من هنا بدأت حكاية النصر| يـوم الشهيد.. بطولة على الجبهة

 عبدالمنعم رياض
عبدالمنعم رياض

يبدأ اللواء أركان حرب محمود طلحة مستشار كلية القادة والأركان حديثه عن يوم الشهيد والذى يوافق يوم استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة يوم 9 مارس عام 1969 على حافة الضفة الغربية لقناة السويس فى منطقة الإسماعلية وعلى مسافة لاتزيد علي 180 متراً من دفاعات القوات الإسرائيلية على الضفة الشرقية لقناة السويس - حيث كان الشهيد يتابع ويدقق نتائج القصف المدفعى على الدفاعات الإسرائيلية فيما عُرف بفترة حرب الإستنزاف ( الأولى ) ...

والذى يُعتبر الشهيد مهندسها ومخططها.
 ويقول اللواء طلحة: حرب الاستنزاف لم تكن أحد الخيارات أو البدائل المتاحة أمام المخطط المصرى ولكن كانت الخيار الوحيد والمطلب الجوهرى والذى بدونه لايمكن التفكير فى الحرب - فى ظل الظروف الناتجة عن حرب 67 - كانت تمثل فرض عين على المخطط المصرى.

وكان الهدف من حرب الاستنزاف هو حرمان القوات الإسرائيلية من استمرار بناء القلاع الدفاعية الحصينة وتعلية الساتر الترابى فيما عُرف بخط بارليف وكذلك فرض أقصى عقابٍ على القوات الإسرائيلية والأهم هو تطعيم القوات المصرية على الأعمال القتالية سواء بالضربات النيرانية الكثيفة للقوات الجوية والمدفعية المصرية فضلًا عن عبور قوات إلى الدفاعات الإسرائيلية وتنفيذ الكمائن والإغارات ... لقد كانت أسلوبًا لتعلم الحرب بالحرب.

منذ نهاية 1968وضع الفريق عبدالمنعم رياض الخطوط العريضة لإعداد القوات المسلحة منذ توليه منصبه بعد حرب 1967 وأحد هذه الخطوط الرئيسية هو مايتعلق بحرب الاستنزاف والتى نُفذت بكافة عناصر القوات المسلحة - وعموما بلغت هذه الأنشطة القتالية 9381 نشاطًا قتالياً متنوعًا حتى سريان مبادرة روجرز لإيقاف النيران فى أغسطس 1970 مع استمرار تنفيذ بعض المهام الخاصة للحصول على المعلومات فى عمق القوات الإسرائيلية حتى بداية حرب 1973م.

ويضيف اللواء طلحة: فى 8 مارس 69 تم تنفيذ أكبر حشد نيرانى للمدفعية باشتراك 42 كتيبة ولمدة خمس ساعات متواصلة تم من خلالها قصف 40،000 ( أربعون الف) قذيفة مدفعية ضد دفاعات وأوضاع القوات الاسرائيلية.

وفى 9 مارس 69 كان الحدث الأهم والمؤثر فى تاريخ العسكرية المصرية حيث قام الفريق رياض كعادته بالمرور على القوات فى الخط الأمامى على حافة القناة (على مسافة 180م من العدو) لمتابعة نتائج القصف المدفعى الذى بدأ صباح اليوم وكان يرافقه كل من: قائد الجيش الثانى اللواء عدلى سعيد ومدير المدفعية اللواء عبدالتواب هديب - ورغم تحذير قائد الجيش بأن دفاعات العدو فى هذه المنطقة مرتفعة ومسيطرة (النقطة رقم 6 بالإسماعيلية) وكان رد الفريق رياض (أنا جندى كأى مقاتل على هذه الجبهة - وبما أننا نطالب المقاتلين بالعيش فى هذه المنطقة المتقدمة فلا بد أن نكون معهم ولاننفصل عنهم).. وأثناء متابعة نتائج القصف سقطت إحدى الدانات الإسرائيلية بالقرب منهم واستشهد الفريق رياض على الفور فى موقعه وبجوار جنوده وأُعتبر يوم 9 مارس هو يوم الشهيد.

وتابع: ارتبط اسم الفريق رياض بيوم الشهيد - كما ارتبط اسمه بحرب الاستنزاف مقدمة النصر وقاعدة الانطلاق لنصر 10رمضان (6 أكتوبر) ولن نتعرض للمزيد عن حرب الإستنزاف وسنكتفى بالإشارة إلى ما ورد عن القادة الإسرائيليين حيث وضح الجنرال إبراهام آدان فى كتابه (على ضفاف القناة) وجاء كلامه على النحو التالى: 

حرب الاستنزاف التى وضع المصريون شروطها كانت بالنسبة لنا ظروفًا صعبة - كانت تناسب الجيش المصرى وتكشف ضعفنا ... القصف المدفعى أصاب القيادة الإسرائيلية بصدمة وخيبة أمل .

 فى 26 أكتوبر 1968 كان هناك قصف مدفعى آخر مركز عبر خط الجبهة بالكامل إستمر 9 ساعات متواصلة فقدنا خلاله قتلى وجرحى وزاد القلق فى القيادة الإسرائيلية... الخسائر تمثل ثمناً ثقيلاً بالمعدلات الإسرائيلية.

اتخذنا قرار مهاجمة مصر فى العمق بالقوات الجوية وقوات الإنزال الجوى لتدمير محطة محولات كهربائية فى نجع جمادى وكوبرى على النيل فى صعيد مصر إلا أن عبد الناصر كان مصمماً بشدة على عدم السماح بقبول التواجد الإسرائيلى فى سيناء واستمرت حرب الاستنزاف حتى قبول «مبادرة روجرز» وذلك بهدف الحد من خسائرنا .

يذكر الجنرال شارون فى مذكراته عن حرب الاستنزاف ( خلال السنوات الثلاث لحرب الاستنزاف من 1967 -1970 قام جنودنا بإصلاح الأضرار وتحصين المواقع التى دمرتها المدفعية المصرية وكلفتنا الكمائن والإغارات المصرية أرواحًا غالية جداً، كانت خسائرنا على امتداد القناة 1366 إصابة منها: 367 إصابة مميته) .

ويقول اللواء طلحة: ما سبق كان لمحات مختصرة لحرب الاستنزاف (الأولى) التى خططها الفريق عبد المنعم رياض وقد إستشهد خلال متابعة نتائج تخطيطه... والتى استمر تنفيذها بعد استشهاده حتى أغسطس 1970م بقبول مصر وإسرائيل مبادرة روجرز.. وإذا كان الفضل يجب أن يُنسب إلى أصحابه فيجب علينا الترحم والإعتراف بفضل من خططوا ونفذوا واستشهدوا أو تعرضوا للإصابة وكانوا من الجرحى أو المقعدين وقبل ذلك عائلاتهم وكل أم ثُكلى ومكلومة وكل أب فقد ابنه وكل ابن تيتم وجموع الشعب المصرى - أما ما يخص الشهيد عبد المنعم رياض فلن نوفيه حقه.