«شعبان» شهر رفع الأعمال والاجتهاد فيه مطلوب

الشيخ جعفر عبد الله
الشيخ جعفر عبد الله

يحظى شهر شعبان بالكثير من الفضائل، وفى مقدمتها أنه الشهر الذى ترفع فيه الأعمال إلى الله، وكان الصحابة رضوان عليه عليهم يقبلون على فعل الخيرات ويكثرون من الطاعات. وعن فضائل شهر شعبان وأهمية اغتنامه يحدثنا الشيخ جعفر عبد الله رئيس قطاع المعاهد الأزهرية الأسبق بقوله: كان النبى يغتنم أيام شهر شعبان ولياليه فى الطاعات من صيام واستغفار وقراءة للقرآن، ومن فضائل شهر شعبان أن الله جعله ظرفًا لحدث عظيم ألا وهو تحويل قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى البيت الحرام إكرامًا لوجه المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث كان هذا الحدث أمنية لدى الرسول وكان يقلب وجهه فى السماء يرجو أن يجعل الله أمنيته حقيقة فمن الله عليه بتحقيقها لرغبة الرسول فى ذلك، وقد سجل القرآن ذلك فقال الله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون)، وشهد شهر شعبان أيضا أمر الله تعالى المسلمين بالجهاد فى سبيله وجعله واجبًا عليهم، كما أن غزوة بدر الصغرى وقعت فى شهر شعبان.

وأضاف: من فضل شهر شعبان أنه ترفع فيه الأعمال والمقصود بالأعمال هى أعمال السنة كاملة، لذلك يتطلب من المسلم فى هذا الشهر الاجتهاد حتى تكون خاتمة أعماله حسنة، لأن حسن الخواتيم من الأمور التى على المسلم الإلحاح فى طلبها من الله عز وجل، ففى الأدعية المأثورة (اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم لقائك) وقد وردت الكثير من الأحاديث التى تبين فضل شهر شعبان ومنها: عن أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها- قالت: (ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته فى شهر أكثر صيامًا منه فى شعبان).

وكان الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم، يهتمون بشهر شعبان أسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فبقدوم شهر شعبان تراهم ينكبون على القرآن يتلونه ويتدارسونه فيما بينهم، ويخرجون الصدقات من أموالهم، ويسارعون فى فعل الخيرات، كى يهيئوا أنفسهم للشهر الكريم، حتى إذا أقبل رمضان ترى قلوبهم عامرة بالإيمان وألسنتهم رطبة بذكر الله عز وجل، وجوارحهم عفيفة عن فعل الحرام طاهرة نقية، وبناء عليه يشعرون بلذة الصيام وحلاوة القيام، ولا يملون أو يكلون من فعل الأعمال الصالحة، لأن قلوبهم ملأها الإيمان وتغلغل النور فى أرواحهم، واطمأنت نفوسهم بذكر الله وعمل الخير والابتعاد عن المنكر، قال الله تعالى فى كتابه الكريم: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

ويؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام فى شعبان وذكر الحافظ ابن رجب الحنبلى رحمه الله فى توضيح حكمة الرسول من الإكثار من الصيام فى شعبان: (أن شهر شعبان يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، حيث يكتنفه الناس شهران عظيمان، الشهر الحرام رجب، وشهر الصيام رمضان، فقد اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفول عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام شهر رجب أفضل من صيامه، لأن رجب شهر حرام، وليس الأمر كذلك فى شعبان). وتخصيص الرسول شهر شعبان للصيام مقترن برفع الأعمال إلى الله، بمعنى أن الأعمال ترفع إلى الله عز وجل فى شهر شعبان، ولكنها تعرض فى ليلة الإثنين والخميس من كل أسبوع، فرفع الأعمال يكون على ثلاثة أنواع وهي: رفع عمل الليل قبل عمل النهار، ورفع عمل النهار قبل عمل الليل، وترفع أيضا فى شعبان، ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة رضى الله عنه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون فى صلاة العصر وصلاة الفجر)، ولأجل رفع الأعمال أحب الرسول أن يرفع عمله وهو صائم. وليلة النصف من شعبان لها منزلة كبيرة، قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: (يطلع الله إلى خلقه فى ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن)، والحكمة من كثرة الصيام لأجل إحياء أوقات الغفلة بالطاعة والعبادة.