إنهـا مصر

ملحمة الخلود

كرم جبر
كرم جبر

السادس من أكتوبر العاشر من رمضان كان الانتصار العظيم «سيناء.. نحن عدنا بعد ست سنين» ولم يكن ممكناً أن تصبر مصر على فراقك أكثر من ذلك، ذكرى مرور خمسين عاما على اعظم انتصار، واسترداد الكرامة والكبرياء.

كانت إسرائيل بعد نكسة يونيو تتصور أن مصر لن تقوم لها قائمة، وأن أمامها مائة سنة لتعيد بناء جيشها، وتكون قادرة على الحرب من جديد، لكن فرحتها لم تدم طويلاً، فبعد أيام قليلة من الهزيمة كان الجنود والضباط المصريون يلقنونها درساً قاسياً فى معركة «رأس العش».

وأدركت أكثر وأكثر أن بقاءها فى سيناء مستحيل بعد حرب الاستنزاف، والبطولات الفذة للمقاتل المصرى الذى نفَّض عن جبينه غبار الهزيمة، وتُوجت البطولات بالانتصار العظيم.

الإسرائيليون كتبوا عن الفزع وبطولات الجيش المصرى أكثر مما كتبنا نحن، لأنهم تجرعوا مرارة الهزيمة، وأوشكت دولتهم على الانهيار، وصفوا حرب أكتوبر بأنها «الصدمة والرعب»، وكانوا يتوهمون أنهم يعيشون حلماً جميلاً.

المصريون من الشعوب القليلة التى لا تطيق أن تقع قطعة من أرضها تحت الاحتلال، وقرروا أن يُضحوا بكل غالٍ ونفيس، لاستعادة الأرض والعرض.

التضحية بدمائهم وأرواحهم، وليس هناك فى الدنيا أغلى من ذلك، وسيناء بالذات هى أكبر جزء من أرض الوطن ارتوى بدماء وأرواح الشهداء.

هى البوابة التى يأتى منها الغزاة على مر التاريخ، وهى أيضاً مقبرة الغزاة، وتتحول أرضها وسماؤها إلى سجادة من نار تحرق المحتل.

«نحن عدنا بعد ست سنين، وهتفنا مرحباً سيناء، أما شدك للرجوع حنين؟».. ولم تذق عيون مصر النوم لحظة واحدة منذ احتلال سيناء سنة 1967، وظلت تنتظر ساعة العبور العظيم.

غنينا لبيوت السويس «يا بيوت مدينتي، استشهد تحتك وتعيشى إنتي».. «وأحلف بسماها وبترابها ما تغيب الشمس العربية طول ما أنا عايش فوق الدنيا».
وظلت مصر والمصريون فى حالة استعداد قصوى لاستعادة قطعة غالية من أرض الوطن، والدرس المستفاد هو: بزوغ إرادة المصريين فى أوقات المحن. 
هناك حكمة فرعونية قديمة تقول: «إن الشعب المصرى يتحول إلى روح واحدة فى جسد واحد فى أوقات الخطر»، وبالفعل أصبحت مصر روحاً واحدة فى جسد واحد.

  ربط المصريون الأحزمة فوق بطونهم، ووفروا من لقمة عيشهم، واختفت الشكوى من الأزمات بمختلف أنواعها، لأن لنا هدفاً واحداً هو: استعادة الأرض.
اختفت الجريمة وساد الهدوء الشديد الشارع المصري، لأن الوطن كله كان يهيئ نفسه لساعة الصفر، يوم يستعيد كرامته وكبرياءه.. فلا وقت للشكوى.
 كان مستحيلاً أن تصبر مصر أكثر من ست سنوات، لأن البلد كله كان متفرغاً للاستعداد للحرب، وتخصيص كل موارده للمجهود الحربي.

خمسون عاما تغيرت فيها موازين القوى فى العالم، وهبت على المنطقة كوارث تشبه الاعاصير، جرفت فى طريقها جيوشا وشردت شعوبا، ولكن ظلت اكتوبر هى الروح التى يستدعيها الوطن لمواجهة التحديات.

أنقذ الله مصر وشعبها لان جيشها بقى قويا، يحميها من المخاطر والمؤامرات، لم يرفع سلاحه فى وجه اى مصرى، ولم تتلوث يداه بقطرة دماء من ابناء الدول الشقيقة، وخاض معركته الكبرى لتطهير سيناء من الارهاب.

   الجيش الذى حرر سيناء من اسرائيل، كان مستحيلا ان يترك شبرا فيها تحت سيطرة الارهاب، الجيش الذى يقول نشيده : «رسمنا على القلب وجه الوطن».