«سماسرة التجنيد» تستقطب الشباب من تونس وسوريا وليبيا والعراق

تجنيد الشباب في صفوف التنظيمات الإرهابية
تجنيد الشباب في صفوف التنظيمات الإرهابية

تقرير يكتبه: عمرو فاروق 

شهدت المنطقة العربية تنامي ظاهرة سماسرة استقطاب وتجنيد الشباب في صفوف التنظيمات الإرهابية، وإرسالهم إلى بؤر التوتر والصراع في سوريا والعراق واليمن وليبيا، منذ عام 2011، فضلاً عن شبكات التمويلات الضخمة التي مهدت الطريق لتمدد الأيديولوجيا الفكرية للعناصر التكفيرية المسلحة.

التحقيقات التي تجريها السلطات التونسية خلال الأيام الراهنة، مع عدد من المتورطين في تسفير الشباب إلى مناطق النزاع المسلح، وعلى رأسهم راشد الغنوشي، المسئول عن «حركة النهضة»، تبرهن الدعم البالغ من جماعة «الإخوان الإرهابية»، في تحريض الشباب على المشاركة في أعمال العنف الدائرة في كل من سوريا والعراق وليبيا.

الاتهامات التونسية شملت قائمة طويلة من القيادات «الإخوانية»، أمثال رجل الأعمال محمد فريخة وهو مدير شركة «سيفاكس» الخاصة للطيران، وفتحي البلدي، وعبدالكريم العبيدي، وفتحي بوصيدة، ورضا الجوادي، ومحمد العفاس، والبشير بلحسن، ووزير الشؤون الدينية الأسبق نور الدين الخادمي، وسيف الدين الرايس، وهو المتحدث الرسمي لتنظيم» أنصار الشريعة». 

وفق آخر تقريرٍ صادر عن مجموعة صوفان Soufan Group المتخصصة في مجال استشارات الأمن الاستخباراتي، صدّرت تونس نحو 6 آلاف شخص إلى سوريا والعراق، وفي يوليو 2015، أفاد تقرير آخر صادر عن «الأمم المتحدة»، أن التونسيين هم الأكثر انضمامًا إلى التنظيمات الإرهابية في ليبيا وسوريا والعراق، بعدد تجاوز 5500 شاب، تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا. 

في إطار استمالة المتخصصين واستغلال إمكاناتهم المهنية، بيًّن الاتحاد العام لطلبة الجامعات التونسية، أن 1300 طالب تونسي أغلبهم من أصحاب الاختصاصات العلمية منخرطون في التنظيمات الجهادية في سوريا والعراق وبدرجة أقل في ليبيا. 

لا شك في أن وصول جماعة «الإخوان» إلى السلطة في عدد من الدول العربية؛ منح تيارات الإسلام السياسي والجماعات الراديكالية، مساحة كبيرة من التمدد في العمق العربي، والترويج لأدبيات العنف والقتال تحت مزاعم «الجهاد» وإقامة دولة «الخلافة». 

في ديسمبر 2018، أجرى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، دراسة حول الجهاديين التونسيين، وطرق انتقالهم عبر الأراضي التركية من خلال 5 محطات رئيسية يديرها 9 تونسيين، تركزت في أنقرة وكيليس وأورفة وعنتاب وريهانلي وأوفرا.

توصلت الدراسة إلى أن تنظيم «أنصار الشريعة»، أسهم في استمالة الشباب التونسي إلى تبني «الهجرة الجهادية»، وأن غالبيتهم انضموا في البداية إلى «جبهة النصرة»، ومنها إلى صفوف تنظيم «داعش»، وأن 970 مقاتلاً تونسيًا عادوا إلى بلادهم، بينما لقي 552 حتفهم في سوريا والعراق، في حين توجه 1378 إلى مناطق الصراع في ليبيا ما بين 2014 و2016. 

وعن دور التونسيات أفادت نتائج الدراسة أنهن لعبن دورًا بالغًا في تطوير المجموعة القتالية النسوية «لواء الخنساء»، التابع لتنظيم «داعش»، وشاركن في إدارة عمليات الاستقطاب والتجنيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأشرفن على رحلات التسفير إلى معسكرات القتال في سوريا والعراق. 

السرّية المحاطة بشبكات «الهجرة الجهادية»، مكّنتها من القضاء على مستقبل النائبة ليلى الشتاوي، وإقالتها من لجنة الدفاع والأمن، ومن رئاسة اللجنة البرلمانية التونسية للتحقيق في تجنيد وتسفير التونسيين الذين التحقوا بجماعات جهادية متطرفة، في مايو 2017، بعد توصلها إلى معلومات تفيد بتورط أطراف مسؤولة في الدولة، في تسهيل عمل شبكات وسماسرة التجنيد. 

ربما الفترة المقبلة ستشهد المزيد من الحقائق حول الأطراف الفاعلة في التعبئة القتالية في سوريا والعراق وليبيا، على أيدي قيادات حركة «النهضة» الإخوانية، في ظل هيمنتها على مقاليد السلطة التونسية لسنوات عدة، واستغلالها لمؤسسات الدولة في تسهيل إجراءات «الهجرة الجهادية»، وإصدار الجوازات الرسمية للشباب، ونقلهم خارج المناطق الحدودية، فضلاً عن دعمهم ماليًا.

الدور الأبرز لتنامي شبكات التجنيد والاستقطاب لاسيما في الداخل القاهري، أدته عناصر جهادية سابقة، منتمية للجماعة الإسلامية وفلول تنظيمات الجهاد، إلى جانب التيارات السلفية، مثل السلفية الحركية، وكذلك جماعة «التبليغ والدعوة»، التي مثلت جسرًا لـ «السلفية الجهادية». 

يأتي على رأس الداعمين لـ«الهجرة الجهادية» في السابق السلفي المسجون حاليا، حازم صلاح أبو اسماعيل، المؤسس لتيار «حازمون»، والدكتور ياسر برهامي، تحت مظلة «الدعوة السلفية»، في الإسكندرية، التي أطلقت حملة «أمة واحدة»، لاسيما أن المرجعيات الشرعية في سوريا والعراق غالبيتهم من ابناء التيار السلفي، فضلاً عن دور القيادي في الجماعة الإسلامية، عاصم عبد الماجد (هارب حاليًا)، ومحمد حسين يعقوب، ومحمد حسان، وأبو اسحاق الحويني. 

رغم أن عددًا كبيرًا ممن انضموا للجماعات المسلحة في سوريا والعراق، رفعوا لافتة «الجهاد المقدس»، والانتصار للمنهج الفكري، والتعايش في كنف «دولة الخلافة»، فإنهم في الحقيقة مجرد مرتزقة، سافروا مقابل الحصول على الأموال، التي تقاضوها أو أرسلت إلى عائلاتهم في شكل رواتب شهرية، وفقاً لاعترافات بعضهم في لقاءات إعلامية. 

استفادت الدولة المصرية من تجربتها في متابعة ملف العائدين من أفغانستان، وألبانيا والبوسنة والهرسك خلال مرحلة التسعينات من القرن الماضي، وأدركت مخاطر عودة العناصر الملتحقة بمعسكرات القتال في سوريا والعراق، ومن ثم جففت نشاط «سماسرة التجنيد» منذ نهاية عام 2016.

امتلكت الدولة المصرية قاعدة بيانات كاملة عن العناصر المنضمة للجماعات الإرهابية في سوريا والعراق وليبيا، لا سيما أن غالبيتهم خرجوا من البلاد بطرق غير شرعية، ويزيد عددهم على 1600 متطرف، تتراوح أعمارهم ما بين 22 و40 عامًا، فضلاً عن استجوابها للكثير من العائدين في الفترة الزمنية ما بين عامي 2013، و2016، لبيان دورهم في تشكيل خلايا نائمة في العمق المصري. 

 

أقرأ أيضأ : المتحدث باسم العمليات المشتركة في العراق: لم يعد لـ"داعش" بيئة داعمة