قد نختلف معه احيانا ونغضب منه احيانا ونتخذ منه موقفا فى أحيان أخرى.. ولكننا بالتأكيد سوف نظل نحترمه على الدوام ونقدره طوال الوقت ونقف امامه كما يقف التلميذ أمام الاستاذ فقد كان وسوف يظل قامة عظيمة ارتفعت فبلغت مكانة لم ولن يبلغها صحفى فى تاريخ هذه الامة واذا كان الاستاذ هيكل قد كون فى رحلته مع بلاط صاحبة الجلالة أعداء واصدقاء وهو شأنه شأن كل انسان يحب ويكره فإنه فى بعض الاوقات أقصى عن الطريق زملاء وتسبب فى سجن زملاء آخرين وقد كان الولد الشقى السعدنى الجميل احد الذين وقع عليهم غضب العم هيكل عندما انحاز السعدنى للجناح الناصرى فى الحكم بعد رحيل ناصر فى حين اتخذ الاستاذ جانب الرئيس الجديد أنور السادات وغاب السعدنى داخل الاسوار عامين كاملين ومع ذلك فقد كادت السعادة تنط من وجه السعدنى وهو يقرأ حلقات الاستاذ هيكل فى واحدة من أكبر الصحف البريطانية «الطريق الى أكتوبر» وشعر بالفخر وهو يقرأ مقدمة رئيس تحرير الصحيفة وهو يقدم الاستاذ هيكل يكتب.. ان صاحب هذا القلم يصنع شرفا عظيما لاى مطبوعة.. وقد اطلق السعدنى على الاستاذ لقبا اصبح كظله فقال عنه.. انه أعظم صحفى انجبته امة محمد وعلى الرغم من الغيظ الشديد والكره الذى تولد داخلنا نحن ابناء السعدنى عندما علمنا ان مهندس 15 مايو من العام 1971 هو نفسه الاستاذ هيكل وانه هو صاحب «الفضل» فى دخول السعدنى السجن اقول رغم ذلك فإننا بادلنا الرجل بعد ذلك حبا لا مثيل له وعندما عادت المياه الى مجاريها بين السعدنى والاستاذ فكان ضيفا يشرف بيتنا المتواضع فى لندن كل عام احسسنا اننا فى حضرة كيان عظيم الشأن كانت لعظمة ناصر شىء من قلم محمد حسنين هيكل.. عندما قرأت كتابه الرائع لمصر لا لعبدالناصر منذ سنوات بعيدة وكنت طالبا احسست بأن ظلما بينا وقع على جيلى لاننا لم نعاصر هذا الزعيم فى مرحلة الوعى وادركت لماذا سجن ناصر كل مثقفى وكتاب وصحفيى مصر وان شئت الدقة معظمهم.. ومع ذلك خرج هؤلاء وهم يدينون لناصر بالوفاء والانتماء.. عندما قرأت ملفات السويس وهى قصة كفاح لهذا الوطن من أول رأس الدولة وحتى أصغر مواطن فى بلادنا وفى تلك الايام العصيبة التى مرت بنا فى المنفى ايام حكم الرئيس السادات خرجت بعض قوى المعارضة تنادى فى بغداد بأن يكون الكاتب الاكبر محمد حسنين هيكل هو الرمز او المعادل للرئيس السادات فى المعارضة خصوصا وان هناك اسماء كبيرة تم تداولها منها الفريق سعد الدين الشاذلى الذى كان مقيما فى الجزائر ويومها وقف السعدنى متحدثا وقال ان هيكل صانع الملوك ولا يصلح ان يكون ملكا وهو فى صفته ليس له مثيل فى الكون.. وبالفعل كان العم هيكل مد الله فى عمره هو صاحب الفضل فى تسجيل ملحمة كفاح شعب مصر عندما اشرقت الشمس على البسطاء للمرة الاولى منذ عهود يوم 23 يوليو من العام 1952 استطاع العم هيكل بقربه من خالد مصر ورئيسها الاعظم على مر التاريخ جمال عبدالناصر.. اقول استطاع هيكل ان يخلد مسيرة هذه الامة التى كادت ان تنهض من جديد وتعيد للاذهان تجربة سابقة فى عهد اخطر الرجال الذين حكموها وأحبوها وفهموا طبيعة دورها ومدى تأثيرها فى محيطها محمد على باشا.. ولكن كان لابد للتجربة ان تتعثر وللرجل ان يختفى من المشهد وللشمس ان تغرب ومن حسن الطالع ان للتجربة «جبرتى» ولكن بعقل يقظ وفكر منير وثقافة كالبحر لا حدود لها ولا عمق تستطيع ان تدركه كان العم هيكل هو جبرتى هذا الزمان الذى عاش فيه فإذا به يخلد الرجل وتجربته ويمنح الاجيال السعيدة القادمة خريطة للطريق خريطة الوطنية والعزة والكرامة خريطة تعيد حدود مصر ونفوذ مصر وقوة مصر وأسباب رفعتها وشموخها ونهضتها.