زكريا أحمد.. وسر خلوته في المقابر

زكريا أحمد
زكريا أحمد

 

صمت رهيب يخيم على منطقة مقابر باب النصر، بينما أشعة القمر في مرحلة الذبالة تلملم خيوطها استعدادا للرحيل، وفجأة يخترق هذا الصمت نغمات موسيقية، ومحاولة دندنه صوتية مصدرها مجهول، وما إن سمع عسكري الدورية علت الدهشة وجهه   تموج انفعالاتها مع كل خطوة يخطوها وهو يتتبع صوت الدندنة.

اقرأ أيضًا| 30 ألف جنيه.. نفقة متعة لزوجة متسول

وصل العسكري إلى مصدر الصوت، واصابته حالة من الفزع والهلع، وتملكته رعشة شديدة يحاول تشديد قبضته على البندقية، وخطوات يشوبها خوف وحذر يقترب اكثر، ويتمحص بعينيه على ضوء الأشعة القمرية حتى رأى رجلا جالسا على الأرض وبيده آلة موسيقية يعزف عليها، تصور عسكري الدورية أن أمامه عفريت يتقمص شخصية بني آدم، وأخذ يستعيذ بالله من الشيطان، ويتمتم بكلمات سريعة وتجرأ وسأله، وكان هذا الحوار.

انت إنس ولا جن
أنا.. إنس طبعا ياشاويش
لما أنت انس إيه اللي جايبك هنا الساعة دي؟
شغلي ياشاويش
بتشتغل إيه في جبانة الأموات بعد نص الليل.. طربي؟
لا.
ميت؟
لا طبعا.. مش تقول الأول سلام عليكم
ماتخودنيش في دوكة..  ولا سيكا، وايه البيانو اللي في ايدك ده
ده اسمه عود ياشاويش
اسمه عود.. اسم عفريت.. انت جاي تغني للأموات
لا طبعا.
الناس بيجوا يقرأون القرآن على الأموات وحتما بالنهار، ولو قراوا القرآن بالليل الأموات حايخافوا.
انت بتهزر.. وتضحك.. قوم فز معايا.
ياراجل اهدى وافهمني.
مش عايز افهم.. انت شكلك من العصابة اللي مشطبة على المقابر ونازلة سرقة في الأموات والاكفنة، واسنان الذهب اللي في بوق الأموات.

عصابة ايه؟ انا ماسك عود مش طفاشة.

اشتاط العسكري غيظا وبصوت جهوري يصرخ في وجهه قائلا: قوم انجر معايا احسن اطخك.. ولا من شاف ولا من دري.

لم يجد الرجل أمامه غير اطاعة أمر العسكري، وقام يجرجر اذياله مستسلما للعسكري الذي لم يفلح في فهم شخصيته ولا السبب الذي حدا به إلى الانفراد وحده وسط المقابر في الهزيع الأخير من الليل.

فوجئ العسكري بالرجل حافي القدمين، ويلبس ملابس مرقعة وفي عنقه مجموعة من السبح، وعلى راسه طاقية خضراء، وفي صدره دلاية تتدلى فيها عظمة وهيكل جمجمة وأشياء غريبة.

وأمام الضابط، وبينما كان يوشك آذان الفجر حيث رفع الضابط رأسه المثقل بالنعاس ليشاهد رجلا يلبس ملابس غريبة، وحافي القدمين، وقال له:

ايه ياراجل اللي انت لابسه ده
ده مش لبس مجاذيب ياحضرة الضابط، ده لبس عفاريت؟
يعني انت عفريت
لا انا عمك الشيخ زكريا أحمد، اخذ الضابط يفرك عينيه وانتفض من فوق مقعده قائلا: فعلا، وعامل في نفسك كدة ليه يامولانا، اتفضل استريح.

وطلب من العسكري أن يحضر فنجان قهوة، بينما تضاعف جنون العسكري من حسن ترحيب الضابط بالمتهم المقبوض عليه.

ويستكمل الضابط حديثه قائلا: دي مفاجأة ياسيدنا الشيخ، لكن انت ماشي حافي، ومعاك العود، وانا واحد من ملايين المعجبين بيك.

ياسلام عليك انت وأم كلثوم في (الآهات) و (أنا في انتظارك) و (كل الاحبة اتنين اتنين).

جلس الشيخ زكريا حجازي يحتسي القهوة ، وراح يفسر الضابط سر خلوته مع الاموات في الوقت المتأخر من الليل.

وامسك بورقة وقال هذه كلمات لحن جديد اسمه (لحن العفاريت) بعمله لفرقة علي الكسار، وانا عمري ماشوفت عفريت، ولا أعرف العفاريت بيغنوا ازاي، واعرف انهم بيسكنوا في القرافة، حبيت اكون ملحن واقعي زي مابيقولوا، قلت البس لبس عفاريت، واخد العود واروح القرافة يمكن ربنا يرزقني بعفريت أو أكثر يخضوني شوية واحس باحساس الخضة واعمل منه مدخل اللحن.

أغرق الضابط في الضحك قائلا: بس دي مغامرة جريئة وكان ممكن تتأذي، ويرد الشيخ زكريا عليه قائلا: ماحدش بياكلها بالساهل ياحضرة الضابط.

وفي النهاية اعتذر الضابط للشيخ زكريا احمد عن تصرف العسكري، وأوضح له أن هناك لصوص مقابر مما اقتضى تشديد الحراسة على المدافن، وطلب الضابط إحدى سيارات القسم لتوصيل الشيخ زكريا احمد إلى بيته حتى لا يعود حافي القدمين، وبهذه الملابس المثيرة للاستهزاء.

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم