«صفاء» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم
قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم

وصلت صفاء مطار القاهرة الدولي في الوقت المناسب جلست لبرهة من الزمن تتنفس الصعداء وتحمد الله على أنها وصلت في ميعادها المحدد ونجحت في اللحاق بالطائرة التي تعمل عليها قبل البدء في الإقلاع

صفاء تعمل مضيفة طيران منذ أن تخرجت في الجامعة الأمريكية تقريباً منذ خمس سنوات.

 

ولأن منزلها في وسط البلد فهي تتكبد الكثير من المشقة علاوة على الوقت الطويل والزحام الرهيب إلا أنها حريصة كل الحرص على أن تصل قبل موعد الإقلاع بفترة وجيزة، لكن من سوء حظ صفاء أن موعدها على الطائرة الساعة السادسة، إقلاع ومن المفروض، أنها تبدأ في التجهيزات الساعة الخامسة مساء، ولأن صفاء تسكن في وسط البلد فهي تخرج من منزلها قبل الميعاد بثلاث ساعات تقريباً وهذا ما فعلته صفاء

لكن هذا اليوم كان غير كل الأيام، فقد تصادف مع موعد ذهابها للمطار خروج الموظفين من أعمالهم وكذلك المدارس كل هؤلاء البشر وتلك السيارات وكذلك باصات المدارس يتكتلون في وقت واحد لأن ميعاد خروج الموظفين وكذلك المدارس هو ميعاد واحد وهذا ما يزيد المسألة تعقيداً وسوء وإهدار للوقت.

 

صفاء مصدومة في حالة ذهول وتوتر شديد تخشى أن تتأخر عن الميعاد المحدد.. لا تصدق أنها لم تضع هذه الأمور الصعبة في اعتبارها لم تكن تعلم أن هذا يحدث على مدار عشرات السنين وأن القاهرة وغيرها من المحافظات الأخرى تعاني نفس المعاناة، الزحام المروري الشديد وخصوصاً أيام الدراسة.

دخلت صفاء مسرعة إلى الطائرة المتجهة من القاهرة إلى المملكة العربية السعودية، اعتذرت للكابتن عن التأخير غير المقصود وشرحت له في عجالة أسباب التأخير.

تقبل منها الاعتذار مقدراً للوضع، الراهن فهو أيضا يعاني نفس المعاناة.

 

في هذه الأثناء بدأ الركاب في يصعدون للطائرة، وجميع طاقم الطائرة بدأوا في أخذ أماكنهم استعدادا لاستقبال الركاب، ذهبت صفاء لتتخذ مكانها في الدرجة الأولى المميزة (vip)لاستقبال المسافرين

بعد صعود حوالي عشرين راكبا تقريبا سكنتهم كل في مكانه المحدد.

 

 اتجهت صفاء بعد ذلك إلى مطبخ الطائرة لإعداد المشروبات لتقديمها لركاب الدرجة الأولى المميزة. وهي في حالة من الإجهاد والإعياء الذي بدأ يظهر على وجهها حتى أن زميلتها لاحظت ذلك كما لاحظت العرق يتصبب من وجنتيها.

 

بدأت عجلات الطائرة في التحرك.. والجميع في سكون تام الكابتن يقرأ دعاء السفر، وما لبثت مراوح الطائرة في الدوران حتى بدأت رأس صفاء تدور بشدة وبسرعة فائقة سقطت صفاء مغشياً عليها، استطاعت منى زميلتها أن تتلقاها على كتفيها قبل أن تسقط على الأرض.....

حالة من الانزعاج الشديد تجهم وجه جميع من حولها من المضيفين والمضيفات، بسرعة أسرع أحدهم بسؤال الركاب عن وجود طبيب..

قال أحد الركاب: أنا موجود خير

سريعاً اصطحبه المضيف إلى غرفة الاستراحة المخصصة بالطائرة وصفاء مازالت بالغرفة مستلقية على الأريكة فاقدة الوعى....

طلب الطبيب من الزملاء أن يفسحوا له الطريق لإتاحة الفرصة للكشف عليها...

في هذه الأثناء قام الدكتور عبد الله بالكشف عليها واطمئن أن النبض سليم وضربات القلب في حالة جيدة إلى حدٍ ما، فاقت صفاء بعض الشيء سألها بصوت منخفض هل أنتِ متزوجة،

أجابت في خفقان شديد وهذيان: نعم

قال لها: مبروك أنتِ حامل

مفاجأة غير متوقعة وغير ساره لصفاء على عكس كل البنات اللاتي يتزوجن ويأملن أن يرزقهم الله بالذرية

وأسرعت قائله له أرجوك لا تخبر أحد هنا بهذا....

 وضع يده على كتفيها وطبطب عليها إهدائي لن أخبر أحد ولكن هل لك أن تخبريني السبب؟!

قالت وهي متعبة جدا وبهمسات وكأنها تتمتم في أذنيه: أعلم أنه خبر سار لأي فتاة تريد أن تكون أم ولكن مثلي كتب عليها ألا تكون أما،  فوظيفتي كمضيفة طيران تحول بيني وبين ذلك، وأنا في أمس الحاجة لهذه الوظيفة فدخل زوجي ودخلي يكفيان بالكاد، فكيف الحال عندما أترك وظيفة تعتبر ذات دخل مناسب وحافز

يساعدني على موجهة ارتفاع الأسعار؟!

وكيف الحال إذا رزقت بطفل وزادت الأعباء المالية علينا؟!

حقيقة أسئلة ومخاوف آن أثارت فضولي، وعلت كثيراً من سقف دهشتي...!!!

حاول الدكتور عبد الله أن يهدأ من روعها وفزعها حتى لا يسوء بها الحال أكثر من ذلك

متسائلاً ماهي وظيفة زوجك!؟

أجابت بصوت منخفض: محاسب

أوصاها الدكتور عبد الله أن تسلم أمرها لله وألا تيأس من رحمته سبحانه وتعالى هو الرزاق العليم

قائلا: لابد أن تضعي هذه العبارة نصب عينيك، الأطفال رزق وكل مولود يأتي برزقه.

 

زملاء صفاء انتظروا خروج الدكتور عبد الله للاطمئنان عليها، خرج وعندما سألوه عن حالتها قال لهم إجهاد جسدي وشوية توتر وأوصاهم أن تأكل شيئا وتشرب عصير وتخفيف العمل عليها لأنها لن تتحمل الإجهاد، خرج ذاهباً إلى مقعده وهو يتمم بعبارة لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إلى أن وصل إلى المقعد في هذه الأثناء كان يجلس بجواره، شخص من ملابسه يتبين أنه سعودي الجنسية

سأله خير يا دكتور

رد عليه دكتور عبد الله أن شاء الله خير وبدأ يسرد عليه ما حدث بالتفصيل

يرد عليه قائلا: أنا عندي شركة مقاولات وأحتاج محاسب ممكن تخبرها وتعطيها رقمي وتخلى زوجها يتصل على

ضحك الدكتور عبد الله في دهشة وسرور متبعاً سروره بكلمتين الحمد لله والشكر لله

قال له ثواني وأرجع لك

وذهب الدكتور عبد الله مسرعاً إلى صفاء ليبشرها بهذه البشرى، وأن فضل الله على عباده عظيم

فرحت صفاء لهذا الخبر وعادت الدماء تجري في عروقها من جديد وعاد وجهها الجميل لحالته الطبيعية

وضعت صفاء يدها اليسرى على بطنها، ورفعت يدها اليمنى إلى السماء شاكرة لله.