لا استقرار بدون حرية، وإذا ما حاول أحد أن يقلص الحرية أو يقيدها فإنه يضحي بالاستقرار، ودائما ما يشبهون الاستقرار والحرية بقطرة الزئبق في راحة اليد، فطالما اليد مفتوحة فقطرة الزئبق مستقرة، أما إذا حاول أحد أن يطبق يده عليها فرت قطرة الزئبق من بين أصابعه، وفقد الاستقرار.
وبصراحة لا أعرف ما مبرر من «حشر» المادة «٣٣» في قانون مكافحة الإرهاب، فهذه المادة سيئة السمعة تقيد حرية الصحافة، وتمسك بالعصا لمن يجتهد من الصحفيين وتحبس من يبحث عن معلومة أو ينشر ما يفيد القارئ، من وجهة نظره .
وتنص المادة «٣٣» علي أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية، بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون الإخلال بالعقوبات التأديبية المقررة.
وقد تجاوزت هذه المادة الدستور وانتهكتنه وانتهكت حرية الصحافة، وسلبت حق القارئ في المعرفة، وحق الصحفي حق الاجتهاد. ووضعت كلمة الإرهاب ضمن الصياغة حتي ترهب الصحفيين.. وجعلت الحبس - الذي منعه الدستور في قضايا النشر - سيفا علي رقبة الصحفيين.
من وضع هذه المادة يريد تعكير صفو العلاقة بين الصحافة والإعلام بصفة عامة والدولة، لانه يعرف الدور الذي يلعبه الإعلام في تثبيت دعائم الدولة والاستقرار.
وإذا كانت الدولة تحارب الإرهابيين وتسعي جاهدة للقضاء عليهم، فإن دور الإعلام هو محاربة الإرهاب، والدوران لا يمكن أن ينفصلا أو يقوم كل طرف بمهمته بمنأي عن الآخر.
كنت أظن أن مجلس الوزراء ورئيس الحكومة إبراهيم محلب سيقوم بعرض هذه المادة علي مجلس نقابة الصحفيين، والمجلس الأعلي للصحافة ورؤساء التحرير ويستطلع آراءهم قبل إقرارها، والبحث عن صياغة محكمة تعاقب المتعمدين ولا تقيد الحرية.. تمنع نشر الأخبار الكاذبة، ولا تمنع الصحفيين من عملهم.. تعلي شأن الدستور، ولا تنتهك مواده.. تساعد الصحفيين والإعلاميين علي أداء رسالتهم ولا تقيد حريتهم.
لم تكن مصر في حاجة إلي ردود الفعل السلبية داخليا وخارجيا، ولا الوقت الحرج الذي تمر به البلاد يتحمل مثل هذه الخطايا، لأن المتربصين كثر.
أرجو ألا يدفعنا الحزن علي شهدائنا، والغضب من العمليات الإرهابية إلي اتخاذ خطوات وإجراءات من شأنها تشويه الحالة الثورية التنموية التي تمر بها مصر، أو تشوه العمل البطولي الشجاع الذي يقوم به ضباطنا وجنودنا.
أعيدوا النظر في هذه المادة سيئة السمعة، واسمعوا آراء الصحفيين والإعلاميين، وعدلوا صياغتها والغوا الحبس في قضايا النشر، ولا تجعلوا مشاعر الغضب هي التي تحركنا، حكموا عقولكم، وطبقوا المنطق والدستور الذي أقره الشعب.. انزعوا فتيل الأزمة قبل أن تنفجر في وجه الجميع.
آخر كلمة
لا تلعبوا بالنار ولا بالحرية.