بصراحة انزعجت جدا من تصريح السيد رئيس الوزراء يوم الاربعاء 27 ابريل خلال لقائه بمناسبة عيد العمال مع أعضاء مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ورؤساء النقابات العامة بحضور وزير القوي العاملة ورئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر. فقد استهل حديثه بالتأكيد علي أنه» لا عودة للخصخصة «وأن توجه الحكومة هو إعادة الهيكلة والتطوير لشركات ومصانع قطاع الأعمال العام والقطاع العام، وعلاج مشكلاتهما علي أن تكون الإدارة بشكل مختلف عما سبق».
وأتوقف عند مصطلح إعادة الهيكلة وهو مصطلح فضفاض يستعمل كمسكن حتي لا يتم مواجهة الحقيقة. وأتساءل...هل سيتم إعادة الهيكلة بنفس الأشخاص الذين أغرقوا هذه الشركات في الخسائر والديون. هل سيتم إعادة الهيكلة بأشخاص لا يتمتعون بالكفاءة ولا الخبرة الدولية ولا القدرة علي الإبداع واتخاذ القرار المطلوبين لإخراج الشركة الخاسرة من كبوتها. من السهل ان تحقق الخسائر ولكن من أصعب الامور تحويل الخسارة إلي مكسب وهذا يتطلب نوعية مختلفة تماما من الفكر والإدارة.
قد أتفهم ان لكل حادث حديثا وان مخاطبة العمال في عيدهم تستوجب تشجيعهم وطمأنتهم ولكن هل من صالح العمال وصالح الدولة الاستمرار في مهاجمة الخصخصة واعتبارها مصدر كل الشرور وإبقاء الوضع علي ما هو عليه واستمرار مسلسل النهب والرشاوي والخسائر التي يذخر بها القطاع العام. لقد شهدت بنفسي وفي مستهل حياتي العملية في قطاع المقاولات الفساد ينخر في شركات القطاع العام ما بين عضو مجلس إدارة للشؤون المالية يطلب مقابلا ليعطيك مستحقاتك او يوقفها او مسؤول يطلب عمولة لشراء معدات وغيره من جرائم الرشوة والسرقة والنهب باعتباره مالا سائبا وملفات الرقابة الإدارية مليئة بقصص يندي لها الجبين. ان القطاع العام ينوء بحمله من العمالة الزائدة التي لا يعنيها الا التزويغ والالتفاف علي اللوائح والقوانين وقبض المرتبات والحوافز والعمل بالتوازي في وظائف أخري.
لقد صدمني ما صرح به السيد رئيس الوزراء في هذا اللقاء بأن شركات القطاع العام قد حققت 300 مليون جنيه خسائر خلال العام الماضي ومصدر صدمتي هو ان يصدر هذا التصريح عن السيد رئيس الوزراء باعتباره مطلعا علي الأرقام الحقيقية وملما بالأوضاع. بصراحة، عندي شك في صحة هذا الرقم بل أتحدي ان يكون هذا الرقم صحيحا فلا يعقل ان خسائر القطاع العام 300 مليون جنيه فقط حين تكون خسائر مصانع الحديد والصلب وحدها بالمليارات والتليفزيون المصري حوالي 3 مليارات وديون شركات الغزل والنسيج لبنك الاستثمار القومي والبنوك التجارية 564 مليون دولار في نهاية عام 2014 هذا غير خسائرها بالمليارات أضف إلي ذلك خسائر مصر للطيران الخ الخ...
لقد تخلصت روسيا من عبء تركة القطاع العام الخرب التي خلفها الحكم الشيوعي الشمولي اما نحن فقد أقنعنا أنفسنا بعكس العالم كله أن الخصخصة تعني السرقة والفساد. آن الأوان لإعادة الاعتبار لكلمة الخصخصة وذلك بطرح الشركات الحكومية خاصة الخاسرة منها للبيع إلي القطاع الخاص فليس معني ان هناك اخطاء قد حدثت أن يكون المبدأ نفسه خاطئا؟ كما يجب إعطاء دورات تثقيفية للعمال حتي لا يستغلهم أصحاب دعوات التظاهر والإضرابات وتعطيل عجلة الإنتاج ويجب ان يفهم العمال ان مقاومة الخصخصة خوفا علي وظائفهم هو في غير صالحهم فقد نضب البئر الذي كانوا منه ينهلون ولم يعد في الإمكان صرف أرباح لشركات خاسرة او حتي مرتبات لعمال في مصانع وشركات متوقفة عن الإنتاج.
علي الحكومة ان تعترف بأن محاولات بيع شركاتها لمستثمرين رئيسيين أصبحت تواجه صعوبات كبيرة جدا بعد صدور أحكام قضائية بعودة عدد من الشركات بعد خصخصتها إلي ملكية الحكومة مرة أخري. ولحل هذه المشكلة يجب ان يضمن قانون الاستثمار عدم جواز الطعن علي العقود المبرمة من الحكومة امام المحاكم الا من أطرافها وضرورة اخذ رأي مجلس الوزراء قبل التحقيق في البلاغات المتعلقة بالخصخصة. يجب ان نعود إلي المبدأ القانوني الاساسي بأن العقد شريعة المتعاقدين وأن نحترم تعاقداتنا.
وأخيرا، انا كمواطن مصري دافع للضرائب التي هي مورد مهم من موارد الدولة من حقي ان اعترض علي سفه رمي الأموال العامة واستنزاف موارد الدولة علي مصانع وشركات منهكة خاسرة محملة بعشرات الآلاف من العمالة الزائدة. أطالب السيد رئيس الوزراء وأطالب السيد وزير قطاع الاعمال العام ان يخرجوا الينا وان يعلنوا علي الشعب حجم خسائر شركات القطاع العام في الثلاث سنوات الأخيرة شركة شركة حتي يفيق الشعب ويعرف أين تهدر أمواله وأهيب بالسادة نوابنا في مجلس الشعب ان يتبنوا هذه القضية وان يستمعوا إلي كل الآراء.