حروف ثائرة

محمد البهنساوي يكتب: فلسطين وأفريقيا مجددًا

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

تناولنا فى المقالين السابقين بعض المواقف والتوجهات العميقة للسياسة الخارجية المصرية ، والتى تؤكد النضج الشديد الذى وصلت إليه ، والحديث يمتد ويطول بهذا الملف ، وقد يستمر أسبوعيا إذا ما استجبنا لغريزة المتابعة الصحفية ، فأسبوعيا هناك أحداث مهمة ومحورية لسياستنا الخارجية، لكننا سنحاول كبح الجماح الصحفى ، لكن ليس قبل أن نتناول موقفين مهمين للغاية لسياستنا الخارجية وسعيها المحسوب لخدمة الصالح العام وتحصين أمننا القومى ، ورغم ما يبدو من تباعد مكانى ومضمونى بين الموقفين لكنهما يلتقيان فى بوتقة واحدة تؤتى أكلها منعة لأمننا القومي
الحدث الأول كان فى مدينة بطرسبرج الروسية حيث عقدت القمة الروسية الافريقية ، والتى شارك فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى مع الرئيس بوتين وعدد من القادة الافارقة ، ولأنها تسعى لاستعادة مكانتها الطبيعية فى ريادة وقيادة القارة السمراء ، فمصر فى تلك القمة لم تكن تتحدث عن نفسها ، لكن تحدث الرئيس السيسى باسم القارة ودفاعا عن مصالحها وكشفا لحقوقها، وللعلم فإن تلك القمة تم إطلاق نُسختها الأولى عام 2019 خلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى ، أى أن سعى مصر لصالح قارتها ليس مستحدثا ولا وليد اللحظة

نعود لكلمة الرئيس السيسي فى القمة والتى أكد خلالها عُمق الشراكة التاريخية التى تجمع الدول الأفريقية وروسيا ، وشرح التحديات التى تواجه قارتنا وحقوق أجيالها القادمة وتأمين مستقبل آمن لهم ، بل شدد على أن الدول الأفريقية ذات سيادة وإرادة مستقلة وفاعلة بمجتمعها الدولى ، عارضا المطالب والحلول العادلة لأبناء القارة السمراء سواء بشكل عام أو لتجاوز الأزمة الحالية ، ليس هذا فحسب بل مطالبا بضرورة وجود صوت أفريقى مؤثر داخل المحافل الدولية ،أولا لإيصال صوتها وحقوقها وثانيا لتحقيق التوازن الدولى ، وبالطبع لسنا بحاجة لتأكيد دور مصر المحورى والمتواصل فى دعم الحقوق الأفريقية بكل المحافل الدولية التى يشارك فيها الرئيس السيسى تعزيزا وتأكيدا لدور مصر ومكانها فى القارة

وفى توقيت متزامن تقريبا مع هذا التحرك لتأكيد دور مصر ومكانتها أفريقيا ، جاء الموقف الثانى بواحدة من أهم القضايا التى توليها مصر أهمية كبرى ، ألا وهى القضية الفلسطينية التى تعتبر مصر الحاضنة الكبرى لها ، وهذا أيضا دعما وتعزيزا لأمننا القومى ، فقد استضافت مدينة العلمين الجديدة اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بمشاركة حوالى 11 فصيلا فلسطينيا فى محاولة للتوصل لمرحلة جديدة للمصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام فى ظل التحديات الموجودة والمحيطة بالقضية الفلسطينية وتحقيق توافق يستطيع من خلاله الفلسطينيون مجابهة تلك التحديات
ولا يخفى على أحد أن القضية الفلسطينية أولوية فى سياسة مصر الخارجية، ولا تفارق أجندة تحركات الرئيس السيسى بالمحافل الدولية ، ويأتى هذا الاجتماع ضمن جهود عديدة للدولة المصرية كبداية لتحقيق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية ، وقد وفرت مصر كافة الأجواء والآليات التى تضمن نجاح الاجتماعات لرأب الصدع الفلسطينى الذى تتسع رقعته منذ سنوات ، ولا يخفى على أحد أيضا أن كل تلك الجهود التى تبذلها مصر بالطبع تصب فى صالح الأشقاء الفلسطينيين ، وعلى نفس الدرجة تخدم مصالح مصر وأمنها القومى ، إنه النضج الكبير الذى نتحدث عنه فى سياستنا الخارجية.