زيارة سادسة لـ«بلينكن» إلى الشرق الأوسط| واشنطن ترسم مستقبل غزة بعد الحرب

فلسطينيون يحاولون الاختباء من القصف الإسرائيلى
فلسطينيون يحاولون الاختباء من القصف الإسرائيلى

■ كتبت: دينا توفيق

مساعٍ ومحاولات لإنهاء إراقة دماء الأبرياء من الفلسطينيين، وتجنب المزيد من الخسائر فى الأرواح التى تجاوزت 30 ألف شخص أغلبهم من النساء والأطفال.. الحرب فى قطاع غزة لا تظهر أى علامة على الانتهاء، مع تعرض الصراع لخطر التحول إلى طابع إقليمي، وتلويح رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» بمزيد من التصعيد وشن عمليات عسكرية على مدينة رفح بجنوب قطاع غزة حتى من دون تأييد الولايات المتحدة.. جهود مضنية تبذلها الخارجية المصرية فى كافة الاتصالات واللقاءات مع وزراء الخارجية للعديد من البلدان العربية والغربية، فى محاولة لوقف إطلاق النار الفورى والوصول للأهداف المشتركة والبحث عن الخطط المستقبلية للقطاع.

◄ لمسات نهائية على رؤية يدعمها العرب ستؤدى لإقامة دولة فلسطينية

◄ بلينكن يرى ضرورة لتنشيط السلطة الفلسطينية بحكومة أفضل وأكثر تمثيلاً

■ غزة تواجه أزمة إنسانية

اندلعت التوترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب خطة نتنياهو لاجتياح المدينة الواقعة فى جنوب غزة، حيث لجأ أكثر من مليون فلسطينى وسط أعمال العنف والأزمة الإنسانية المتفاقمة. وفى تصريحات جيش الاحتلال الأخيرة قال إنه سيواصل غاراته على مستشفى الشفاء فى مدينة غزة، وحصار المدنيين. 

وخلال الأسبوع الماضى، اجتمع وزير الخارجية «سامح شكري» مع نظيره الأمريكى «أنتونى بلينكن» ووزراء الخارجية العرب فى القاهرة لمناقشة تطورات الأوضاع فى غزة وجهود تحقيق وقف كامل لإطلاق النار، وزيادة نفاذ المساعدات وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2720، والتأكيد على رفض أية محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم وكذلك أى عملية عسكرية فى رفح الفلسطينية وحتمية تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وفقًا للمرجعيات الدولية. ودعا شكرى إلى إنهاء سريع للصراع، قائلًا إنه «لا مجال للانتظار، ولا مجال لزيادة المعاناة، ولا يوجد سبب لاستمرار الحرب».

وفى الزيارة السادسة لوزير الخارجية الأمريكى إلى الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل فى أكتوبر الماضى، سعى إلى وضع اللمسات النهائية على رؤية يدعمها العرب لغزة ما بعد الصراع التى ستؤدى فى النهاية إلى إقامة دولة فلسطينية. وخلال المباحثات الثنائية مع شكرى ناقشا خطط ما بعد الصراع فى غزة مع تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب حرب إسرائيل الوحشية ضد حماس، ولا سيما التهديد بشن عملية عسكرية كبيرة ضد الجنوب بمدينة رفح. ووسط ما قاله بلينكن إنها إشارات تبعث على الأمل بإمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن.

■ وزير الخارجية سامح شكري ونظيره الأمريكي بلينكن

◄ جلسة موسعة
وفى إطار جلسة مباحثات ثنائية موسعة بين شكرى، ونظيره الأمريكى بحضور وفدى البلدين، أكد شكرى أن المباحثات ركزت على الوضع الذى وصلت إليه الحرب فى غزة وأهمية الوصول إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن والمحتجزين والعمل على تكثيف حجم المساعدات الإنسانية لمواجهة وضع غير مسبوق سواء من حيث تعرض المدنيين إلى التداعيات الخاصة بالحرب وإزهاق أرواح ما يقرب من 32 ألفا من بينهم 20 ألفا من النساء والأطفال.

كما أكد وزير الخارجية أنه لا يمكن استمرار الحرب والمعاناة الإنسانية والتجويع الذى يحدث. وأوضح شكرى إلى أن الوضع الآن فى رفح فى حيز ضيق مع تواجد 1٫4 مليون شخص تحت أوضاع معيشية صعبة. وشدد على ضرورة عدم قيام إسرائيل بأى عمل عسكرى فى هذه المنطقة، لما يمكن أن يؤدى إلى مزيد من الضحايا واحتمالية النزوح من رفح، مؤكدًا على اتفاق المجتمع الدولى بما فيه الولايات المتحدة على ضرورة تجنب هذه الفرضية. 

وأكد شكرى على التوافق خلال المباحثات وعلى أهمية العمل المشترك بين الولايات المتحدة ووزراء الخارجية العرب للتعامل مع القضايا الحالية لخطورتها فى توسيع نطاق الصراع. وأعرب «شكرى» عن أمله فى الانتقال من مرحلة العمل على وقف الحرب إلى التعامل مع أصل الصراع والعمل على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، لتنعم كافة الشعوب فى المنطقة بالاستقرار والتعاون.

ومن جانبه قال وزير الخارجية الأمريكى، إن هناك إجماعا حول الحاجة لإيقاف إطلاق النار بشكل مستدام، ما يخلق فرصة لإيصال المساعدات الإنسانية، وأضاف أن هناك رسالة صارمة إلى القادة الإسرائيليين مفادها أن الغزو المحتمل لرفح سيكون «خطأ». وخلال المؤتمر الصحفى، أكد بلينكن أن المباحثات ركزت بشكل كبير على عدد من القضايا المشتركة مع مصر والأردن والسعودية وقطر والإمارات والسلطة الفلسطينية.

وأعرب عن تقديره لاستضافة مصر لهذا الحدث، الذى يعد فرصة لمشاركة الآراء للوضع الراهن وما هى الخطط المستقبلية وكيف يمكن الوصول للأهداف المشتركة. وذكر وزير الخارجية الأمريكى العمل المشترك مع كلٍ من مصر وقطر وإسرائيل لطرح اقتراح قوى وردت حماس على ذلك الاقتراح ويواصل المفاوضون العمل. وقال إن الفجوات تضيق وهناك محاولات للدفع من أجل التوصل إلى اتفاق فى الدوحة؛ موضحًا أن تحقيق الاتفاق لا يزال يتطلب عملًا صعبًا، ولكنه لا يزال ممكنًا برأيه. وقد تقدمت الولايات المتحدة أيضًا بقرار إلى مجلس الأمن الدولى لدعم هذه الجهود. وأضاف بلينكن قائلًا اجتمع كبار المسئولين الأمريكيين فى قبرص لتنسيق الجهود الدولية بشأن الممر البحرى ودعم المهمة العسكرية الأمريكية لبناء رصيف مؤقت كقناة إضافية لإيصال المساعدات إلى سكان القطاع، مشيرًا إلى أن المعابر البرية تعد الوسيلة الأهم لإيصال المساعدات إلى من يحتاجون إليها.

◄ ما بعد الصراع
ووفقًا لما تحدث عنه بلينكن عن خطط ما بعد الصراع، تساءل الصحفى «مايكل بيرنبوم» من صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، عن الفجوات التى لا تزال قائمة فى خطة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى اعتماد كافة هذه الخطط على استعداد إسرائيل للموافقة على إقامة دولة فلسطينية فى نهاية المطاف، والاستراتيجية التى تنتهجها الإدارة الأمريكية لإقناع الإسرائيليين بالموافقة على ذلك، رغم سجلهم الحافل برفض معظم مقترحات واشنطن فى خلال هذا الصراع. لقد أمضى الرئيس الأمريكى «جو بايدن» وبلينكن أسابيع الآن فى تكثيف الضغط علنًا على إسرائيل لزيادة المزيد من المساعدات، ويريدان وضع خطة لتأمين مستقبل المنطقة على المدى الطويل، وتشكيل مستقبلها لما بعد الحرب.

وتريد واشنطن أن تدير السلطة الفلسطينية قطاع غزة، وهو الكيان الذى تشكل خلال اتفاقيات أوسلو فى التسعينيات وقامت حماس بإقصائه عام 2007، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى».

ويعتقد الأمريكيون أن بإمكانهم التوصل إلى صفقة كبرى فى الشرق الأوسط؛ إنهم يريدون السعى إلى إقامة الدولة المستقلة التى طال انتظارها للفلسطينيين فى الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة إلى جانب إسرائيل الآمنة، أو ما يسمى بحل الدولتين. وبعد إعادة بناء غزة، ستحكمها السلطة الفلسطينية المدعومة دوليًا.

إذاً فإن إصلاح السلطة الوطنية الفلسطينية هو شرط أمريكى كى يكون لها دور فى إدارة قطاع غزة عند انتهاء الحرب الحالية، حسب ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية. ورغم إقراره بأنه رأى «بعض الخطوات الأولية» فى هذا الاتجاه، إلا أن بلينكن ينتظر المزيد. ويرى بلينكن أن «تنشيط السلطة الفلسطينية بحكومة أفضل وأكثر تمثيلاً، بما فى ذلك الفلسطينيون من غزة»، أمر بالغ الأهمية لتحقيق رؤية غزة موحدة مع الضفة الغربية تحت قيادة السلطة الفلسطينية. هكذا رسم بلينكن رؤية الإدارة الأمريكية لمستقبل قطاع غزة ما بعد الحرب الحالية؛ ولكن الرؤية الأمريكية تتصادم مع خطط نتنياهو.

◄ الرصيف المؤقت
وبينما يرى الصحفى الأمريكى ومراسل سابق لصحيفة نيويورك تايمز «كريس هيدجز»، أن «الرصيف المؤقت» الذى يتم بناؤه على ساحل البحر المتوسط فى غزة ليس للتخفيف من حدة المجاعة، بل لحشد الفلسطينيين على متن السفن وإلى المنفى الدائم. ويصف هيدجز الرصيف بـ«حصان طروادة الإسرائيلى»، خاصة أن الكيان الصهيونى الذى ينتهج سياسة التجويع، قد وجد حلاً لمشكلته المتمثلة فى المكان الذى يتعين عليه أن يطرد فيه 2.3 مليون فلسطينى. وإذا لم يستقبلهم العالم العربى، كما اقترح بلينكن خلال الجولة الأولى من زياراته بعد 7 أكتوبر، فسيتم دفع الفلسطينيين على متن السفن.

ولهذا السبب، تدعم إسرائيل «الرصيف المؤقت» الذى تبنيه إدارة بايدن، لتوصيل الطعام والمساعدات ظاهريًا إلى غزة، الطعام والمساعدات التى سيشرف جيش الاحتلال على «توزيعها». ويضيف الصحفى الأمريكى قائلًا إذا كانت الولايات المتحدة جادة حقًا فى تخفيف الأزمة الإنسانية، فسوف يُسمح لآلاف الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والمساعدات الموجودة حالياً على الحدود الجنوبية لغزة بالدخول إلى أىٍ من معابرها المتعددة، ولكن هم ليسوا كذلك. إن «الرصيف المؤقت» هو طريقة لإخفاء تواطؤ واشنطن فى الإبادة الجماعية. ووفقًا لهيدجز إن الكيان الصهيونى يخلق أزمة إنسانية ذات أبعاد كارثية، مع مقتل الآلاف من الفلسطينيين بالقنابل والقذائف والرصاص والمجاعة والأمراض المعدية، بحيث يصبح الخيار الوحيد هو الموت أو الترحيل.