الثبات الإنفعالى للدولة المصرية

أحمد الخطيب
أحمد الخطيب

وسط حالة من الجنون الإقليمي، بعضه بغير إدراك ومعظمه مُصّنع ومصطنع، يبدو الشرق الأوسط فى حالة غليان مستمرة، فلا تكاد تمر لحظة واحدة إلا وقد اشتعلت جذوة جديدة من النيران فى أحد جوانبه .

وبرغم عدم منطقية هذه الحالة المستمرة التى يستحيل حدوثها علميا، لأنها حتما ستؤدى إلى انفجار أو أنها ستنطفئ ذاتيا، إلا أن هناك قوى دولية تسيطر عليها بشكل مستمر من أجل تنظيم عملية «الإشعال والاشتعال» والتى يحدد جرعاتها حجم المصالح والمطامع، وبالتالى تتحدد جرعات تدفق «الوقود» التى تحافظ على حالة غليان مستمرة لا تخبت ولا تؤدى لانفجار .. إنما فقط تُمهد الممرات من أجل دلوف مخططات الطمس والتقسيم. 

وما الأمس منا ببعيد، والجراح لم تندمل منذ فتحها وإيغارها .. ومشروع الشرق الأوسط الجديد ما زالت أحلامه تداعب عقول وقلوب المُستعمرين الجدد، ولم يتغير سوى تكتيك التنفيذ فقط.

لم تعد الشعوب العربية مطالبة بدفع الثمن بطريقة «الكاش السياسي»، بل أصبحت مُجبرة على دفع الأثمان بالتقسيط غير المريح، لكن الهدف لم يتغير أبداً! 
وبنظرة شاملة متفحصة على محيط الإقليم من عل، ستلحظ كتلة مُحاطة بسياج النار التى لا تغادر سرادقها قيد أنملة من هذا الشرق الأوسط .

وكلما اقترب الناظرون لفَحتَهُم حراراتها، لكن فى قلب هذا السياج تقف مصر على نقطة إقليمية شديدة الخصوصية، بل شديدة الالتهاب الإقليمي، من أجل ضمان الوقوف أمام النيران المضرمة حولها بفعل فاعل . فاعل دولى معلوم الوجه والرسم يعلمه القاصى والدانى . 

تقف مصر أمام حالة مدهشة، حيث الفاعل معروف والمستفيد محدد والأهداف واضحة، والضحايا لا بواكى لهم ولا أحد يكترث لآلامهم وصرخاتهم التى تدمى الإنسانية. 

لسنا أبدا أمام مؤامرة سرية . فلقد تجاوزنا تلك الحالة وهاتيك اللحظة، إذ نحن أمام مخطط مُعلن يتم تنفيذه على قدم وساق، ومقاولو الهدم الإقليمى لايرقبون فينا إلاًّ ولا ذمة، وبوجه مكشوف لا تتوقف عمليات الاستفزاز والاستدراج نحو الجحيم .

عملية «الاستدراج بالاستفزاز» لاتتوقف عن توجيه سهامها وألاعيبها صوب العقل المصري، تساندها بكل أسف ضغوطات داخلية لوعى جمعى يتم تغييبه ليمثل عبئا جماهيريا جديداً يثقل كاهل «القياده» ويدفعها دفعا نحو انفلات أعصابها السياسية . 

دفع قادم من شحن عصبى ملتهب بُغية اتخاذها قراراً مضطرباً كما لو كانت القيادة تملك رفاهية المغامرة بمصير الوطن والشعب .. وكما لو كانت الدولة تبدو مُفرطة لمجرد إصرارها على حاله من «الانضباط السياسى والقومي» . 

من الخطورة بمكان أن تكون القيادة مسكونة بالتاريخ، أو أن تكون منشغلة بسيرتها الذاتية انشغالا يفوق مسؤلياتها القومية .. وأيضاً من الخطورة بمكان أن تتلبس القيادة حالة من الأداء الدرامى قولاً أو فعلاً..

ومن الصعوبة -بل كل الصعوبة- أن تظل القيادة محتفظة برباطة جأشها انطلاقا من شعورها الحقيقى بجسامة المسئولية، بل ومن شرف القيادة أن تظل مُسيطرة على ثباتها الانفعالى فى مواجهة حملات الاستدراج نحو الهاوية لدولة بحجم مصر .

ولعل الحاضر الذى نعيشه والتاريخ سيذكران حتما ما قدمت أيدينا قيادة وشعبا، وستعرض السجلات ما تم إنجازه من عطاءات وتضحيات..

لكن السطور قد تغفل أحياناً عن ذكر ما تم عبر قدرة القيادة على ضبط أعصابها لتجنيب الدولة وشعبها ويلات الحروب وآثارها التدميرية التى لطالما ندفع ثمنها عن وقت مضى حتى الآن.

القيادة الرشيدة أبدا لا تبنى مجدا شخصيا من خلال مراهنات ومغامرات بأرواح ومصائر الأجيال .

فلله در مصر،  ولا نامت أعين الجبناء.