لم يكن اتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران مفاجئا تماما.. فالمفاوضات الجادة تجرى بين الطرفين منذ عامين، واستضافت العراق وسلطنة عمان جولات عديدة من التفاوض، وكانت التهدئة على جبهة اليمن تشير إلى إيجابية المحادثات التى أثمرت أخيرا هذا الاتفاق المهم.
المفاجأة الحقيقية كانت فى توقيت الإعلان عن الاتفاق، وفى إعلانه من عاصمة الصين التى استضافت الجولة الأخيرة من التفاوض ورعت التوصل للاتفاق!
جاء الإعلان عن الاتفاق فى وقت تتأزم فيه قضية تجديد الاتفاق النووى مع إيران، ويتم الإعلان عن أن نسبة تخصيب اليورانيوم لديها وصلت إلى ٨٤٪ لتصبح أقرب ما تكون إلى تحقيق هدفها.
وبينما تصعد أمريكا وحلفاؤها من الضغط على طهران وفرض المزيد من العقوبات عليها، تعلن منظمة الطاقة النووى الدولية عن اتفاق إيجابى مع طهران لعودة التفتيش على منشآتها النووية، وهو ما يفتح باب التفاوض من جديد، ويترك تهديدات إسرائيل بالحرب معلقة فى انتظار موافقة أو مشاركة أمريكية غير منتظرة!!
ويجىء الاتفاق فى ظل محاولات أمريكية للعودة إلى المنطقة التى كانت تظن أن أهميتها ستتراجع، فإذا بها تزداد أهمية وخطورة مع عودة الحرب الباردة وتزايد الصراع بين القوى الكبرى فى عالم يبحث عن نظام دولى جديد بعد أن تهاوى النظام الذى سيطر على العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ومن هنا تبدو أهمية الحضور الصينى فى اتفاق السعودية وإيران لتقول إنها لم تعد القوة الاقتصادية الكبرى فقط، بل أصبحت لاعبا سياسيا رئيسيا فى عالم اليوم والغد، وأن محاولات حصارها لن تجدى!
الفرص متاحة لطى صفحة سنوات صعبة فى علاقات السعودية وإيران. الطرفان يدركان حجم الخسارة التى لم تقتصر عليهما بل شملت المنطقة.
النص فى الاتفاق على احترام استقلال الدول وعدم التدخل فى الشئون الداخلية يفتح الباب لتطورات إيجابية فى أقطار عربية دفعت أثمانا باهظة لسنوات.. العراق واليمن وسوريا ولبنان.
التحدى الحقيقى الآن هو الالتزام الجاد بالاتفاق واستعادة الثقة فى أن يكون التعاون بديلا للصراع المدمر. الذين رحبوا بالاتفاق سيدعمون ذلك.. لكن ماذا عن الخاسرين؟!