حبر على ورق

إلى كل امرأة وأم مصرية

نوال مصطفى
نوال مصطفى

«أحنُّ إلى خُبز أُمّى وقَهوةِ أُمّى ولَمْسةِ أمى». بهذه السطور افتتح الشاعر الفلسطينى العالمى محمود درويش قصيدته التى يصف فيها حميمية التفاصيل الصغيرة فى علاقته بأمه. كتبها عام 1965 ولها قصة مؤثرة رواها درويش ليصف حاله وهو فى المعتقل بعيدا عن دفء المشاعر، وإحساس الحضن والسكن الذى يفتقده.

كان محمود درويش يظن أن أمه تحب أخاه الأكبر أحمد أكثر مما تحبه، وظل سنوات يحمل هذا الشعور الحزين داخله. عندما اعتقل بسبب قصيدة ألقاها فى ندوة عامة دون أن يأخذ تصريحا. جاءته أمه فى زيارة محروقة القلب، نازفة الدموع، كانت يومها تحمل له الخبز والقهوة، وإمعانا فى القهر دلق ضابط الأمن القهوة، ورفض أن يدخل الخبز.

يومها شعر درويش أنه كان مخطئا، وأن الأم هى الكائن الوحيد الذى يعطى حبا غير مشروط ولا ينتظر المقابل. انتشرت هذه القصيدة، حفظها الآلاف من عشاق الشاعر الكبير، وربما كانت أكثر قصائده شعبية ورواجا. انتشرت أكثر عندما غناها الفنان اللبنانى مارسيل خليفة.

هل لأنها الأفضل بين إنتاجه الأدبى الوفير، الأصيل؟ لا أظن. فمشروعه الأدبى حافل بالعديد من الدواوين التى حملت وجعه المقيم بسبب الاحتلال الإسرائيلى لوطنه فلسطين، طفت المعاناة فوق سطوره المعذبة فى حب الوطن، وتجلى الحرف صرخة فى كتاباته. لذلك أرى أنها ربما لا تكون أجمل قصائده، لكنها القصيدة التى لامست مشاعر كل إنسان فينا، وعبرت عن التفاصيل الصغيرة التى تعلق بذاكرة كل إنسان فى علاقته بأمه، وهى أجمل وأنبل علاقة.

أما أنا فأحن إلى نظرة أمى التى تنفذ إلى أعماقى، وتعرف أننى لست على ما يرام رغم أننى أتظاهر بعكس ذلك. أحن إلى حكمة أمى التى تقطر حبا، وخوفا، وحرصا على أن أكون أسعد وأنجح، وأقوى من كل الظروف، أحن إلى فرحة أمى، ضحكتها الجميلة الخجولة تملأ ملامح وجهها وهى تتلقى خبرا سعيدا يحمل إنجازا حققته فى مشوارى الصحفى.

أحن للمة أمى الجميلة للعائلة تحت مظلتها ورعايتها مساء كل يوم خميس، وفى رمضان والأعياد، أحن إلى حكايات أمى المليئة بالدروس خلف السطور، بلا مباشرة، أو وعظ. أحبك يا أمى الحبيبة، وأفتقدك كثيرا. معك أدركت جيدا أن الأمومة هى سر الكون، لمعة الإلهام، ورمز الحب غير المشروط.
أعياد المرأة

هل تستحق المرأة المصرية عيدًا ينتهزه الجميع ليقدموا لها باقات الحب وكلمات العرفان بالجميل؟؛ نعم تستحق بكل تأكيد وفخر. التاريخ المصرى حافل بعشرات، بل مئات المواقف التى تؤكد دورها الفعال، المؤثر فى بناء الوطن. تاريخ 16 مارس نفسه له ذكرى غالية على نفوسنا جميعا، فهو اليوم الذى قادت فيه السيدة هدى شعراوى أكثر من 300 سيدة رافعات أعلام الهلال والصليب كرمز للوحدة الوطنية ومنددات بالاحتلال البريطانى والاستعمار. وفى نفس هذا اليوم 16 مارس 1919 سقطت مجموعة من الشهيدات.

الآن؛ وبعد سنوات طوال من كفاح المرأة ونضالها المستمر، الصبور تحقق الكثير مما كانت تحلم به السيدة هدى شعراوى، نالت المرأة المصرية الكثير من الحقوق، وأصبح لدينا عدد كبير من الوزيرات و نائبات مجلسى النواب والشيوخ. أصبح لدينا القاضية والشرطية وقائدة الطائرة. لم يعد هناك مجال إلا ودخلته المرأة المصرية وأثبتت ذاتها فيه.

لا يتوقف عطاء المرأة على تلك الأدوار المحورية، الملهمة بل إنها قدمت للوطن رجالا ضحوا بأرواحهم من أجل مصر، نساء عظيمات فقدن الزوج، أو الابن، أو الأب.. فقد جسدت رمزا للصمود والتحدى، وضربت أروع الأمثلة فى حب وطنها، وزرع الانتماء، وعشق مصر فى قلوب أطفالها.. تحية لكل امرأة مصرية صنعت أسطورتها الخاصة فى يوم المرأة المصرية.