منذ الأزل ومصر هي فتاة جيشها المدللة.. وليس صحيحاً ما يدعيه بعض الحاقدين والمكابرين.. أن الجيش هو فتي مصر المدلل.
والتاريخ عبر أطواره المتعددة وحقبه العديدة، يؤكد أن الدول عادةً هي من تصنع الجيوش وتبنيها.. دفاعاً عن مكتسباتها وحمايةً لممتلكاتها ووقايةً من المتربصين.
وربما الحالة المصرية هي الوحيدة علي الأقل في منطقتنا.. ذلك أن مصر منذ قديم الأزل، هي جيشٌ من المخلصين المؤمنين بهذه الأرض.. همُ الذين بنوا مصرَ.. وشيدوا حضارتها القديمة.. وهاهم يواصلون بناء حضارتها الحديثة.. متمسكين بحقهم الأصيل في حمايتها والدفاع عنها وبذل كل غالٍ في سبيل ذلك.. حتي غدا شعارهم المؤكد والمألوف « يدٌ تبني.. ويدٌ تحمل السلاح «. وحين فكر السياسيون إن جازت هذه التسمية بعد ثورة 25 يناير.. في إعادة الجيش بكل قطاعاته وبكل رجالاته إلي الثكنات.. عاد الجيش ولم يعارض ولم يثر.. لأنه جيش مصر.. الذي يحميها ويبنيها في آن واحد.. وكادت الكارثة أن تحدث وكادت المصيبة أن تحلّ.. وأخذ البلد يسير بخطيً سريعةٍ نحو الإنهيار وكاد أن يغرق في بحر من الظلام والانكسار.. ولكن الله ألهم المخلصين كلّ المخلصين.. فهبّ الجيش بكل قطاعاته وقواته، فأوقف التلاعب، واستيقظ الناس من غفلتهم وتنبهوا من غفوتهم.. فكانت ثورة يونيه التي قتلت في صدور الطامعين أحلامهم.. وعادت بفضل الله أولاً مصرُ إلي المصريين.. وعاد الجيش يمارس حقه الفطري في حماية البلد والانطلاق به إلي الأمام من جديد.. مسابقاً الزمن ومتخطياً المحن.. بعدما أعلن رئيس مصر في كل مناسبةٍ أنه ليس لدينا وقت.. « معندناش وقت «..
وكان الجميع في مصر ومن حولها يخشون عليها من الوقت.. فاقترح المحبون والمخلصون.. أن تعقُبَ ثورة القوانين ثورتي يناير ويونيه. وأن تواكب أحلام المصريين في الانطلاق.
ولكن شيئاً من هذا لم يحدث.. وعادت قوانينُ خوفو وخفرع ومنقرع تمهدُ الطريق لكل من شاء بلع..
بهذه الأوصاف والعبارات، خاطبت الدولة المصرية والشعب المصري ورجال المال والأعمال، في المؤتمر الاقتصادي الأول لمؤسسة الأخبار.. ثم توالت المؤتمرات.. مؤتمر شرم الشيخ، طُرحت فيه المليارات.. ولم تر مصر شيئاً بعد، مؤتمر مرسي مطروح واصل الأطروحات دون أن يتغير في الأمر شئ.. وهاهو مؤتمر الصعيد علي الأبواب، وأظنه سيكون مواصلةً لسلسلة المؤتمرات الكبري، دون فوائد كبري.
ولقد أوردت مقدمتي عن الجيش في هذا المقال، لأني مؤمن تماماً بقدرته علي الإنجاز، والتي تجلت في مكافحة الإرهاب ومازالت.. فتحقق للأمن شرطةً وجيشاً الكثير مما يريدون.. ولا ينكر أحدٌ أن هناك ما تحقق مع الأمن من إنجازٍ في الطاقة والكهرباء..
ولعل ما يفخر به الجيش المصري ورئيس الدولة الموقر هو موضوع قناة السويس « الجديدة « في ذلك الزمن القياسي وبهذا التكافل والتضامن الشعبي الهائل..
وبالأمس أعطي فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وفقه الله إشارة البدء لمشروع شرق التفريعة، لتطوير وتنمية محور بورسعيد.. ليجلب الخير والرخاء والإستقرار إلي مناطق حُرمت منه طويلاً.. ولعل أهمها سيناء التي تركها الإهمال مرتعاً لإرهاب تعاني منه البلاد والعباد.. وقد تمتد هذه المعاناة التي لاسبيل للحد منها غير التنمية والإعمار.
الرئيس نفسُه، اعترف بأن هناك فسادا تجِبُ محاربته تماماً كالحرب علي الإرهاب.. وإذا كان الإرهاب يواجه بالفكر المستنير وبالسلاح والقوة.. كذلك الفسادُ فإن أوُلي أدواتِ مكافحته،الثورة علي القوانين البالية، واللجوء إلي قوانين العصر الميسّرة التي تُدخِل الثقة إلي نفوس المستثمر المصري أولاً ثم العربي. وإذا حُلت مشاكل هؤلاء.. جاء الأجنبي سريعاً مطمئناً ليشارك في التنمية وليضخ مع الآخرين في شرايين الاستثمار دماً نقياً لاتلوثه العقبات ولا يخالطه الفساد.
لقد قال الرئيس معيباً علي تصرفات البعض المضادة : « دول لا هُم بيعرفوا يبنوا ولا عايزين حد تاني يبني، يعرفوا يهدّوا وبس«.
ومع كل الاحترام والتقدير لكلام فخامة الرئيس هذا.. فإن كل من يرفض ثورة القوانين التي تحتاج إليها مصرُ في هذه المرحلة، ويسمحون للقوانين البالية أن تسود وتستمر.. فمن الجائز جداً أن يصنفوا تحت هذا التعريف.. « ولا عايزين حد تاني يبني.. «.
لقد أثبت الجيشُ والجيش فقط، أنه القادر بعون الله علي البناء.. لأنه ليس محاطاً بالقوانين العتيقة.. وليس تحت معوقاتها واقع.
وإني لأتساءل في الختام: لماذا لا توكل مهمة الاستثمار في مصر إلي الجيش، لأنه القطاع الوحيد (فيك يامصر) القادر علي الإنجاز مهما كانت المهمة صعبة ومهما كان الحمل ثقيلا.
لقد نجح الجيش المصري بكوادره المدربة وقياداته الأمنية علي ضخ الأمل وزرعه في نفوس المصريين.. لتحيا مصر.
مصر التي تحتاج اليوم إلي قوانين عصرية تحطم قيود الروتين، وتؤكد للعالم نقاء وعزيمة وصدق المصريين.