كثيرة، من الصعب أن نعددها في موضوع واحد، لكن يكفينا هنا أن ندخل في تفاصيل واقعة واحدة، حدثت في مدينة أطفيح في محافظة الجيزة، أقدم فيها شخص يعمل في تجارة الماشية، على النهاية داخل حظيرة المواشي التي يمتلكها، بعد أن نفقت لديه بعض الماشية التي كان يقوم بتربيتها داخل الحظيرة.

حظيرة الماشية

صاحب الـ50 عامًا، منذ أن كان صغيرًا وهو يرعى الماشية، مهنته التي ورثها عن أبيه، كان في كل فترة يقوم بشراء ماشية صغيرة السن، ثم يضع رؤوس الماشية التي اشتراها في الحظيرة، يتولى مأكلها ومشربها حتى تصبح سمينة، ثم يخرج بها إلى السوق ليبيعها.

كان يجيد الحصول على المكسب من خلال هذه التجارة، يشتري رأس الماشية بسعر ويحدد لمأكلها سعرًا، ثم عندما يبيعها، كان يحرص على أن يعوض ثمن الماشية حين اشتراها وثمن ما أكلته، ثم يجعل لنفسه هامش ربح، وفي كل مرة كان يقوم بهذه التجارة كان ربحه يتضاعف، وكان يحقق مكاسب عالية.

الطبيعي في أي تجارة أن تمر بمنعطفات، بين مكسب وخسارة، وفي الحقيقة كان الرجل يتعرض لخسارة لكن كان مكسبه في مرة أخرى يغطي ما خسره من تكاليف، وعلى هذا الحال كانت حياته تتأرجح بين مكسب وخسارة، لكن دائما كانت خسارته وقتها قريبة، ونادرًا ما تؤثر عليه وعلى ظروف حياته.

الحاج محمد، ابن مدينة أطفيح، التابعة لمحافظة الجيزة، كان حريصًا على تجارته أشد الحرص، يعتني بالماشية المملوكة له اعتناءً كبيرًا، وكانت حظيرته لا تخلو من رؤوس الماشية التي اشتراها صغيرة وحرص على تربيتها وتثمينها، من هذه التجارة فتح بيته، وأنفق على أسرته، وربى أولاده  وعلمهم، وأيضًا من وراء هذه التجارة التي مرت بمنحنى سريع كانت سببا في وفاته حزنًا عليها.

خسارة

قبل أيام، كانت في حظيرة الماشية الخاصة به بعض رؤوس الماشية التي كان قد اشتراها منذ فترة، وكان يوميًا يقوم على مأكلها ومشربها كما اعتاد، لكنه لاحظ مؤخرا أن مرضا ما أصيبت به بعض رؤوس ماشيته، جعلها تمتنع عن الطعام، ويوم عن آخر كانت تلك الماشية تتأثر صحيًا بشكل كبير، وفي الأخير نفقت الماشية المريضة وعددها ليس بالقليل قبل أن يستطيع إسعافها.

في الحظيرة كانت لديه عدة رؤوس من الماشية، لكن المرض الذي ألم بهم، جعل ثلاثة من رؤوس ماشيته تنفق، وهو ما سبب له خسارة كبيرة، ولم يستطع أن يتحملها.

هذه الخسارة كانت تؤرقه كثيرًا في نومه، كان في آخر أيامه لا يتحدث، قليل الكلام إلى أقصى درجة، ابتسامته أيضًا والتي كانت لا تفارق وجهه تقريبًا غادرت الوجه إلى غير رجعة، فأصبح عبوسًا طيلة الوقت. متجهم، لا يقبل أي كلام من أحد، ولا يخرج من بيته إلا قليلًا.

كان هذا حاله مؤخرًا، وفي كل مرة يصل إليه نبأ نفوق ماشية من ماشيته كانت حالته تسوء أكثر وأكثر، حتى وصل به الحال إلى أن ضاق بحياته ذرعًا، واستقر في يقينه أن الحياة تشبه العدم، لا أمل فيها بعد هذه الخسارة الكبيرة، وتمنى أن يرحل عن الحياة بعدما غاب عنه عقله بأن الخسارة من السهل تعويضها، وأنها لم تكن نهاية الدنيا كما تخيلها عم محمد.

في أكثر الأماكن التي كانت تسعده، وتدر عليها دخلا كبيرًا، والتي كانت أيضًا سبب تعاسته الأخيرة، داخل حظيرة الماشية الخاصة به، نام عم محمد بجوار ما تبقى من الماشية التي لا تزال على قيد الحياة، نام الرجل وظن أولاده انه مستغرق في النوم فتركوه على حاله وهيئته هذه، لم يدركوا أنه كلما تذكر أن ماشيته نفقت عصر المنظر قلبه، وكانت النهاية الحتمية التي ربما أرادها وقد تحققت.

التحريات

كان قد تلقى المقدم عبدالحليم الجيار، رئيس مباحث مركز شرطة أطفيح، بمديرية أمن الجيزة، إشارة من غرفة عمليات النجدة مفادها العثور على جثة أحد الأشخاص، داخل حظيرة مواشي بدائرة المركز بعدما ابلغ أولاده بوفاته، على الفور انتقلت الأجهزة الأمنية إلى محل البلاغ بالفحص تبين العثور على جثة التاجر وبجواره حبل مربوط نهايته بجزع نخلة في السقف، ربما هذا المشهد الأخير ما جعل رجال المباحث يشكون في الوفاة.

بإجراء التحريات وسؤال نجل المتوفى، أفاد بأن والده حزن حزنا شديدا لمروره بأزمة نفسية، بسبب نفوق بعض ماشيته، ولم يتهم أحدًا بالتسبب في وفاته، تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة، وامرت النيابة بدفن الجثة بعد ورود تقرير الطب الشرعي وتحريات المباحث؛ بأنه لا شبهة جنائية في الوفاة.

اقرأ  أيضا : مصرع 4 أشخاص سقطوا في بئر صرف صحي بالفيوم


 

 

 

;