يوميات الأخبار

أم كلثوم: عندما قاتل الفن من أجل الوطن!

محمد الشماع
محمد الشماع

«ستظل أم كلثوم هى المثل الحى لكيفية دعم الفنان لوطنه فى أدق الظروف وأصعب المراحل»..

أهدانى سيادة الفريق الدكتور عبدالمنعم خليل قائد الجيش الثانى الميدانى فى حرب اكتوبر المجيدة قبل وفاته كتاباً رائعاً، أعده اللواء أركان حرب سمير بركات أحد أبطال حرب أكتوبر، عنوان  الكتاب «عباقرة الموسيقى.. ملحنو أم كلثوم». الكتاب يتضمن معلوماتٍ وأسراراً وحكاياتٍ طريفة لا يعلمها بعض المقربين من الوسط الفنى والثقافى.. الكتاب يتضمن معلوماتٍ فنية علمية تسلمته من سيادة الفريق فى منزله أثناء زيارتى له التى استمرت ثلاث ساعات، وكان عمره يناهز التسعين عاماً، شارك خلالها فى الحرب العالمية الثانية، ومروراً بجميع الحروب التى خاضتها مصر، وتوجها بالمشاركة فى حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣، دفاعاً عن أرض مصر وأمنها القومى.

ورغم مرور عشرات السنين على أخطر الحروب وأعظم انتصار كان البطل الفريق عبدالمنعم خليل يقول: إن «لحظات الحرب لا تُنسى»، كان يقولها بشموخ المقاتل العنيد الذى قهر المستحيل وحقق أعظم انتصار، وكان يحمل رتبة اللواء.

ويبتسم الفريق عبدالمنعم خليل وهو يحكى لى قصة ترقيته إلى رتبة الفريق، بعد انتهاء خدمته بالقوات المسلحة، قائلاً : خلال اتصال تليفونى مفاجئ من سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، للاطمئنان والسؤال عنى، بادرنى قائلاً : سيادة الفريق عبدالمنعم.. كيف حالك؟

رد البطل عبدالمنعم خليل قائلاً: أنا لواء يا افندم!

فأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة قراراً فورياً بترقية اللواء عبدالمنعم خليل إلى رتبة الفريق، تكريماً له ولعطائه لوطنه والقوات المسلحة.

نشر الفريق الدكتور عبدالمنعم خليل مذكراته فى كتاب متفرد ومتميز، ضمنه جانباً من حياته الحافلة وخبراته العسكرية الواسعة، قال عنه الفريق محمد فوزى وزير الحربية الأسبق: كتاب شيق أتحفنا به هذا القائد العظيم الهمام.. كما قال عنه اللواء حسن البدرى أحد كبار قادة حرب أكتوبر.. لا أبالغ إذا قلت عنه «الأب الروحى للعسكرية المصرية». وكتب المراسل العسكرى والمؤرخ والأديب الكبير جمال الغيطانى: قال يشع الكتاب روح الوطنية والإيمان ويمتلئ بشجاعة وكرامة وكبرياء المقاتل.. كان الفريق عبدالمنعم خليل يمتلك إيمانا عميقاً بالله سبحانه وتعالى، وبالقضية التى يقاتل من أجلها، فأكتسب حب وثقة واحترام القاعدة القتالية فى القوات المسلحة.. وكان الفريق يحتفظ بمذكرة الجيب الشخصية طوال مدة خدمته بالقوات المسلحة، من العام ١٩٤٢- ١٩٧٥ فجاءت تسجيلاً دقيقاً للواقع، وكان أمينا صادقا خلال مذكراته.

أعود إلى الكتاب الرائع هدية الفريق عبدالمنعم خليل لى، ومؤلفه اللواء سمير بركات، حول عباقرة الموسيقى ملحنى أم كلثوم، فمع حلول الذكرى ٤٩ لوفاة أم كلثوم، تناولت الكتاب مرة ثانية، واكتشفت أن متعة الحديث والكتابة عن أم كلثوم لا تنتهى عن هذه الشخصية الرائعة والدور الوطنى العظيم الذى قامت به تلك الفنانة المعجزة فى إثراء الفن الراقى وإعلاء قيمة الوطن.

قيمة فنية رائعة

قيمة هذه الفنانة العظيمة إنسانيا وفنيا ووطنيا واجتماعيا، ولا يكفى أن يكون هناك محبون وعشاق لفن أم كلثوم وأغانيها، بل يجب دراسة ما هو خلف أم كلثوم من عوامل مختلفة، ساعدت على ظهور هذه الطفلة الموهوبة لتكون أسطورة الغناء العربى فى القرن العشرين.

لحن لكوكب الشرق١٣ملحناً عملاقاً كل فى زمانه ووقته، ومن بين هؤلاء الثلاثة عشر يتوسطهم ثلاثة من العمالقة العظماء، وهم : محمد القصبجى ثم زكريا أحمد ثم العبقرى رياض السنباطى، وانضم لهؤلاء الثلاثة العظماء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عام ١٩٦٤، عندما لحن لأم كلثوم مونولوج «أنت عمري»، ثم أعقبه بتسع أغنيات أخرى، وكانت السمة الرئيسية لألحان محمد عبدالوهاب هى التطوير فى اللحن، مع إدخال آلات موسيقية غربية ضمن فرقة أم كلثوم.

ويقول المؤلف: إن فكرة الكتاب «الدراسة» عن هؤلاء الملحنين العظماء مستقلة فى كتاب خاص، حتى لا يطغى بريق وشمس أم كلثوم على هؤلاء العظماء مستقلة، ورغم ذلك فقد خصص المؤلف فصلاً فى هذا الكتاب عن سر تألق وتميز أم كلثوم، وكيف أصبحت هى معجزة الغناء العربى فى القرن العشرين.
أم كلثوم لم يُطلب منها أن تدعم الدولة فى المجهود الحربى، وإنما فعلت ذلك بوطنية جارفة وإحساس كامل بالمسئولية، فهى تنتمى كلية لهذا البلد وهذا العصر، وكانت تفكر دائماً فى كيفية رفع اسم هذا الوطن، فما بين يونيو ٦٧ وأكتوبر ١٩٧٣ استطاعت أم كلثوم جمع مائة كيلو ذهب، وكان ذلك شيئا مهولا حيث كان من المهم توفير الذهب للتجهيز للمعركة.

وظفت أم كلثوم كوادر لتنظيم جمع الذهب، وإقامة معارض للأسر المنتجة تُباع فى المطارات والموانئ، يُودع عائدها للمجهود الحربى، وكذلك كونت لجان اتصال خارجية، ولجاناً للمستشفيات، وقامت بعمل منظم بشكل غير طبيعى كسيدة عمرها ٧٠ عاما، لذلك قررت عمل ٢٤ حفلاً فى ٢٤ مدينة مصرية لتجمع مليون جنيه!

ثم جاءت الحفلات الخارجية لأنها أدركت أن الدور الخارجى مكمل للدور الداخلى، بل أكثر أهمية وأرتأت أن الحفلات الخارجية ستدر عملة صعبة، وسنقابل العرب بالخارج لرفع روحهم المعنوية، وستجعل مصر تُذكر بكل صحف العالم، وهذا ما حدث فعلاً، وعادت بمبالغ مهولة من الخارج.

وكانت حفلتا باريس، هما الأهم فى حفلات أم كلثوم، ليس فقط لمردودهما المالى الضخم، بل لمردودهما المعنوى والإعلامى الذى لا يُوصف، والذى لم يصل إليه سوى أم كلثوم حتى بعد عودتها من باريس، التى كانت رحلة تاريخية كان لها تأثير على أوروبا كلها، حيث استطاعت إيصال صوت مصر للعالم أجمع وأوروبا بشكل خاص.

كما قامت أم كلثوم بتقديم الدعم فى إعادة بناء الجيش المصرى، حيث بادرت بتكوين هيئة التجمع الوطنى للمرأة المصرية، وهى الهيئة التى قامت بنشاط زيارات للجنود المصابين فى المستشفيات، والترفيه عنهم، وجمع التبرعات والدعوة إلى ترشيد الاستهلاك ومحاربة الإسراف والشائعات.
ستظل أم كلثوم هى المثل الحى لكيفية دعم الفنان لوطنه فى أدق الظروف وأصعب المراحل، لم تدخر أى جهد وعمرها سبعون عاما فى خلق جبهة قتال بسلاح الفن لا تقل ضراوة عن جبهة القتال العسكرية، فنذرت نفسها للقتال من أجل جمع الأموال للمجهود الحربى، استعداداً لحرب استرداد الكرامة فى حرب أكتوبر العظيم ١٩٧٣.

نجاح مبهر

كل التحية للجنود المجهولين الذين أشرفوا وأسهموا فى نجاح معرض القاهرة الدولى للكتاب هذا العام نجاحاً مبهراً.. مع خالص التمنيات بدوام الرقى والازدهار لهذا الاحتفال الثقافى العالمى.

وإذا كنا نقدم دعواتٍ ونمنح الجوائز للفنانين فى مهرجان القاهرة الدولى للسينما، ونحن أصلاً لا ننتج سينما عالمية، ولا نصدر أفلامنا للخارج كما كنا نفعل من قبل، ومع ذلك فإن الاهتمام والمتابعة الإعلامية لمهرجان القاهرة السينمائى يفوق الاهتمام بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، مع أن الكتاب المصرى حاضر فى كل بيت من بيوت العرب.

كما أن علينا أن نحرص أيضا على حضور ومشاركة الأطفال إلى معرض القاهرة، وذلك عن طريق منح تخفيضاتٍ للمدارس وإقامة مسابقات ثقافية حول القراءة الحرة بين تلاميذ المدارس، ذلك هو حائط الصد الذى نبنيه فى مواجهة الجهل والتطرف والإرهاب.

كنت أتمنى أن نخصص ندوة ضمن فعاليات المعرض لمناقشة مشكلة الكتاب وارتفاع تكاليف الطباعة والورق والجمارك والضرائب التى يتحملها المؤلف والناشر، الأهم أيضا هو قضية القرصنة التى يتعرض لها المؤلفون وسرقة إبداعاتهم وأفكارهم، وفوضى النشر الإلكترونى، وهى مشاكل وعقبات متكررة.. أتمنى أن يكون المعرض القادم بإذن الله قد تم حل كل تلك المشاكل والملاحظات التى لا تنقص من النجاح الكبير لمعرض القاهرة الدولى للكتاب.
 

محاولة للتفكير

نحن بحاجة لإحياء كل جنيه أنفقناه من قبل لنحوله من فاقد إلى قوة إدخار تقلل أعباء البحث عن التمويل الجديد.

إصدار القرارات أسهل وأبسط ما يمكن أن تقوم به أى حكومة.. المهم ان تكون القرارات واقعية وأن تكون هناك آلية لتنفيذها.

الخير قادم ويتحقق فى كل يوم بوتيرة متسارعة، طبقاً لبرنامج مدروس دخل به الرئيس عبدالفتاح السيسى مرحلته الجديدة، ويتابعه أولاً بأول، لنصل إلى المستوى الذى يليق بمصر ومكانتها، ويحقق الحياة الكريمة لكل مصرى.

لا أمريكا ولا إسرائيل أصبحت فى وضع أفضل من قبل احتلال العراق ولا إسرائيل، أصبحت أكثر أمناً بعد الحرب على غزة، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وتدمير البنية التحتية لغزة. هذه حقيقة واضحة، وتحتاج إلى جيل جديد من السياسيين الإسرائيليين، يعترف بالحقيقة ويواجهها بشجاعة، الآن الاتجاه الى السلام فى إسرائيل بالذات يحتاج الى شجاعة أكثر مما يحتاجها الاتجاه الى الحرب، وخاصة الحرب ضد المدنيين العزل!

من المؤكد أن إسرائيل هى الجانب الوحيد غير السعيد باتفاق فصائل المقاومة الفلسطينية، وسوف تنتظر عودة الخلاف بينها، لتتنصل من أى محاولة لإقرار السلام، ثم تطالب الفلسطينيين بالالتزام وتتباكى على حقها فى الوجود والدفاع عن نفسها، وعلى الفرقاء الفلسطينيين ان يتحلوا بالذكاء والحكمة ويفوتوا عليها هذه الفرصة.

الشرق الأوسط الجديد الذى تفهمه المنطقة شعوبا وقادة، يقوم على الحق فى الأمن والسلام والعدل لكل الشعوب، وهذا لن يتم إلا من خلال رؤية عادلة للحل، وتمسك عربى بعدم تقديم تنازلات أو حوافز جديدة لإسرائيل على صعيد العلاقات بين الدول العربية قبل الحصول على الحل العادل وقبل ان تكف أمريكا عن محاولاتها لفرض رؤيتها ورؤية إسرائيل بالقوة.

عاجلا أو آجلا سينتهى العدوان الإسرائيلى على غزة، فهو ليس الأول ولن يكون الأخير فى هذه القضية المعقدة، وستكتشف الجماهير العربية حجم ما قدمته مصر طوال هذه الأزمة، وحجم الخداع الذى تمارسه عليهم قوى الممانعة وأبواقها الإعلامية.