الإرهاب يأكل نفسه .. مقتل أبوماريا القحطانى حائر بين داعش وهيئة تحرير الشام

أبوماريا القحطانى
أبوماريا القحطانى

أيمن‭ ‬فاروق

  الدم والقتل، استخدام الدين لأغراضهم الخبيثة، لا هم أصحاب قضية ولا هم يمثلون الدين، فقط يتوارون خلفه من أجل تحقيق مكاسب مادية ودنيوية زائفة ليس كما يدعون، الحادث الأخير في سوريا والذي أسفر عن مقتل أبوماريا القحطاني القيادي البارز في هيئة تحرير الشام خير دليل على ذلك، خاصة وأن الجماعة أو الجهة المنفذة للحادث لم تعلن مسؤوليتها، وهناك روايتان تكشفان عن قتلة أبوماريا القحطاني، الرواية الأولى تقول هيئة تحرير الشام هي المنفذة للتفجير، نظرًا لشعبية القحطاني الجارفة داخل الهيئة ومخاوف الجولاني من القحطاني، والرواية الأخرى تلقى بأصابع الاتهام نحو داعش، بسبب تزايد الصراع بين الهيئة وداعش مؤخرا، بين الروايتين من المؤكد ستظهر أحداث جديدة خلال الأيام القادمة تكشف عن الكثير من الأسرار في هذا الحادث، ولكن تناحر الجبهتين وتبادلهما الاتهامات حول من يقف وراء قتل القيادي البارز يصب في النهاية لصالح الدولة السورية؛ حيث أنه يعزز الانقسام بينهما ويضعف تلك الجماعات المتطرفة، في هذا التحقيق نكشف الكثير من التفاصيل وراء مقتل أبوماريا القحطاني وأسرار هيئة تحرير الشام، وإلى التفاصيل.

الدخان الكثيف كان يملأ المكان، أصحاب اللحى الطويلة بمضافة الأول في ريف محافظة إدلب أصيبوا بحالة من التيه، هناك من قرر الابتعاد عن المكان مهرولا، بينما آخرون تسمروا في أماكنهم بعد لحظات من الانفجار لمعرفة ماذا يجري وما هي طبيعة هذا الانفجار؟، لاحظ البعض أن الانفجار من مقر إقامة القيادي البارز في هيئة تحرير الشام الشهير بـ»أبي ماريا القحطاني»، علامات استفهام كثيرة أمام هذا الحادث الذي يحيطه الغموض، لم تعلن جهة أو أشخاص عن مسؤوليتهم عن هذا الانفجار، المعلومات شحيحة حول مقتل القحطاني أحد مؤسسي جبهة النصرة سابقا «ذراع تنظيم القاعدة في سوريا»، والذي يوصفه الكثير بأنه بيت أسرار هيئة تحرير الشام، والذي لقى مصرعه إثر عمل انتحاري بتفجير نفسه أثناء عناقه في مضافة كان مدعوا إليها في مدينة سرمدا وإصابة اثنين آخرين من مرافقيه واثنين مجهولين أيضا، يشار إلى أن هيئة تحرير الشام اتهمت تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا «داعش» بالوقوف وراء الهجوم من خلال انتحاري فجر نفسه بحزام ناسف، بينما هناك من يقول أن الهيئة نفسها وراء قتله، بينما أفاد المرصد بأن هيئة تحرير الشام كان قد أفرجت عن القحطاني، أحد قيادي الصف الأول فيها، في 7 مارس، بعد اعتقاله لمدة سبعة أشهر، بتهمة التواصل مع جهات معادية في الخارج، فيما كان جهاز الأمن العام «الذراع الأمنية لهيئة تحرير الشام» في منطقة إدلب قد أفرج على فترات متقطعة خلال الشهرين الماضيين عن جميع القادة الأمنيين الذين تم اعتقالهم بتهمة «عملاء التحالف»، واعتقل الجهاز إثرها عددًا من قادته الأمنيين بعد ثبوت تورطهم في تلفيق التهم للقادة الأمنيين، وفقا لما أفاد به المرصد.

هيئة تحرير الشام تسيطر على مساحات شاسعة في محافظة إدلب وأنحاء في حماة وحلب واللاذقية، كما أن القحطاني خاضع لعقوبات أمريكية منذ عام 2012، وتـتهمه وزارة الخزانة بأنه انتقل إلى سوريا في العام 2011 لنشر عقيدة القاعدة هناك قبل توليه مناصب قيادية في جبهة النصرة، وفقًا لتقارير إعلامية سورية، والتي أفادت بأن اغتيال القحطاني جاء بعد أقل من شهر وتحديدا 28 يوما من إطلاق «تحرير الشام» سراحه بعد اعتقال دام لسبعة أشهر بتهمة العمالة لجهات خارجية.

الصندوق الأسود

القحطاني، كان بمثابة الصندوق الأسود لقائد «هيئة تحرير الشام» أبي محمد الجولاني، وبالرغم من أنه لم يشغل منصبًا رسميًا فإنه كان -قبل اعتقاله- شخصًا قويًا وصاحب نفوذ كبير داخل التنظيم وخارجه، كما أن القحطاني كان يملك علاقات مع أجهزة الاستخبارات الغربية والتحالف الدولي، بحكم تجربته القديمة في العراق، إلا أن تلك الاتصالات كانت تجري بعلم الجولاني وتحت إشرافه.

مؤسسة أمجاد الإعلامية التابعة لهيئة تحرير الشام «جبهة النصرة سابقا»، أعلنت مقتل أبوماريا القحطاني في بيان لها، وذكرت فيه أن عملية استهدافه كانت بحزام ناسف، نفذه عنصر ينتمي لتنظيم داعش.

روايتان

مقتل القيادي البارز في “هيئة تحرير الشام”، ميسر بن علي الجبوري الملقب بـ”أبو ماريا القحطاني”، بانفجار خلال تواجده في إحدى المضافات في سرمدا شمالي إدلب، والذي يشكل نفوذًا كبيراً في الهيكل التنظيمي للهيئة، جاء بعد أقل من شهر على إطلاق سراحه من سجون الهيئة بتهمة العمالة لجهات خارجية، ويوصف أبو ماريا القحطاني بأنه رفيق درب زعيم “تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، قبل تصاعد الخلافات بينهما، خلال الأشهر الماضية، روايتان يتم تداولهما حتى الآن حول مقتل القحطاني، بين رواية «تحرير الشام» والمقربين منها، وبين قياديين سابقين انشقوا عن “تحرير الشام».

رواية هيئة تحرير الشام تقول إن القحطاني قتل جراء تفجير انتحاري نفذه أحد عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، بعد دخول ثلاثة أشخاص على المضافة، باستخدام حزام ناسف، إذ قالت “مؤسسة أمجاد الإعلامية”، التابعة للهيئة؛ إن القحطاني قتل “جراء هجوم غادر باستخدام حزام ناسف، نُفِّذ على يدي عنصر ينتمي لتنظيم الدولة”.

من جانبها، قالت “وكالة أنباء الشام” التابعة لـ»حكومة الإنقاذ»، إن “يد الغدر طالت الشيخ أبي مارية القحطاني، بعد تعرضه لعملية انتحارية داخل مضافته في مدينة سرمدا شمالي إدلب”، مضيفة أنه سرعان ما تكشفت خيوط وتأكد ضلوع تنظيم داعش في العملية، كما نشر إعلام الهيئة صورة لشخص قيل إنه “الانتحاري” الذي فجر نفسه داخل المضافة.

لم تكن رواية هيئة تحرير الشام هي الوحيدة، لكن جاءت رواية تداولها قياديون سابقون منشقون، وكذبوا بها رواية هيئة تحرير الشام، مشيرين إلى أن القحطاني قتل بانفجار لغم وضع داخل سيف أهدى له، ومن هذه الآراء صالح الحموي، وهو أحد مؤسسي «جبهة النصرة» ويعمل حالياً كـ”باحث سياسي مختص في الجماعات الجهادية”، والذي قال إن ثلاثة عناصر دخلوا إلى المضافة، و»هم كانوا دخلوا إلى هذه المضافة منذ عدة أيام ليألفوا وجوههم، أحدهم كان يحمل بطاقة أمنية ليسمح له بالدخول، وأهدوا القحطاني سيفًا داخل صندوق كبير، ثم خرج اثنان وبقي واحد اقترب من القحطاني يعانقه وهنا وقع الانفجار وصندوق السيف كان يحمله القحطاني»، مشيرا إلى أن الشخص إما لايعلم أن الصندوق ملغم وفجروه الاثنان اللذان خرجا من المضافة، أو كان يلبس حزامًا وتم تفجيره عن بعد، وأستبعد هذه الرواية لعدم وجود علامات على شظايا في جسم القحطاني والشخص هذا، مضيفا أن تنظيم داعش “الدولة الإسلامية” لم ينفذ أي تفجير في إدلب منذ ثلاث سنوات، بسبب اتفاق مع الهيئة مقابل السماح لهم ولعائلاتهم بالتنقل.

من المستفيد؟!

قال منير أديب الباحث في الجماعات المتطرفة؛ إن أبوماريا القحطاني اسمه الحقيقي ميسر علي عبدالله الجبوري، هو أحد قيادي هيئة تحرير الشام، وقامت الهيئة بسجنه منذ 7 شهور، وأفرج عنه منذ 28 يوما بالتحديد، واتهمته الهيئة بالعمالة وبالفصل في الاتهام ثبت براءته، والآن تم قتل أبوماريا القحطاني، وهناك روايتان إحداهما تقول أن ربما تكون هيئة تحرير الشام من تقف خلف الحادث، ورواية أخرى تلقي بالاتهام على تنظيم الدولة «داعش».

وفند منير أديب، حال قتل الهيئة لأبو ماريا القحطاني، مبرراتها، قائلا: إنها أخرجته من السجن بعد اتهامه بالعمالة لقتله، حيث أن مظاهرات ودعوات كثيرة طالبت بخروجه من السجن، لهذا تم الاستجابة لتلك التظاهرات، وتم تدبير الحادث الذي لقى مصرعه أبوماريا القحطاني على إثره نظرًا لأنه الرجل الأول المرشح لخلافة الجولاني ويتمتع بشعبية كبيرة، لهذا قتل.

كما شرح أديب حال قتل داعش للقحطاني، مفندًا ذلك بأن هناك صراعًا بين هيئة تحرير الشام وداعش ولم يعلن داعش حتى يتداخل الأمر ويتم إلقاء الاتهام على الهيئة وبالتالي تضيع الحقيقة، خاصة وأن هناك خلافا بين الهيئة متمثلة في الجولاني وأبوماريا القحطاني، وبالتالي أصابع الاتهام تتجه ناحية الهيئة وليس لداعش، كما أضاف منير أديب، أنه ربما يعلن تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» عن الحادث لاحقا.

وأوضح منير أديب؛ أن نتائج مقتل القيادي البارز أبوماريا القحطاني سيكون له تداعيات على مستقبل هيئة تحرير الشام وسوف يعزز الانقسام داخلها ويدفع إلى مزيد من خروج مؤيدي القحطاني من الهيئة لأن أصابع اتهام تتجه نحو الجولاني بأنه وراء العملية، مما يترتب على ذلك أن الهيئة تتلاشى وجودها داخل محافظة إدلب التي تمسك بزمام الأمور فيها، وهذا يضعف هيئة تحرير الشام في صالح التنظيمات المتطرفة الأخرى في إدلب.

ونوه منير أديب، إلى أنه لو ثبت أن داعش وراء الحادث يدل ذلك على ضعف هيئة تحرير الشام واستطاعتها اقتحام الحصون المانعة للهيئة وتمكنها من قتل القحطاني، وبالتالي يمكنها قتل الرجل الأول «الجولاني».

وأنهى أديب، أن كل ما سبق يترتب عليه زيادة الصراع واستمراره بين الهيئة وداعش ويؤثر على قوة الهيئة وقوة التنظيم أيضا وهذا يصب في صالح الدولة السورية التي تواجه التنظيمات منذ سنوات. 

اقرأ  أيضا : بعد مقتل أبو الحسين القرشي.. دلالات الضربات الأخيرة للجماعات الإرهابية في سوريا والعراق

 

 

;