بداية

الضحية طفلة والجاني قاصر.. من المسؤول؟!

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

..لم أقف طويلًا أمام مثل هذه الجرائم؛ فهى قديمة ليست وليدة اضطراب زمن من الأزمنة أو نتاج أزمة طارئة حدثت بالبلاد، ربما تكون هناك «عوامل أخرى» لعبت هذا الدور ومعها زاد معدلها؛ فالإنسان في كل الدنيا، في كل قارات العالم الخمس، فيهم الخير وفيهم الشرير، ومنهم الودود، ومنهم الأناني، ومنهم الفاضل ومنهم من فطرهم الخالق على الرذيلة، ومنهم المهذب في أخلاقه وتصرفاته ومنهم الوقح الذي يتقنع بالدين، يتظاهر بغير حقيقته، يجد لنفسه المبرر يحيطها بهالة من الكذب والغدر، يحجب الحقيقة عن نفسه، يجيد أدوار الفضيلة والإيمان وهو صاحب نفس معوجة تمتلئ بالتشوهات؛ نعم الجريمة قديمة دون أن نغض البصر عنها أو نستهين بها أو نعتبرها من قبيل الفتنة النائمة لعن الله من أيقظها حين نتحدث فيها ونناقش أسبابها.
جريمة اغتصاب الطفلة زينة التي ذهبت ضحية جارها وابن حارس العقار منذ سنوات ليست بالقليلة– صغيرا السن – الذي تقطن فيه – حيث استدرجاها الى سطح المنزل وحاولا اغتصابها ثم ألقيا بها من السطح لتلقى حتفها لم يكن الحادث الأخير والابشع في تاريخ الجريمة؛ ومثلما كانت الطفلة زينة ولاتزال حديث أهالي محافظة بورسعيد؛ أيضًا صارت الطفلة آية ابنة الخمس سنوات حديث أهالي حي السلام بالقاهرة؛ ما الذي رآه هذا المغتصب اللعين في جسد طفلة لا تملك غير براءتها تتعامل بها مع كل من يصادفها في الشارع، نحيفة العود هزيلة الجسد، لا تعلم شيئًا عن الأنوثة غير شعرها الأسود الذي انسدل متموجًا طويلًا مرسلًا وكأنه أساور من الفضة تحيط بمعصمها، فرحة به لكن فرحتها هذه لم تدم سرقها لص ناهش أعراض؛ لن تذهب أنفسنا عليه حسرات حين يلتف حبل عشماوي حول رقبته منتزعًا من جسده روحه الشريرة، جريمة جرت أحداثها على ناصية ش الـ 20 بجسر السويس شاهد عليها صندوق قمامة تابع لحي السلام، كان شاهدًا على جريمة ترتجف لها الجبال قبل البشر.
أتى الغروب بهمه وغموضه وشجونه، خرجت آية من بيتها الصغير تلهو وتلعب أمام أعين والديها في مرح وسعادة تداعبها الأم مرة بإلقاء الكرة بعيدًا ومرات تعود مسرعة ترتمي في أحضان والدها، على الجانب الآخر كان هناك شاب لم يعرفه أحد من أبناء الحي هبط عليهم منذ شهرين، يعمل في مطعم أكلات شعبية، وحسب كلام شهود العيان لم يصادقه أحد لسوء سلوكه وتصرفاته الغريبة؛ حيث لاحظ البعض من الأهالي تعاطيه للمواد المخدرة ليلًا وقبل إغلاق المطعم؛ دلف الأب والأم إلى داخل شقتهما بالدور الأرضي بالعقار، غابا للحظات وكأنها كانت كفيلة لتختفي آية بعدها.
الصغيرة انتابها العطش، قادتها قدماها إلى المطعم الذي يجلس الشاب على بابه يدخن سيجارة الحشيش، وببراءة استأذنته أن تشرب، فدعاها للدخول، أمسك يدها كان يفكر في الشر في هذه اللحظة؛ فجأة وبلا سابق إنذار يحملها عنوة، هز الخوف أوصال الصغيرة، ظلت ترجوه بدموع عينيها: «سيبني سيبني»، لم يسمع الجبان غير أمر شيطانه، اقتادها إلى غرفة صغيرة في آخر المطعم بها سرير، ألقى بها على السرير وهمّ المجرم باغتصاب الصغيرة وهي ترجوه أن يبتعد عنها، ورغم ضعفها وقلة حيلتها، إلا أنها استجمعت ما فيها من قوة واستمرت في الصراخ، الأمر الذي دعاه لكتم أنفاسها، كانت الأم تنادي على ابنتها وسرعان ما تحول نداء الأم إلى صراخ، ومن ناحية أخرى الأب يسأل الناس في الشارع عن طفلته الصغيرة خوفًا من أن يكون سائق توك توك صدمها بسيارته، لم يعلم الوالدان المكلومان أن ابنتهما تقبع خلف جدار بالقرب منهما عجزت عن الاستغاثة بعدما وضع المجرم يده على فمها كاتمًا أنفاسها، وأفلت المغتصب القاتل يده عن فم الصغيرة يسألها: «انتي عارفه أنا مين أنا ممكن أسيبك»؟!، فردت آية وقد بللت دموعها يده النجسة ببراءة: «أيوه عارفاك أنت عمو....»، وقبل أن تنطق باسمه حملها ورطم رأسها في الحائط فسقطت الصغيرة على الأرض بلا حراك، واستل سكينًا كبيرًا من على المنضدة ونحرها من عنقها، وانتظر حتى فرغ الشارع من الناس، وحمل الصغير في جوال كبير ربطه بإحكام واستوقف عربة توك توك سارت به إلى أول الشارع وألقاها في صندوق قمامة، وفي الصباح مشي مع الجميع في البحث عن الصغيرة على مدار يومين متتالين قبل أن تكشف مباحث القاهرة جريمته وتقدمه للعدالة.
لم تكن آية وحدها هي التي هزت مشاعرنا مصحوبة بالغضب خلال الأيام القليلة الماضية، ولكن وبنفس الطريقة وقعت جريمة أخرى، شهدت أحداثها هذه المرة حي المعصرة بحلوان؛ شاب أربعيني يراقب طفلة لا يتجاوز عمرها 8 سنوات، يقترب منها، أعطاها جنيهًا زاعمًا لها أنه يعرف والدها وهو ينتظرها عنده في شقته، صدقته المسكينة ذهبت معه منار وبمجرد أن وطأت قدماها داخل الشقة فوجئت به يكشر عن انيابه، مزق ملابسها محاولًا اغتصابها.. أخذت تصرخ الطفلة بكل ما لديها من صوت، وعندما خشي الذئب من افتضاح أمره دفع رأسها في الحائط حتى أصيبت بإغماء ولم يكتفِ بذلك بل خنقها بقميص حتى فارقت الحياة، وسرعان ما غادر الذئب الشقة وكان هذا ما ساور عقل رجال المباحث فألقوا القبض عليه معترفًا بجريمته.
وبعيدًا عمن غادرونا من الملائكة الصغار الى الأبدية البيضاء – مستعيرًا هنا تعبير الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش – نحن أمام جريمة صارت تطل علينا بوجهها القبيح من وقت لآخر، مرتكبيها أصحاب تركيبة شاذة، الإعدام أولى بهم هذا إن كانوا بالغين ولكن الأدهى والأمر عندما نجد مرتكب الجريمة قاصر، وهنا حري بنا أن نسأل من المسؤول؟، صحيح العقوبات رادعة لكن بعيدًا عن الأحكام القضائية أين دور المراكز البحثية للوقوف على أسبابها وعلاجها؛ فالجريمة لم يكن سببها الفقر والبطالة والجهل كما يصدع رؤوسنا تنظير بعض أساتذة علم الاجتماع، وكأن هذا الثالوث هو محطم المجتمعات، ولكن المأساة تتلخص في كلمتين أثنتين وهي أزمة أخلاق.

[email protected]