(قال الإمام أحمد بن حنبل: الناس يحتاجون إلى العلم والتنوير مثل حاجتهم للخبز والماء والهواء.)
يكثر الحديث بمناسبة وبغير مناسبة عن ضرورة تطوير التعليم للحاق بركب التقدم العلمى والتكنولوجى، الحاصل فى العالم المتميز، المنتج والمبدع، صاحب الابتكارات الجديدة فى دنيا الصناعة والزراعة والاقتصاد. والذى جعل العالم المتخلف سوقاً استهلاكية لمنتجاته فحقق الرخاء لمواطنيه.. ولكن لم يسأل أحد منا، ماذا يقصد بتطوير التعليم، هل بنقل تجارب الآخرين إلى البلاد؟
إن التطوير وفق المفهوم المصرى يعنى إجراء بعض التعديل الجزئى فى مضمون المنهج الدراسى، وتقليل صفحات المراجع..
ولعل التطوير الذى ينشده البيت المصرى، الأب، والأم، والطالب، التى تعودت على الكسل والبعد عن التفكير السليم لا يتجاوز الرغبة فى تخفيف العبء وحذف التكرار والحشو مع إضافة يجد فى التعليم من أساليب وتقنيات جديدة.. كلما أمكن ذلك. والسعى الحثيث إلى مجموع أكبر فى الثانوية العامة وفى التعليم الفنى حتى تتاح لأبنائهم فرصة الالتحاق بالتعليم الجامعى.
وفى اعتقادى أن هذا الذى تسعى إليه الأسرة المصرية ليس بالتطوير الذى يحتاجه المجتمع من التعليم.. إنما ينبغى أن يتناول التغيير الشامل العملية التعليمية بأكملها من مناهج دراسية أكثرها أكل عليها الدهر وشرب، ومبان مدرسية أصبحت متقادمة وهجرتها يد الترميم والإحلال والإصلاح، وبناء مدارس جديدة، وفق المعايير الدولية المتعارف عليها.. من فصول نظيفة، تشرح الصدر وتسر الخاطر بما تحويه من معامل متطورة وحدائق وملاعب، وأماكن مجهزة ليمارس الطلاب فيها هواياتهم من موسيقى، ومسرح وفنون تشكيلية.. ولا ننسى تطوير وتحديث الإدارة المدرسية، فهى العمود الفقرى لكل نجاح أو فشل، وأن يؤهل المعلمون وإعادة تجديد معلوماتهم وتدريبهم على ما طرأ على التعليم من تقنيات حديثة لمواكبة التقدم العلمى الحاصل فى العالم، بحيث يكون لدينا المدرسة النظيفة، المنتجة التى تجذب إليها الطلاب، والتى يفتخرون بوجودها والتحاقهم بها. وحتى يتحقق التقدم المنشود فى إصلاح حال البلاد والعباد.. لابد أن يتدرج التعليم منذ البداية حتى النهاية، وأن يحدد المجتمع الأهداف المرجوة تحديداً دقيقا على أسس علمية واضحة وهدف التعليم فى ظروف بلادنا لا يتحقق إلا بالأخذ بنظام التعليم النوعى الذى يخدم البيئة ويطورها إلى الأفضل، ومن ثم يجب أن «يتفرع» التعليم منذ البداية للنهاية إلى تعليم من ثلاث شعب.. تعليم حرفى، وتعليم تطبيقى تكنولوجى وتعليم أكاديمى يؤدى إلى الجامعة بتخصصاتها المتنوعة من طب وهندسة وصيدلة وعلاج طبيعى، وعلوم إنسانية كالأدب واللغات وفنون النقد والتحليل، على أن تسير الشعب الثلاث منذ البداية فى خطوط متوازية، ولمدد متساوية من سنوات الدراسة فى جميع مراحل التعليم.
وأن يكافأ الخريج، بعد أن يكون قد تم تأهيله وتدريبه، بالإعداد الجيد، بنفس القدر ماديا واجتماعيا، وهذا التنوع فى التعليم يوفر نوعيات من الأفراد الصالحين للعمل فى مواقع الإنتاج بكفاءة واقتدار ولتطوير مجالات الإنتاج والخدمات.. ويمكن الاستفادة من هذه الخبرات بتصديرها إلى الخارج بشرط ان تكون قادرة على المنافسة فى أسواق العمل الدولية بما لديها من خبرات متراكمة ولديها القدرة على الابداع والابتكار، وهذا التنوع فى التعليم ذى الثلاث شعب يقرب الفوارق الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد ويعيد المجتمع إلى توازنه علميا واجتماعيا، وأخلاقيا، ويصبح المجتمع أكثر تجانسا وترابطا وأكثر إنتاجا. يكسب قوته وقوت أولاده بشرف وكرامة، بعيدا عن الاقتراض من الدول أو البنوك الدولية، فالاقتراض كارثة قومية حتى لا نورث الأجيال القادمة الفقر والعوز وما لا يحمد عقباه فى قادم الأيام.. والحديث موصول.