فى الركن الايمن من سلم النقابة، تتصدر رسم صورتين لزميلين دفعا دماءهما اثناء ثورة الشعب المصرى ضد حكم فاسد، وجماعة إرهابية.. تحت الصورتين حوض رخامى اتخذت منه مقعدا.. صوت هتافات الزملاء الصحفيين الشباب والكبار والسيدات وشيوخ المهنة.. الصحفيين الذين صنعوا وعى الشعب وفكرهم وثقافتهم الحاضرة والسابقة.
الأعداد كبيرة، والهتافات لم تعتد على أحد، كل مطالبهم ألا يعتبروهم ارهابيين.. تصدق، الصحفيين أصبحوا ارهابيين؟
أصبح الدفاع عن الكرامة تستحق سحقها.. وتستحق أيضا الكراهية الشعبية.. اذن لم يعد مسموحا لأحد أن يدافع عن كرامته إذا أهينت!
على الطرف الآخر من شارع عبدالخالق ثروت حيث يقبع مبنى نقابة الصحفيين الجديد الذى أقيم على مكانه العتيق، وجوه ناس غلابة، دفع بهم، ولهم كى يهتفوا بحبهم للرئيس السيسي، ويشتموا الصحفيين.. حتى عندما يدبرون لنا أمرا، يدبرونه بغباء، فمال الرئيس السيسى وأزمة الصحفيين مع وزارة تصر على إهانة الصحفيين واقتحام نقابتهم.
هناك على الطرف الآخر من الشارع سيدات تتشح بالسواد، وأخريات بالبنطلون الجينز والبدي، ورجال وشباب متواضعو المظهر، وكهول بجلاليب بسيطة جدا كل هؤلاء لم تفارق الشتائم ألسنتهم، وتطاولت إيديهم أيضا على بعض الصحفيين، مرة بالضرب ومرة باشارات يعاقب عليها القانون.
هكذا زجوا بالناس الغلابة فى أزمة لايعرفون عنها شيئا، فقد كانت بعض تعليقاتهم مثيرة للضحك والسخرية.. وشر البلية مايضحك.. انها كوميديا سوداء الناس الغلابة يحميهم الأمن من هؤلاء الصحفيين الارهابيين.. هكذا أصبحت المعادلة.
على نفس الرصيف احتمى عدد من هؤلاء الغلابة بعمود نور يقابل تماما مبنى النقابة الشامخ أمام أجهزة الأمن.
عمود النور هذا القديم جدا، كان مطفأ، فالشمس كانت فى كبد السماء.. عمره أطول من أعمارنا جميعا، انه أطول عمرا من ضباط الداخلية الذين اقتحموا مبنى النقابة التى يحميها قانون لم ينفذوه.. نفذوا فقط قانونهم هم.
احتمى بعمود النور من الوقفة الطويلة الناس الغلابة، وبعض رجال الأمن.. الكل يشعر بألم الوقفة فى الشمس، والتشنج والصراخ والشتائم التى منى بها الصحفيون.. ويالها من ملهاة.
عمود النور هذا شهد نضال الصحفيين من أجل الناس الغلابة التى ملأت صفحات جرائدها مشكلاتهم وعذاباتهم وآلامهم، وشكواهم الدائمة من البطالة والمرض ونقص الأدوية والفقر وزبالة الشوارع وانهيار منظومة التعليم.. واكتبى ياصحافة.
والصحافة تكتب، والمسئولون ينكرون ما هو معلوم ويلومون الصحفيين ويكذبون كل شىء.. واتسجن ياصحفى علشان.. بتكتب عن الناس الغلابة التى جاءت تشتم الصحفيين.
على فكرة.. إحنا مش زعلانين من الناس الغلابة الليّ بيشتمونا.. احنا زعلانين عليهم.