يوميات الأخبار
نزلت باريس أول مرة عام تسعة وسبعين من القرن الماضي، وبالطبع كان متحف اللوفر مقصدي، زرت القصر الراسخ، المنيف الذي بناه لويس الرابع عشر، في اليوم الأول تفقدت أجنحته الثلاثة، ثم عدت إلي كل منها في يوم بمفرده، ثم رسا بي الحال في سراي صول المخصص للقسم المصري الذي يضم حوالي خمسين ألف قطعة، ثم قصدت أقساما بعينها منه، مثل الجزء المخصص لطقوس الرحيل الأبدي، وقسم الدولة القديمة، وحتي الحديثة، ثم عدت في زياراتي التالية إلي قطع بعينها منها قناع يشبهني في شبابي لشاب عاش في الأسرة الثامنة عشرة، خلال ستة وثلاثين عاما ترددت فيها بانتظام علي باريس علي الأقل مرة في كل سنة أصبح أحد طقوسي الثابتة زيارة القسم المصري بالتحديد، وهناك اربعة متاحف عالمية كبري احفظ محتوياتها من الاثار المصرية القديمة، متحف تورينو المخصص كله للاثار المصرية والمجموعة الموجودة فيه من اغني المجموعات الموجودة خارج مصر ولها قصة طويلة ربما اوردها فيما بعد، ثم المتحف البريطاني القسم المصري وأشهر قطعة فيه حجر رشيد الذي اكتشفه الفرنسيون وانتهي الي الانجليز، ثم القسم المصري بمتحف المتروبوليتان وهذا من مقاصدي الرئيسية في نيويورك، الاثار المصرية موجودة في جميع متاحف العالم، اذكر انني رأيت في مدينة مجرية صغيرة ست مومياوات بمتحفها غير المشهور، رؤية اثار الاجداد بعيدا عن الوطن تضيف هالة خاصة لا استطيع توصيفها بالضبط، ربما أجنبية المجال والمسافة، يبدو ان البعد شرط للقرب، الانسان يري البعيد أكثر مما يراه علي القرب. اذكر أول زيارة إلي متحف اللوفر، خرجت إلي الطريق العريض الذي يمر بميدان الكونكورد الذي تتوسطه المسلة المصرية، أي قلب باريس تماما، وهذه المسلة احدي اثنتين كانتا امام معبد رمسيس الثاني بالأقصر، الأخري ما تزال قائمة، اذكر شعورا بالأسي خالجني، كل هذه القطع خارج مهدها وبعيدا عن اطارها، لكنني مع التدبر والامعان انتهيت إلي ان الاثار لمن يحافظ عليها ويعتني بها وليس لمن تنتسب إليه ولا يحفظها، يعرض نوادرها بشروط مهينة في متاجر وليس في معاهد علمية ويتركها عرضة للنهب والتلف، لا.. من الأفضل ان تظل في الأماكن التي تصونها، خاصة أن الحضارة المصرية القديمة تفرقت علي الحضارات الانسانية، وصارت من عناصرها، انها ملك للانسانية جمعاء، الشهر الماضي، الاسبوع الثالث من مايو قصدت متحف اللوفر ولكن في زيارة مختلفة، صحيح انني عرفت اعظم عالمة مصريات السيدة نوبلكلور صديقة الراحل ثروت عكاشة وشريكته في انقاذ اثار النوبة، والتقيت السيدة كريستيان زيجلر رئيسة قسم المصريات حتي وقت قريب، إلا انني لم اتجول معهما في اللوفر، هذه المرة ينتظرنا البروفيسور فينسان روندو رئيس القسم المصري الآن، كانت زيارتنا جزءا من البرنامج الذي أعدته الدكتورة أمل الصبان المستشارة الثقافية البارزة لبرنامج مصر ضيف الشرف في مؤتمر التعددية الثقافية الذي أعدته ونظمته بلدية باريس الاولي والتي يقع في نطاقها المقر الرئاسي، الاليزيه، رافقت الدكتور فتحي صالح والمهندس محمد أبوسعدة.